ذكرى "غزوة الصناديق".. هل يتعلم المصريون الدرس لمواجهة دستور السيسي؟

ياسر سليم - حشد انصار التضويت بنعم ونجحوا ثم فوجئوا بخديعة المجلس العسكري وإعلانه الدستوري ـ الصورة من صفحة صديق على مواقع التواصل - ذكرى استفتاء 2011 ...هل تعلم المصريون الدرس لمواجهة تعديلات 2019 الدستورية ؟
بعض الملصقات التي انتشرت قبيل استفتاء مارس/آذار 2011 (الجزيرة-أرشيف)

عبد الكريم سليم-القاهرة

يستدعي الظرف الراهن بالنسبة لمعارضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجواء الانقسام إزاء استفتاء مارس/آذار 2011، الذي يعتبره مراقبون بداية انقسام المصريين عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني من العام نفسه.

وينقسم المصريون حاليا بصدد التعديلات الدستورية المقرر الاستفتاء عليها الشهر المقبل -كما انقسموا من قبل- بين مؤيد لها ورافض، في حين يقاطع آخرون العملية برمتها باعتبارها باطلا مبنيا على باطل.

ويناقش البرلمان المصري حاليا تعديلات دستورية مقترحة تسمح بتمديد ولاية السيسي حتى عام 2034، وتمنحه المزيد من السلطات خاصة السيطرة على القضاء والتحرر من رقابة البرلمان، كما تضع التعديلات المقترحة الجيش فوق الدولة بصفته حاميا للدستور ومدنيّة الدولة.

وبرزت التعديلات الدستورية التي جرت في 2011 بالنظر لكونها جاءت في فورة ما بدا انتصارا لثورة يناير، حيث أدلى نحو 18 مليون ناخب بأصواتهم، وصوّت أكثر من 14 مليونا لصالح التعديلات بنسبة 77% من نسبة المشاركين في التصويت، في حين صوّت نحو 4 ملايين ناخب ضد هذه التعديلات بنسبة 22.8%. 

تبادل الاتهامات
في مثل هذه الأيام من كل عام، يتبادل مؤيدو ثورة يناير الاتهامات بالمسؤولية عن بذر أول بذور الشقاق بين صفوف الثوار، وبمحاولة تخيل مصائر مختلفة لو جرت سيناريوهات بديلة، وزاد على بعضهم هذا العام السعي لاستخراج العبرة تجاه التعديلات المطروحة حاليا.

وبعد نحو شهر من نجاح الثورة في إجبار حسني مبارك على التنحي عن السلطة بعد ثلاثة عقود، بدا أن المجلس العسكري الذي انتقلت له السلطة من مبارك يريد الاستجابة لبعض مطالب الثورة حيث دعا لاستفتاء على تعديل محدود لبضع مواد من الدستور القائم.

ويتردد أن أستاذ العلوم السياسية القريب من الثوار وقتها معتز عبد الفتاح -القريب من السلطة حاليا- أشار على أحد قادة المجلس العسكري بمشورة طبقها ملوك بني أمية من قبل بمواجهة خصومهم، مفادها أن "ألق إليهم أمرا إذا قبلوه اختلفوا وإذا رفضوه اختلفوا".

وبعيدا عن حقيقة الواقعة وتفاصيلها، فما فعله المجلس العسكري هو عين ما تقوله تلك النصيحة، إذ انقسم الثوار إزاء الاستفتاء ما بين رافض لمبدأ التعديلات من أساسها سعيا لكتابة دستور جديد، وما بين مرحب وساع للتصويت بنعم على التعديلات التي رآها جوهرية.

وقتها دشنت عدة أحزاب وشخصيات مستقلة حملة للدعوة لرفض الدستور، في حين دعا الإسلاميون للتصويت بكثافة والموافقة ليخرج الشيخ السلفي البارز محمد حسين يعقوب بالتصريح الأشهر الذي أصبح وصفا لهذه المرحلة، حينما بشر مستمعيه بأن النتائج الأولية تشير إلى الموافقة على الدستور ووصفها بـ"غزوة الصناديق".

