40 عاما على معاهدة السلام.. مصر التي تركت البندقية

blogs كامب ديفيد
السادات (يسار) ضاحكا مع بيجن وبينهما كارتر بعد توقيع معاهدة السلام في 26 مارس 1979 (مواقع التواصل)

 دعاء عبد اللطيف–القاهرة

لم يكن أحد من الحاضرين يومها تحت قبة البرلمان المصري يتخيل أن ما يقوله رئيس الجمهورية الواقف أمامهم سيتحول إلى واقع له تبعاته على المنطقة العربية كلها، لذا كان تصفيقهم حادا ربما من باب المجاملة أو الثناء على جسارة القول أو ربما اللاوعي التام أو الخشية من عدم تأييد كل ما ينطق به الحاكم الفرد.

فبعد عقود من الحروب مع إسرائيل أعلن الرئيس الراحل أنور السادات في خطابه الشهير أمام البرلمان 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1977 استعداد مصر للدخول في سلام مع الكيان الصهيوني.

وقال السادات -جملته التي صارت مضربا للأمثال- "إنني على استعداد للذهاب إلى آخر العالم، حتى إلى الكنيست ذاته، لأننا لا نخشى السلام، ولأننا أيضا لا نخشى المجابهة مع إسرائيل".

بعد يومين من ذلك الخطاب، وجه رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، مناحم بيجن، دعوة رسمية لرئيس مصر لزيارة تل أبيب، وبالفعل وصل السادات إلى إسرائيل 19 نوفمبر 1977، وألقى خطابا في "الكنيست ذاته".

وقف السادات داخل الكنيست يدعو "الشعب الإسرائيلي" إلى السلام، مؤكدا أنها رسالة من الشعب المصري، مضيفا "جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقيم السلام، وكلنا على هذه الأرض أرض الله، كلنا مسلمون ومسيحيون ويهود نعبد الله ولا نشرك به أحدا وتعاليم الله ووصاياه هي حب وصدق وطهارة وسلام".

وبشكل عاطفي دعا السادات الإسرائيليين إلى الضغط على السياسيين لتحقيق السلام، "فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل شجعوا قيادتكم على نضال السلام ولتتجه الجهود إلى بناء صرح شامخ للسلام بدلا من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار.. بشّروا أبناءكم أن ما مضى هو آخر الحروب ونهاية الآلام وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة للحياة الجديدة".

وبعد شهور عديدة وبالتحديد 17 سبتمبر/أيلول 1978، وُقعت اتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية وتحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر.

وبعدها بنحو ستة أشهر، وفي مثل هذا اليوم 26 مارس 1979، وقّع الطرفان معاهدة السلام والتي نصت على إنهاء حالة الحرب بينهما وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من سيناء بالكامل، وإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع ضمان عبور السفن الإسرائيلية في قناة السويس.

مبررات السلام
رغم الغضب المصري والعربي والإسلامي من خطوة السادات، فإن مؤيديه يرون أن خطوته نتجت عن توقعه مستقبلا أكثر ظلاما كان سيواجه مصر بسبب فارق القوة بين مصر وإسرائيل، وبسبب الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل، وضعف الدعم العربي وحتى الروسي لمصر.

ويؤكد محبو السادات أنه استطاع بالسياسة الحصول على حقوق مصر، بعيدا عن الحرب والخسائر البشرية والمادية التي كانت ستتكبدها مع احتمال كبير لخسارة سيناء إلى الأبد.

وتقول زوجته جيهان إن السادات رجل شجاع سعى للسلام في وقت صعب جدا تمر به المنطقة، ومنع حروبا ودماء، مشيرة إلى أنه بعد مرور الوقت اعترف الكثيرون بأن السادات كان محقا وأنهم أخطأوا في تقدير الموقف.

ما بعد السلام
"نستند إلى موقف صلب من التضامن العربي" هذا ما قاله السادات ضمن خطابه الذي عرض فيه استعداده للسلام مع إسرئيل لكن ما حصل جاء عكس رؤيته للأمور.

فقد رأى كثيرون فيما قام به السادات خيانة للعروبة وقضاياها، وبعد أيام من زيارة السادات للقدس كانت الدول العربية قد التأمت في قمة قررت مقاطعة مصر ونقل مقر جامعة الدول العربية منها إلى تونس، واستمرت المقاطعة ما يقرب من عشر سنوات.

ربحت إسرائيل اعترافا رسميا بوجودها من جانب أكبر دولة عربية، وتسلم أول سفير صهيوني مهام عمله بالقاهرة في فبراير 1980.

أما مصر فقد خسرت أشقاءها العرب، لكنها نالت مساعدات مالية من واشنطن ظلت مستمرة حتى الآن عبر مساعدة عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات اقتصادية تبلغ 250 مليون دولار منذ عام 1989.

