بعد تذكير السيسي بها.. روايات متعددة بشأن اقتحام أمن الدولة عقب ثورة يناير

ياسر سليم - بعض من الوثائق التي تسربت من مقر أمن الدولة بالبحيرة بخصوص تعليمات للقضاة بأِن الانتخابات ـ صورة من مواقع التواصل - الذكرى الثامنة لاقتحام مقرات أمن الدولة بمصر..من المخطط والمستفيد ؟
إحدى الوثائق المسربة تتحدث عن تعاون بعض القضاة مع جهاز أمن الدولة (مواقع التواصل)

القاهرة-خاص

في خطاب ألقاه مؤخرا، ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واقعة اقتحام مقرات أمن الدولة، ضمن ما اعتبره عددا من تداعيات ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وهي الواقعة التي وقعت في مثل هذا الشهر من ذلك العام وأثارت جدلا يبدو أنه لم يتوقف رغم مرور كل هذه السنوات.

ففي كلمته خلال احتفالات يوم الشهيد الذي نظمتها القوات المسلحة في العاشر من الشهر الجاري، قال السيسي إن الشائعات التي ظهرت خلال 2011 كانت تستهدف "إسقاط مؤسسات الدولة واحدة واحدة" مشيرا إلى أن أولى الشائعات التي لاحقت الجيش اتهامه بخيانة الشرطة ووزارة الداخلية عبر ترتيب اقتحام مقرات أمن الدولة.

ويمثل اقتحام المتظاهرين لمقرات جهاز أمن الدولة العتيد في 6 مارس/آذار 2011 لحظة فارقة في مسيرة الثورة حيث جاءت عناوين الصحف صبيحة اليوم التالي لتشير إلى "سقوط دولة أمن الدولة" حيث كان الجهاز هو الذراع الطولى لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في التحكم بالحياة السياسية، كما كان المتهم الأول في التعذيب وبث الرعب في نفوس المصريين.

منتصف ذلك الشهر، تقرر حل جهاز أمن الدولة "البغيض" على حد وصف وكالة رويترز للأنباء آنذاك في تقرير اعتبرت فيه أن هذه الخطوة مثلت إنجازا مهما للثورة التي أجبرت مبارك على التنحي عن السلطة التي قضى فيها ثلاثة عقود.

روايات
لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة والبراءة وفق روايات يرى بعضها أن اقتحام المقرات كان مرتبا له بعناية من قبل السلطة الجديدة آنذاك وهي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لأهداف تخصها، ولا تزال نتائج هذا الاقتحام مؤثرة حتى اليوم لصالح السلطة الجديدة بفضل ما حصلت عليه من كنز معلوماتي ثمين.

ومن أكثر الروايات إثارة ما تشير إلى خلفيات للاقتحام وقعت إبان أحداث الثورة حيث وردت للمجلس العسكري الذي يضم كبار قادة الجيش معلومات عن قيام مجهولين بإطلاق الرصاص الحي على نقطة للجيش قرب قلعة صلاح الدين وسط القاهرة، وبعد أن تم القبض على مطلق النار كانت المفاجأة أنه ينتمي لجهاز أمن الدولة.

وحسب هذه الرواية، فقد اعترف المتهم بأنه عضو في مجموعة خاصة داخل جهاز أمن الدولة، مهمتها مراقبة أفراد الجيش بمختلف مستوياتهم، خاصة بعد ارتفاع نبرة اعتراض الجيش على احتمال قيام مبارك بتوريث الحكم إلى ابنه جمال. كما أقر المقبوض عليه بتلقي أوامر جديدة من قيادات أمن الدولة باستهداف الجيش لإشعاره أنه مستهدف من جانب الثوار، كي ينضم بكل قوته إلى مبارك ونظامه الذي كان جهاز أمن الدولة في القلب منه.

وتصل الإثارة ذروتها في هذه الرواية بالإشارة إلى هذه الاعترافات قادت إلى اعتقال الجيش لقيادات سابقة بأمن الدولة كشفت أن الجهاز كان قد أعد ملفات سرية عن قادة المجلس العسكري، كي تكون ورقة بيد النظام يستغلها لإخضاع هؤلاء القادة.

والجدير بالذكر أن قيام أمن الدولة بالتجسس على قيادات بالجيش أمر تحدث عنه العديد من مشاهير الإعلاميين المقربين من الأجهزة الأمنية، لكن أهم هذه النقولات كانت من الإعلامي وائل الإبراشي الذي أكد أن السيسي نفسه هو من أخبره بذلك.

سياق
ووفقا لهذه الرواية فقد أثار ما سبق غضب قيادات الجيش فتم وضع خطة محكمة لاقتحام مقرات أمن الدولة بشكل يبدو عاديا في سياق ثوري كان مهيمنا آنذاك، بهدف رد الضربة لجهاز أمن الدولة وللحصول على الملفات التي تخص ضباط الجيش الكبار.

ورغم إثارتها، تتوفر مؤشرات تدعم هذه الرواية، منها أحد قيادات شباب الثورة ذلك الوقت، حيث أكد للجزيرة نت أن "ائتلاف شباب الثورة" فوجئ بالدعوة لاقتحام مقر أمن الدولة منتشرة على فيسبوك، واندهش أفراد الائتلاف من عدم علمهم بهذه الخطوة قبل انطلاقها، لكنهم رحبوا بها.

وبحسب الرواية التي رفض صاحبها الكشف عن هويته، توجه أفراد الائتلاف وأعداد كبيرة من شباب الثورة إلى المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة بمدينة نصر شرق القاهرة، وفي الطريق هاتفهم أحد الأشخاص قائلا إنه حصل من داخل الجهاز على ملفات مهمة ويريد تسليمها لشباب الثورة لثقته بهم.