وكانت جماعة الدعوة السلفية في مصر قد دعت الشعب إلى المشاركة والتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية لأسباب أبرزها أن التعديلات أبقت على المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.

قصة الاستفتاء
جرى الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية التي تم إقرارها وتضمنت تقييد مدد الرئاسة بحد أقصى ولايتين لمدة أربع سنوات، وضمان الإشراف القضائي على الانتخابات، وشرط تعيين نائب واحد على الأقل للرئيس، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية، وتيسير شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.

ورغم أن الإجماع كان على أن تلك الإصلاحات تزيد من الضمانات الديمقراطية، فإن الخلاف كان حول جذرية التغيير عند التصويت بلا، ومن ثم الانتظار -تحت قيادة المجلس العسكري للبلاد- ريثما تكتمل البنية السياسية للبلاد وانتظار جاهزية القوى السياسية للانخراط في عملية سياسية، أو التصويت بنعم وإزاحة المجلس العسكري لانخراط الجميع في منافسة سياسية تفضي لتشكيل قيادة سياسية جديدة للبلاد.

غير أن المجلس العسكري فاجأ الجميع عقب ظهور نتيجة الاستفتاء، ووضع جانبا أصوات المؤيدين والمعارضين، فبعد أيام من موافقة الأغلبية على تعديلات شملت 11 مادة من الدستور القائم (دستور 1971)، خرج المجلس العسكري بإعلان دستوري كامل تضمن أكثر من 60 مادة.

الجميع أخطأ
كانت أخطر نتائج هذا الاستفتاء هو منح تفويض مبارك للمجلس العسكري "شرعية"، برأي الناشط ومؤسس حركة "بداية" شريف دياب، إذ كان الثوار منقسمين حول دوره أصلا كحاكم للبلاد، ومعنى ذهاب الجميع للاستفتاء هو القبول بوضعه قائدا للبلاد.

يعتقد دياب أن الثورة كانت تمتلك بدائل لهذا السيناريو الذي جر المجلس العسكري البلاد إليه برفض الذهاب للاستفتاء، وهو ما ينبغي الالتفات إليه عند اعتدال الأوضاع.

ويرى المتحدث أن الجميع أخطأ، فالإخوان ساعدوا المجلس العسكري، والقوى الأخرى استُدرجت للفخ، لتبدأ أولى خطوات هزيمة الثورة على يد الثورة المضادة التي كانت قد دشنت مبكرا خطتها.

ولدى دياب اعتقاد راسخ بأن الهدف الوحيد للمجلس العسكري من وراء هذه التعديلات هو تفتيت قوى يناير وإهانتها، بدليل أن قصة التعديلات انتهت بتفريغها من مضمونها وإصدار دستور لم يؤخذ رأي الشعب في غالبية مواده.

ويؤكد شريف دياب في حديثه للجزيرة نت أن مقاطعة جميع القوى الثورية هي الحل، فالثورات عموما تقوم لتحطم كل النظم القديمة وتسقط شرعيتها الدستورية والقانونية ولا تتصالح معها، وأن تبدأ بإرساء قواعد الديمقراطية والعدالة ليسير الجميع عليها قبل أن يضيعوا جميعا.

الضربة الأولى
من جانبه، يعتبر القيادي السابق في جبهة الإنقاذ مجدي حمدان أن هذا الاستفتاء كان الضربة الأولى للقضاء على ما يسميه "التيار المدني" ولحمة الشعب بعد ثورته.

ولفت حمدان في حديثه للجزيرة نت إلى أن الاستفتاء كان يجب أن يجري فقط على 3 مواد، وهي مادة الرئاسة لتحديد مدتها والمادتان 76 و77، مؤكدا أن الخلاف حول طبيعة الدولة والمواد الخاصة بالشريعة ساهمت في التشتت والابتعاد عن الهدف الرئيسي.

ومع انعدام جدوى البكاء على اللبن المكسوب، يