مقال بواشنطن بوست: كيف يمكن لواشنطن محاكمة قتلة خاشقجي؟

واشنطن بوست تكشف آخر 18 شهرا من حياة خاشقجي
خاشقجي كان يحمل بطاقة إقامة رسمية بالولايات المتحدة الأميركية (الجزيرة)

كيف يتسنى للولايات المتحدة ملاحقة قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي قضائيا؟ سؤال حاول مقال بصحيفة واشنطن بوست الإجابة عنه، استنادا إلى أحكام التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الأميركية.

يستهل الكاتب لي بولينغر -وهو رئيس جامعة كولومبيا الأميركية- مقاله بالتنويه إلى أن التعديل الأول يجيز لأي فرد في الولايات المتحدة انتقاد الزعماء السياسيين علنا دون خوف من عقاب أو انتقام من جانب الدولة.

ويتمتع الصحفيون بحكم عملهم الذي قد يقتضي منهم التحري عن المسؤولين العموميين، بحماية إضافية بموجب ذلك التعديل الدستوري. لكن ماذا لو أن صحفيا مقيما في الولايات المتحدة أساء لزعيم أجنبي مما جعل الأخير ينقلب عليه بدافع من انتقام؟ وفي هذه الحالة، هل من حق الصحفي أن يتوقع حماية مماثلة؟
كلها أسئلة يرى الكاتب أنها تنطبق على حالة الصحفي السعودي المقيم بالولايات المتحدة جمال خاشقجي، الذي لم يدخر وسعا في انتقاد النظام الحاكم في وطنه الأم.

يقول بولينغر إن الحكومة السعودية اضطرت -بعد أسابيع من الإنكار والانتقادات الدولية- إلى الاعتراف بمقتل خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين "مارقين" داخل قنصليتها في إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من أن النظام السعودي وعد بمحاكمة الجناة، فإن شيئا من ذلك لم يحدث، بحسب المقال.

ويوضح بولينغر أنه في الأحوال المثالية يجوز استغلال المعاهدات الدولية في مقاضاة المشتبه بهم في محكمة جنائية دولية. لكن السعودية لا تعترف بالمحاكم الجنائية الدولية، ولم توقع على المعاهدات المتعلقة بها، فهل ثمة مخرج؟

يرى بولينغر أن هناك حلا آخر، ويصف اغتيال خاشقجي بأنه اعتداء "سافر وشنيع" على القيم الأميركية وضد الحقوق المنصوص عنها في التعديل الأول والتي مارسها الصحفي السعودي في الولايات المتحدة.

اغتيال خاشقجي اعتداء سافر وشنيع على القيم الأميركية وضد الحقوق المنصوص عنها في التعديل الأول والتي مارسها الصحفي السعودي في الولايات المتحدة.

لي بولينغر

وبحسب المقال، فإن لهيئة الادعاء العام الاتحادية الأميركية واجبا للتحقيق وإمكانية رفع قضية جنائية ضد قتلة خاشقجي. ومع أن الكاتب يقر بأن إقامة دعوى قضائية في جريمة ارتكبها أشخاص غير أميركيين في الخارج بحق ضحية غير أميركي، أمر غير مألوف، إلا أنه يرى أن هناك أسانيد قانونية تسوغ للسلطات الاتحادية الأميركية إجراء تحقيق وعقد محاكمة.

ويؤكد الكاتب أن التعذيب داخل قنصلية أجنبية يُعد أساسا كافيا لكي يجري مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) تحرياته، في إشارة إلى ما تعرض له خاشقجي من صنوف التعذيب قبل تقطيع جسده.

ويردف قائلا إن القانون الدولي يقر بأن التعذيب جريمة من البشاعة مما يستوجب من الدول محاكمة من يرتكبونها داخل حدودها، حتى لو أن الجريمة ارتُكبت في مكان آخر. وإذا تسنى للسلطات الأميركية التخطيط للقبض على المشتبه فيهم السعوديين ونقلهم إلى الولايات المتحدة، فمن الممكن إخضاعهم للمحاكمة.

يقول بولنيغر إن مثل هذا السيناريو ليس بعيد المنال، فقد فعلتها واشنطن من قبل. ويضيف أن ثمة مسارا قضائيا آخر يتمثل في إمكانية إقامة دعوى تتعلق بحقوق الإنسان لدى المحاكم الاتحادية الأميركية استنادا إلى قانون أساسي يصون ممارسة الأفراد لحقوقهم الدستورية.

فإذ تآمر اثنان أو أكثر من الأشخاص لـ"الإضرار أو قمع أو تهديد أو ترهيب" أي من سكان الولايات المتحدة في الممارسة الحرة للحقوق المحمية دستوريا -وإذا نجم عن ذلك وفاة- فإن الجناة قد يتعرضون للسجن مدى الحياة أو الإعدام، بحسب الكاتب.

ويمضي بولينغر في مقاله إلى أن الولاية القضائية في الولايات المتحدة الأميركية على قضية خاشقجي ستتعزز إذا ما تمكن الادعاء العام من إثبات أن جوانب من الجريمة وقعت في الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال إذا ثبت أن السعوديين تواصلوا مع خاشقجي في الولايات المتحدة واستدرجوه إلى قنصليتهم في إسطنبول.

وبإمكان المدعين العموميين استخدام الاتصالات العرضية كالحوالات المصرفية عبر البنوك الأميركية لإقامة دعوى قضائية بالتآمر. ويشير مقال واشنطن بوست إلى أن المدعيين الاتحاديين أجروا تحقيقات بناء على أدلة أقل بكثير عما توفره قضية خاشقجي. ووفقا لبولينغر، فإن تعامل الولايات المتحدة مع جريمة قتل خاشقجي اتسم بالتهاون إلى حد كبير. 

المصدر : واشنطن بوست