احتجاجات الجزائر وهواجس الاستقرار بدول الجوار

epaselect epa07456249 Algerian people protest against extending President Abdelaziz Bouteflika mandate in Algiers, Algeria, 22 March 2019. Protests continue in Algeria despite Algeria's president announcement on 11 March that he will not run for a fifth Presidential term and postponement of presidential elections previously scheduled for 18 April 2019. Protesters are calling on Bouteflika to step down after his term expires on April 28. EPA-EFE/MOHAMED MESSARA
مظاهرة وسط العاصمة الجزائر في الأسبوع الخامس من الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام (الأوروبية)

ترقب الدول المجاورة للجزائر بحذر وقلق الاحتجاجات الرافضة لاستمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، والمطالبة بتغيير جذري للنظام، وسط مخاوف من ارتدادات سلبية محتملة على المنطقة التي تعاني من اضطرابات أمنية وسياسية.

وينبع القلق الذي يساور دولا في منطقتي المغرب العربي والساحل الأفريقي من هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية، في ظل استعصاء الأزمة في ليبيا القائمة منذ 2011 على الحل، رغم كل الوساطات الإقليمية والدولية، والأخطار التي تشكلها الجماعات المتطرفة المنتشرة في جبال وصحاري عدة دول، وكل ذلك في بيئة اقتصادية واجتماعية متدهورة طاردة للاستقرار.

وتتشارك تونس حدودا مع الجزائر يقارب طولها ألف كيلومتر، وينشط في بعض أجزائها عشرات المسلحين الخطرين المرتبطين بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وتقدر السلطات التونسية عدد هؤلاء بما بين 100 و150 فردا، بينهم العديد من الجزائريين الذين كانوا فاعلين خلال ما تعرف بالعشرية السوداء في الجزائر.

ولطالما أكد مسؤولون تونسيون وجزائريون وجود تنسيق أمني دائم بين البلدين في ما يتعلق بأمن الحدود، وبالنسبة لتونس فإن هذه المسألة بالغة الأهمية للتخلص من التهديد الإرهابي الجاثم عليها منذ سنوات، في حين تضيّق قواتها الأمنية والعسكرية الخناق على ما تبقى من العناصر المتحصنة في جبال يقع معظمها بمحافظة القصرين.

كما تتشارك الجزائر حدودا بآلاف الكيلومترات مع كل من المغرب وموريتانيا وليبيا ومالي والنيجر، وفي السنوات الماضية تأثرت الجزائر أمنيا بما حدث ويحدث في الدول الثلاث الأخيرة من فوضى سلاح، وتوسع لنشاط الجماعات المتطرفة، وتهريب الأسلحة والبشر، وتعرضت لهجمات؛ مثل هجوم عين أميناس الدامي عام 2013، وبذلت جهدا كبيرا لحماية أمنها الداخلي وأمن الإقليم ككل.

وفي المقابل، فإن هذه الدول ستتأثر بالمثل إذا أفضت الأوضاع الراهنة لتهديد حالة الاستقرار التي تشهدها الجزائر منذ استقلالها عام 1962. وكقوة محورية لها دور كبير في ضبط الأمن الإقليمي، سواء بالمغرب العربي أو بالساحل الأفريقي، فإن أي اضطراب بالجزائر قد تكون له عواقبه على الجوار.

ولم تعلق جل دول الجوار على ما يجري بالجزائر من منطلق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وهو المبدأ الذي قامت عليه السياسة الخارجية الجزائرية لعقود مضت.

وقبل نحو شهر، قال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إن ما يحدث في الجزائر شأن خاص بها، وإنه لا يمكنه أن يقدم دروسا لأحد.

أما المغرب، فصرح وزير خارجيته ناصر بوريطة قبل أسبوع لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه "قرر اتخاذ موقف بعدم التدخل في التطورات الأخيرة بالجزائر وعدم إصدار أي تعليق حول الموضوع".

وفي مقابل الموقف المتحفظ الذي عبرت عنه كل من تونس والمغرب؛ علق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاشر من الشهر الجاري على الأحداث بالجزائر، فانتقد الاحتجاجات الشعبية، معتبرا أن ثمنها سيكون عدم الاستقرار. وأدلى السيسي بهذا التعليق في وقت يعمل فيه نظامه على إخماد الأصوات المعارضة له بالقوة.

undefined

هاجس ليبيا
وفي السياق، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا أشارت فيه إلى خشية موريتانيا ومالي من تداعيات الأزمة السياسية بالجزائر، في ظل الاحتجاجات المستمرة للأسبوع الخامس، مشيرة إلى هاجس الأزمة الليبية الذي لا يزال مخيما بالمنطقة. 

ونقلت الصحيفة عن وزير في حكومة النيجر أن الجزائر بلد مستقر في منطقة تأثرت بشدة بالأزمة الليبية، وأن كل ما من شأنه أن يعرض استقرارها للخطر يشكل مصدر قلق كبير لدول الساحل الأفريقي.

ورغم بعض التوترات التي مرت بها العلاقات بين البلدين العام الماضي بسبب قيام السلطات الجزائرية بترحيل مهاجرين غير نظاميين، فإن الوزير أكد أن العلاقات بين البلدين جيدة، وأن هناك تعاونا إيجابيا بينهما، مشددا على أن الجزائر عامل استقرار بالمنطقة.

وقال إنه في حال لم يعد بلد كبير كالجزائر قادرا على السيطرة على حدوده، فإن الوضع الأمني في دول الساحل سيزيد صعوبة.

وتشهد مالي نشاطا متناميا لجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، على غرار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وتشهد مناطق بالنيجر متاخمة للحدود مع نيجيريا وتشاد هجمات لجماعة بوكو حرام، كما تتواتر في بوركينا فاسو هجمات دامية لجماعات متطرفة.

كما عبر وزير خارجية موريتانيا الأسبق دحان ولد أحمد محمود عن أمله في ألا يحدث اضطراب في الجزائر، مشيرا إلى أن الاضطراب الذي وقع في ليبيا عندما سقط نظام معمر القذافي أسفر عن فوضى في مالي.

ونقلت لوموند عن الوزير الموريتاني الأسبق، وهو حاليا المدير التنفيذي للمعهد الموريتاني للدراسات الإستراتيجية، قوله إن الجزائر دولة محورية في منطقة المغرب، وإن تهديد استقرارها سيزيد الوضع سوءا في منطقة الساحل.

وتقول الصحيفة الفرنسية إن موريتانيا -التي تقع بين منطقة المغرب وجنوب الصحراء الأفريقية- تتابع بانتباه الأحداث الجارية بالجزائر، مشيرة إلى أن البلدين يتقاسمان حدودا بطول خمسمئة كيلومتر.

لكنها ترى أن التداعيات الأخطر لما يمكن أن يؤول إليه الوضع في الجزائر ستكون في مالي، مشيرة إلى الاضطرابات الكبيرة التي شهدها هذا البلد عقب سقوط النظام الليبي السابق، وسيطرة جماعات متطرفة على أجزاء كبيرة منها عام 2012.

بيد أنه يجدر التأكيد على أنه ليس هناك -حتى الآن على الأقل- ما يوحي بأن الاحتجاجات في الجزائر قد تفضي إلى أوضاع لا يمكن السيطرة عليها، في ظل تمسك المتظاهرين بتحقيق مطالبهم بالوسائل السلمية، في مقابل بروز مؤشرات تنبئ بأن السلطة الحالية تسير نحو قبول التغيير السياسي الحقيقي.

المصدر : الجزيرة + لوموند