بانتظار اعتذار الدولة.. هل يضمد تقرير هيئة الكرامة جراح ضحايا الاستبداد بتونس؟

رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس سهام بن سدرين (الثانية من اليمين) تسلم تقرير الهيئة النهائي لرئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر مصدر الصورة: موقع الهيئة على فيسبوك
سهام بن سدرين (الثانية من اليمين) تسلم التقرير النهائي لرئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر (موقع الهيئة على فيسبوك)

آمال الهلالي-تونس

بوجدان الضحية الذي يتطلع إلى أن ترد الدولة التونسية له اعتباره، وتعتذر له عن سنوات الاضطهاد، وبعقل الباحث المساهم في صياغة بعض فصول التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة؛ يتحدث سامي براهم للجزيرة نت.

ولا يخفي الرجل سعادته البالغة بعد صدور التقرير النهائي للهيئة المستقلة المكلفة بمسار العدالة الانتقالية في 26 مارس/آذار 2019، الذي يتوج خمس سنوات من عملها، ويغطي الفترة الممتدة من الأول من يوليو/تموز 1955 إلى 24 ديسمبر/كانون الأول 2013.

وأضاف براهم "صدور التقرير النهائي هو حتما ولادة جديدة لي تحولت خلالها من ذلك الشخص المضطهد والمنفي داخل وطنه إلى فاعل في التاريخ ومساهم في الشأن العام كغيري من الضحايا بمختلف انتماءاتهم الفكرية".

وشدد الباحث التونسي على أن التقرير -الذي يمتد على ستمئة صفحة- له من القيمة الرمزية والمعنوية ما يجعله بلسما حقيقيا يداوي جراح عشرات الآلاف من ضحايا الاستبداد في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

‪سامي براهم قال إن تقرير الهيئة كشف عن الوجه القبيح والمظلم لنظامي بورقيبة وبن علي‬ (الجزيرة)
‪سامي براهم قال إن تقرير الهيئة كشف عن الوجه القبيح والمظلم لنظامي بورقيبة وبن علي‬ (الجزيرة)

جلسات صادمة
ويقر الباحث والضحية سامي براهم بشعوره بالصدمة من شهادات وصفها بالمفزعة لنساء تعرضن للاغتصاب مع أبنائهن في سجون نظامي بورقيبة وبن علي، وأدلين بشهاداتهن خلال جلسات سرية أمام الهيئة.

ويقول "كان لي شرف المساهمة في صياغة التقرير من خلال الجزء المتعلق بالانتهاكات التي مورست على النساء، وهناك شهادات تشيب لها الولدان من هول الجرائم التي ارتكبت بحقهن، خاصة من المنتسبات لحركة الاتجاه الإسلامي سابقا".

وشدد براهم على أن بعضهن ظللن محتفظات بما تعرضن له من انتهاكات داخل السجون، وبقيت قصصهن وعذاباتهن مكتومة في صدورهن لسنوات حتى على عائلاتهن خوفا وخجلا".

وختم بالقول "التقرير كشف الوجه القبيح والمظلم للنظام السياسي لزين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، الذي طالما روج لكونه مدافعا عن المرأة وكرامتها وحريتها".

وجاء التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة ليختزل سنوات عملها في تفكيك منظومة الاستبداد والفساد، وجبر الضرر، وحفظ الذاكرة، والمساءلة والمحاسبة، كما تضمن توصيات متعلقة بإصلاح المنظومة الأمنية والقضائية والتشريعية والإدارية.

وكشف التقرير عن قبول 62 ألفا و720 ملفا لانتهاك حقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بأفراد أو أحزاب وجمعيات ومنظمات وطنية ونقابية، فضلا عن تنظيم أكثر من 49 ألف جلسة استماع سرية.

‪رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة اتهمت حكومة الشاهد بتعطيل استرداد الأموال المصادرة والمنهوبة من رجال أعمال فاسدين‬ (الجزيرة)
‪رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة اتهمت حكومة الشاهد بتعطيل استرداد الأموال المصادرة والمنهوبة من رجال أعمال فاسدين‬ (الجزيرة)

عرقلة المصالحة
وشددت الهيئة في جزء خاص على ما وصفته بالعراقيل التي تعرضت لها خلال فترة عملها، مثل امتناع رئاسة الجمهورية عن مدها بالأرشيف السياسي، ورفض الداخلية تمكينها من أرشيف البوليس السياسي، ورفض القضاء العسكري التعامل معها.

وفي هذا الإطار، كانت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين اتهمت خلال تصريحات إعلامية حكومة يوسف الشاهد بتعمد تعطيل استرداد الأموال المصادرة والمنهوبة من رجال أعمال فاسدين وأصهار الرئيس المخلوع بن علي، التي تقدر قيمتها بنحو 1500 مليون دينار (نحو خمسمئة مليون دولار).

وقالت إن عماد الطرابلسي وصخر الماطري أبديا استعدادهما للدخول في آلية المصالحة والتحكيم وإعادة الأموال المنهوبة للدولة، غير أن المكلف العام بنزاعات الدولة رفض الصلح.

وأكدت أن الهيئة تمكنت من خلال آلية المصالحة والتحكيم من استرجاع 745 مليون دينار (نحو 247 مليون دولار) من سبعة من طالبي الصلح من مجموع 685 ملفا كانت الدولة التونسية فيها الشاكية.

وتواصلت الجزيرة نت مع وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كرشيد للتعليق على اتهامات رئيسة الهيئة، لكنه قال إنه يرفض التعليق على تصريحات سهام بن سدرين.

عضو بهيئة الحقيقة والكرامة:
الدولة مطالبة بتقديم اعتذار رسمي لضحايا الاستبداد، والتعهد بعدم تكرارها

اعتذار مؤجل
من جانبه، شدد العضو بهيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي على أن مسار العدالة الانتقالية لن ينتهي بانتهاء عمل الهيئة، وسيتواصل بالدوائر القضائية المتخصصة ومع "صندوق الكرامة" الذي يفترض أن يسدد تعويضات لفئات من المتضررين.

وقال المعيزي للجزيرة نت إن المسألة الوحيدة المتبقية تتعلق بتقديم الدولة اعتذارا رسميا لضحايا الاستبداد، والتعهد بعدم تكرارها، سواء كان ذلك على لسان رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.

وأضاف "نطمح أن تكون هناك دعوة لجلسة رسمية يتم خلالها تقديم الاعتذار من قبل رئيس الجمهورية بحضور ضحايا الانتهاكات ونشطاء وحقوقيين وغيرهم".

المصدر : الجزيرة