الروس في فنزويلا.. تفاصيل القوة ورسائل موسكو منها

ما آفاق التوتر المحتمل بين أميركا وروسيا بشأن فنزويلا؟
إحدى الطائرتين العسكريتين الروسيتين اللتين حطتا خارج كراكاس (الجزيرة)

أمين درغامي-موسكو

قلل محللون عسكريون روس من خطوة إرسال عسكريين روس إلى فنزويلا، معتبرين أنها تأتي في إطار حماية المصالح الروسية في فنزويلا وتندرج في إطار اتفاقيات التعاون العسكري والتقني بين البلدين، فيما اعتبرها آخرون "ورقة ضغط" ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لوح أكثر من مرة بالتدخل العسكري في فنزويلا.

وكانت وزارة الدفاع الروسية أرسلت طائرتين عسكريتين تحملان 99 خبيرا عسكريا وشحنة مساعدات تفوق 35 طنا من المعدات الطبية والإغاثية، دعما لحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، مما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية الداعم الأكبر لزعيم المعارضة رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية (البرلمان) خوان غوايدو الذي نصب نفسه رئيسا بالوكالة.

ويرى رئيس قسم الشؤون الدولية في صحيفة "كوميرسانت" الروسية سيرغي ستروكان، أن روسيا اختارت تفعيل اتفاقيات التعاون العسكري القائم منذ سنوات قبل الأزمة في هذا التوقيت بالذات كورقة ضغط في الصراع بفنزويلا، بهدف كبح جماح النوايا العسكرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يستبعد في أكثر من مناسبة لجوء بلاده إلى خيار التدخل العسكري فيها.

نهج دبلوماسي
وبحسب ستروكان، فإنه بالرغم من هذه الخطوة التي تحمل في طياتها تمسكا بشرعية مادورو ودعما لنظامه، فإن الروس يحافظون على نهج دبلوماسي يحمل إشارات حول استعدادهم للعمل مع أي قيادة منتخبة في فنزويلا، مع الاحتفاظ بالقنوات الدبلوماسية لإيجاد توافقات مع اللاعبين الإقليميين والدوليين في سبيل إنهاء النزاع، وعمل كل ما يلزم للحفاظ على مصالحهم في فنزويلا في حال خروج مادورو من المشهد السياسي.

تواجد قوات روسية في فنزويلا ليس جديدا، إذ سبقه حديث عن وصول نحو أربعمئة من المرتزقة الروس يعملون ضمن شركة "فاغنر" الأمنية الخاصة إلى فنزويلا خلال الأسابيع الأولى من اندلاع الأزمة السياسية في البلاد أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

وقالت وسائل إعلام روسية حينها إن مهمتهم تتمثل في تأمين المصالح والاستثمارات الروسية، وعلى رأسها مواقع وتجهيزات لشركة "روس نفط". كما كانت قاذفات إستراتيجية روسية (تو 160) حطت في فنزويلا في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بدعوة من حكومة كراكاس.

الخطوة الروسية وُوجهت بانتقادات حادة من جانب الولايات المتحدة التي اعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية لفنزويلا، ووجها من أوجه دعم روسيا لمعسكر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على حساب خصمه خوان غوايدو، وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه منظمة دول أميركا اللاتينية.

لكن واشنطن ذهبت في مواقفها إلى أبعد من ذلك بتبني مجلس النواب الأميركي مشروع قانون لمكافحة نفوذ روسيا في فنزويلا، يتطلب دخوله حيز التنفيذ إقراره من مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس عليه، فيما صعّد البيت الأبيض لهجته ضد موسكو على خلفية الخطوة.

كما وضع فرولوف هذا التحرك الروسي في إطار حماية المصالح الروسية في فنزويلا، واعتبر أن من الخطأ ألا يتحرك الروس بشكل من الأشكال في هذا الاتجاه وفي هذه المرحلة.

وفي تفاصيل القوة العسكرية الروسية التي وصلت إلى كراكاس وحظيت باستقبال رسمي، تحدثت مصادر مقربة من الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم في فنزويلا عن أن القوة تضم مقاتلين من النخبة الشيشانية الخاصة.

وتنتمي تلك القوة إلى الفرقة 47 لمنطقة القوقاز، وهي قوات متخصصة في العمليات الخاصة والتدخل السريع ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وقد قاتلت إلى جانب الانفصاليين الأوكرانيين عامي 2014 و2015 في منطقة دونباس، كما تحدثت تقارير عن اشتراكها في معارك بسوريا.

‪مارينا كورينا ماتشادو: هناك قوات من النخبة الكوبية مهمتها حماية الرئيس مادورو‬ (الجزيرة نت)
‪مارينا كورينا ماتشادو: هناك قوات من النخبة الكوبية مهمتها حماية الرئيس مادورو‬ (الجزيرة نت)

قوات أخرى
ووفق المصادر، فإن "هذه القوات لم تأت للنزهة وإنما نشرت بناء على معلومات بشأن وجود قوات مسلحة أو مليشيات أو مرتزقة من كولومبيا وسلفادور وهوندوراس على الأراضي الفنزويلية، أو أن هناك تحضيرات لدخولها قريبا"، كما اعتبرت المصادر نفسها "أن أجهزة الاستخبارات الروسية على علم بتطور كبير أصبح وشيكا، حتم على المسؤولين الروس اتخاذ هذا القرار والتحرك في هذا الإطار".

إلا أن للتواجد العسكري الأجنبي في فنزويلا أوجها أخرى في رأي المعارضة. فقد كشفت المعارضة الفنزويلية اليمينية ماريا كورينا ماتشادو، وهي مرشحة سابقة للانتخابات الرئاسية ضد الزعيم الراحل هوغو تشافيز -خلال مقابلة أجرتها معها الجزيرة نت في وقت سابق- عن وجود قوات من النخبة الكوبية مهمتها حماية نيكولاس مادورو، بل وجود قوات كوبية خاصة جاهزة للقتال إلى جانب الجيش الفنزويلي، وذلك في ردها عن سؤال حول أسباب إصرار المعارضة على طلب التدخل العسكري الأجنبي ضد مادورو.

ويوحي المشهد الفنزويلي على ضوء التطورات الأخيرة بمزيد من التصعيد، في ظل تزايد حالة الاستقطاب الذي يغذيه صراع دولي على النفوذ في هذا البلد اللاتيني الغني، طرفاه واشنطن وموسكو. ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع روسيا والولايات المتحدة الذهاب في سبيل الحفاظ على مصالحهما هناك؟

فواشنطن التي ترى في مادورو خطرا حان وقت إزالته، لوحت منذ البداية بعصا التدخل العسكري بعد اعترافها بغوايدو رئيسا شرعيا، وأصرت على إرسال مساعدات إنسانية إلى بلد أدرجته في خانة البلدان المنكوبة.

من جهتها، تشبثت روسيا بشرعية مادورو مؤكدة على الخيار الدبلوماسي، فهل تحينت موسكو الفرصة -في ظل التطورات في المشهد الفنزويلي- لنقل الصراع الإستراتيجي الأزلي إلى الضفة الأخرى من المحيط، بتلويحها هي الأخرى بخيار القوة؛ أم أن دروس الماضي ستفلح في تليين مواقف الأطراف ولو بعد حين، لإخراج البلد اللاتيني من نفق الأزمة الخطيرة التي يمر بها؟

المصدر : الجزيرة