وجرى الاتفاق على تسلم الملفات في إحدى الشركات المجاورة للجهاز، وكان من المثير وجود موظفي هذه الشركة بعد مواعيد العمل الرسمية، وفتح الموظفون أبواب شركتهم لقيادات شباب الثورة، وما لبث أن جاءهم أحد الشباب بملفات من داخل الجهاز، معظمها تقارير قديمة عن نشاط جماعة الإخوان فترة التسعينيات.

ويعتقد المتحدث أن تزامن اقتحام عدة مقرات لأمن الدولة في نفس الوقت يعني أن "جهة ما منظمة تقف وراءه" خاصة أن السيسي كان رئيسا للمخابرات الحربية ومسؤولا أول عن الأجهزة الأمنية ذلك الوقت، بحسب ما أكد السيسي نفسه في تصريحاته التي نفى فيها ترتيب الجيش لاقتحام مقرات أمن الدولة.

راجحة
وألمح الإعلامي أحمد منصور -في مقال نشر مؤخرا- لهذا الاحتمال بالقول "حديث السيسي عن حادثة اقتحام أمن الدولة يؤكد الحقيقة الدامغة التي ذكرها وأنكرها، من أن الجيش أراد أن يضع تحت قدمه جهاز أمن الدولة الذي كان يتجسس حتى على ضباط الجيش وصاحب الحظوة الأكبر في عهد مبارك".

ويرجح نفس الرواية القيادي السلفي مصطفى البدري مشيرا في مدونة إلى أن "المقر الرئيس بمدينة نصر من ضمن ما تم اقتحامه، إلا أن اقتحام هذا المقر تحديدا كان بمساعدة قوات الجيش المكلفة بتأمينه، وهي نفسها التي منعت اقتحام مقر لاظوغلي (المقر الرئيسي السابق لوزارة الداخلية قرب ميدان التحرير).

بدوره يؤكد الكاتب الصحفي سليم عزوز أنه من المؤكد أنه "لولا الجيش ما كان قد تم اقتحام مقار أمن الدولة" مستدلا على ذلك بأن مقار أخرى لم "يرد الجيش اقتحامها فلم تقتحم".

ولفت عزوز في حديثه للجزيرة نت إلى أن الثوار أرادوا اقتحام مبنى الداخلية وبجواره مبنى الجهاز وفشلوا في جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني، والشرطة منهارة والدولة مبعثرة الأجزاء، فلم تكن لدى الثوار القوة التي تمكنهم من هذا إلا بعد أن دعاهم الجيش فلبوا.

ويؤكد عزوز أن هذه الملابسات تعني أن الاقتحام تم التخطيط والتمهيد له للحصول على كل ما هو خاص بالمجلس العسكري، كما وضعت المخابرات الحربية يدها على أرشيف ضخم مكنها من السيطرة على أفراد وشخصيات مهمة ومؤثرة وحركات لتهمين على المشهد السياسي لاحقا.

.. ينفي
في المقابل، فإن رواية اللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري أيام ثورة يناير تأتي معاكسة تماما، حيث تضمنت نفيا جازما لأي مسؤولية للجيش في تسهيل اقتحام مقار أمن الدولة، وبرر وجود قوات عسكرية هناك بأن الجيش تلقى معلومات عن تنفيذ اقتحامات، ولذلك أرسل وحدات تولت تأمين المقار من الخارج بينما قامت الشرطة بتأمين المقار من الداخل. 

ويشير الباحث أحمد فريد مولانا إلى أن هناك مقرات اقتحمت بداية الثورة مثل مقر أمن الدولة بدمنهور في ٢٩ يناير/كانون الثاني، أما اقتحام مقرات الجهاز بالإسكندرية ومدينة نصر و٦ أكتوبر، فقد جاءت بعد أيام من استقالة الفريق أحمد شفيق من رئاسة الوزراء مطلع مارس/آذار من العام نفسه.

ويعتقد مولانا -في حديثه للجزيرة نت- أن الاقتحام جرى عقب محاولة ضباط الجهاز حرق وإتلاف الملفات الخطيرة مع شعورهم باحتمال خروج الأمور عن سيطرة النظام باستقالة شفيق.

كما يرصد انتشار دعوات للثوار وقتها لدخول المقرات ومنع إتلاف الوثائق، من أجل توثيق التجاوزات الواردة فيها ومحاسبة من يقفون خلفها، مضيفا أن بعض الوثائق تسربت للإعلام بينما سلمت نقابة المحامين النائب العام الكثير منها، في حين فرض الجيش سيطرته على مقرات أمن الدولة وتحفظ على الملفات المتبقية بها.

ويلاحظ مولانا أنه عقب دخول المتظاهرين للمقر الرئيسي بمدينة نصر، حرص الجيش على فرض كردون خارج المقر وتفتيش الخارجين ومصادرة ما معهم من وثائق وملفات.

ويؤكد المتحدث أن الجيش كان المستفيد بشكل كبير من وضع يده على ذلك المقر وما يحتويه من ملفات سرية تعد بمثابة كنوز معلوماتية، ولم تستفد الأطراف الثورية من هذه الوثائق بشكل جدي بل ولم تدرس مضامينها بشكل بحثي، مشيرا إلى أنه حاول القيام بذلك في كتابه "العقلية الأمنية في التعامل مع التيارات الإسلامية".

المصدر : الجزيرة