إلى ذلك كسبت مصر الخروج من حالة الحرب والتي كانت تكلف ميزانية الناتج المحلية أكثر من 20% من الناتج القومي، بينما تبلغ نسبة الإنفاق العسكري حاليا من 2 إلى 5.2%.

المعاهدة والاستبداد
بعد سنوات طوال، تبدو الأمور في غاية التناقض، فمصر التي قدمت آلاف الشهداء في حروبها مع إسرائيل من أجل استرداد سيناء تستعين بتل أبيب من أجل محاربة مسلحين على الأرض نفسها.

فوفق تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع قناة "سي بي إس" الأميركية، والتي بثت في يناير/كانون الثاني الماضي، يعمل الجيش المصري مع إسرائيل ضد الإرهابيين في شمال سيناء. واعتبر السيسي هذا التعاون هو الأوثق بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام.

ومن جانبه رأى وكيل لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان سابقا، الدكتور جمال حشمت، أن معاهدة السلام أعادت سيناء منقوصة السيادة، بينما قُدمت مصر كاملة للنفوذ الصهيوني.

وأضاف للجزيرة نت أن المعاهدة نجحت في السيطرة على الأنظمة العربية وصناعة رؤساء عملاء لإسرائيل مقابل تمكين استمرارهم في مناصبهم لهدم مقدرات دولهم وتجريف ثرواتها.

ورغم مرور أربعة عقود على توقيع الاتفاقية لكن المزاج الشعبي لا يبدو راضيا بها، حيث يقول البرلماني السابق إن التطبيع الرسمي من الحكومات العربية لم تقبل به الشعوب، واصفا إياهم بضحايا التعاون الصهيوني العربي على الصعيد الرسمي.

تعاون اقتصادي
انفتحت مصر على إسرائيل اقتصاديا بعد توقيع المعاهدة؛ حيث تم إبرام اتفاقيات عدة بين الطرفين وتدفقت التجارة بينهما تصديرا واستيرادا.

​في ديسمبر/كانون الأول 2004، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية الكويز التجارية، التي سمحت للشركات المصرية والتي تستخدم مدخلات إسرائيلية بتصدير منتجاتها إلى أميركا مع إعفاء من الجمارك.

وفي يونيو/حزيران 2005، وقع الطرفان اتفاقية تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز المصري إلى إسرائيل سنويا، لمدة 20 عاما.

ورغم صعوبة إخضاع هذه المعاهدة لمقياس المنافع والخسائر اقتصاديا، حسب قول الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد النبي عبد المطلب، فإنه لا يمانع من وجود بعض المؤشرات حول قياس الأثر الاقتصادي لهذه الاتفاقية.

في الوقت نفسه، قال عبد المطلب للجزيرة نت إن البعض ممن تولوا التسويق للتطبيع مع الكيان الصهيوني تحدثوا عن الاستفادة بالخبرات الإسرائيلية في استصلاح الأراضي الصحراوية، وإنشاء المزارع الحديثة في مدن قناة السويس خاصة مزارع المشمش والمانجو وغيرها من الفاكهة.

وأردف "بعض المطبعين تحدثوا عن مصريين اضطروا للسفر إلى إسرائيل سعيا وراء لقمة العيش"، موضحا أن ذلك يعني مساهمة المعاهدة في زيادة قيمة التحويلات النقدية للمصريين العاملين بالخارج.

في عام 1995 أعد عبد المطلب دراسة حول التجارة الدولية بين مصر وإسرائيل، التي كشفت أن القاهرة كانت تحصل على جزء كبير من احتياجاتها من البنزين والسولار والمازوت من إسرائيل.

ويعتبر الخبير الاقتصادي خط غاز شرق المتوسط أحد أهم مكاسب معاهدة السلام مع إسرائيل.

على الجانب الآخر، رأى عبد المطلب أن جزءا كبيرا من تدهور قطاع الزراعة جاء نتاجا لهذه السياسة بشكل أو بآخر، فمنذ بداية التعاون بين مصر وإسرائيل كان هناك هدف لإحلال زراعة الخضراوات محل زراعة القمح والذرة، وبذلك أصبحت القاهرة مستوردا أساسيا للحبوب الإستراتيجية.

كذلك عملت إسرائيل بكل قوتها للقضاء على زراعة القطن العريقة في مصر، حسب قول الخبير الاقتصادي.

وتابع "ورغم عدم وجود أدلة كافية حتى الآن على تصدير إسرائيل مبيدات مسرطنة أو مخصبات زراعية مضرة بالتربة وبالصحة العامة لمصر، فإن المتتبع لزيادة أمراض الفشل الكلوي، وأمراض الكبد في الفترة الأخيرة سيخلص إلى أن اليد الإسرائيلية لم تكن بعيدة عن ذلك".

المصدر : الجزيرة