حراك الجزائر.. اتفاق على تغيير النظام واختلاف على الحلول

People carry national flags and banners during a protest to demand the resignation of President Abdelaziz Bouteflika, in Algiers, Algeria March 29, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina
الجزائريون اتفقوا على الحراك واختلفوا على مآلاته (رويترز)

إسلام عبد الحي-الجزائر

ارتفعت حدة النقاش في الجزائر بين مختلف الأطراف حول مستقبل الحراك والمخرج المناسب من الأزمة السياسية الحالية بعد دعوة رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح لتفعيل المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور المنصب الرئاسي، ثم الدعوة إلى تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور لحل الأزمة.

وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وضع خارطة طريق في 11 مارس/آذار الجاري للخروج من الأزمة، تضمنت تمديد ولايته الرابعة، وتأجيل الانتخابات الرئاسية وتنظيم ندوة وطنية جامعة، لكن الحراك الشعبي أفشل خطة بوتفليقة.

واقترحت بعض الأحزاب المعارضة قبل أسبوع خريطة طريق من ستة أشهر، تتضمن تشكيل "هيئة رئاسية" لإدارة شؤون البلاد، على أن تتكون الهيئة من شخصيات وطنية "مشهود لها بالمصداقية والكفاءة".

ونصت كذلك على عدم جواز ترشح أي من أعضاء الهيئة في الانتخابات الرئاسية المقبلة أو حتى دعم أي مرشح رئاسي، ووجّهت نداء للمؤسسة العسكرية "للمساعدة" في الاستجابة لحراك الشارع، على أن "يتم تسريع استقالة بوتفليقة أو إعلان عجزه الصحي، ثم إقرار إجراءات ثورية من خارج نص الدستور".

سيناريو غير دستوري
خارطتا الطريق المقترحتان من قبل الرئيس وتكتل المعارضة يضعهما أستاذ القانون الدستوري عامر رخيلة "خارج الإطار الدستوري، وغير مأمونتي العواقب".

وفي اتصال مع الجزيرة نت يرجع السبب إلى أن "مكونات الشارع تشترك في فكرة تغيير النظام، لكنها تختلف في طريقة تغيير هذا النظام من جهة، ورؤية مشروع المجتمع المزمع بناؤه من حيث طبيعة النظام السياسي، وكيف يكون، ومرجعيته من جهة أخرى".

السيناريو الثاني الذي يتوقعه الخبير الدستوري رخيلة هو احترام الدستور بحلول أجل نهاية فترة حكم رئيس الجمهورية في 28 أبريل/نيسان، ويجتمع وجوبا المجلس الدستوري، ويعلن تعيين رئيس مجلس الأمة رئيسا للدولة لمدة تسعين يوما، يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية.

المسيرات شهدت رفع سقف المطالب من قبل المحتجين (رويترز)
المسيرات شهدت رفع سقف المطالب من قبل المحتجين (رويترز)

وطالب المحتجون في الجمعة السادسة من الحراك بتفعيل المادة 7 من الدستور التي تكرس السيادة في يد الشعب، وطالب أيضا قائد أركان الجيش مساء أمس السبت بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور الجزائري، لكن كيف يمكن تفعيلهما لإرجاع السيادة للشعب فعلا وممارستها وعدم الإبقاء عليها كحبر على ورق؟

يجيب الخبير الدستوري رخيلة بأن "تفعيلهما يكون بإجراء انتخابات أو استفتاء"، مشيرا إلى أن هذا السيناريو يؤمن للجزائر الانتقال السلمي في ظل بقاء المؤسسات الدستورية الموجودة، ويكون رئيس الجمهورية منتخبا بنزاهة، وبعدها يمكن فتح ورشات لمشروع المجتمع المزمع بناؤه، واعتبر أن هذا الخيار الدستوري يحتاج إلى مرافقة سياسية من السلطة.

تعدد الحلول
ويجتمع الجزائريون على هدف واحد من هذا الحراك، وهو تغيير النظام، لكنهم يختلفون حول تصورات الطريق الآمن لخروج بلدهم من الأزمة السياسية.

هذا الخلاف يراه أستاذ علم الاجتماع نور الدين بكيس أنه "صحي وطبيعي، وهو المطلوب في الحراك الشعبي"، لأنه لا يوجد إطار جامع للحراك، وليست له قيادة.

ويضيف للجزيرة نت أن أغلب المحتجين يشعرون بأنهم ملزمون بالحفاظ على الحراك، وقيادته على المستوى الفردي، مما يقتضي المشاركة في الحلول المطروحة، وكل الاقتراحات تسير في الفلك نفسه، وهو محاولة إيجاد ضمانات للثقة الغائبة في السلطة السياسية وكيفية إشراك جزء من النظام في معادلة التغيير.

ويرى أستاذ العلوم السياسية رضوان بوهيدل أن الاختلاف جيد، ولا يجب أن يصل إلى صراع سينقل الجزائر من حالة الأزمة السياسية إلى المأزق.

الحل في الدستور أو من دونه؟ هنا يحتد النقاش بين الجزائريين (رويترز)
الحل في الدستور أو من دونه؟ هنا يحتد النقاش بين الجزائريين (رويترز)

راديكالية المواقف
على وقع تصاعد الاحتجاجات السلمية بشكل مكثف، ووسط تفكك المعسكر المحيط بالرئيس؛ إثر تخلي العديد من الهيئات والشخصيات الموالية عنه، ومطالبته بالتنحي، يتمسك المتظاهرون بمطالبهم.

ويرى بكيس أن الخوف من انزلاق الأوضاع يدفع الجماهير إلى تسقيف الحراك، ويتضح هذا في فشل الحركات التي نادت بتصعيد الحراك كالعصيان المدني، ورفع عدد الأيام التي يحتجون فيها.

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى اللغة العاطفية والحماسة في منصات التواصل الاجتماعي التي دفعت الجزائريين للخروج في المسيرات، لكنه يعتقد في النهاية أن الحراك سوف يفضي إلى نوع من العقلنة في مخرجاته، لأنه لا أحد يريد المزيد من التصعيد.

وبعيدا عن حديث الرئاسة والمعارضة، يرفع العديد من المشاركين في مسيرات الجزائر شعارات تطالب بإسقاط النظام ورحيل الجميع من أجل إعادة بناء البلاد من جديد.

هذا الموقف الراديكالي حول طريقة الخروج من الأزمة، يرى الخبير الدستوري رخيلة أن مواجهته تمر عبر التقيد بالدستور رغم ما هو عليه الآن، ولتجنب الانزلاق في الشارع يطالب بمرافقة الأحكام الدستورية مع إجراءات سياسية الغاية منها محاولة رأب الصدع الموجود بين السلطة والحراك الشعبي.

المصدر : الجزيرة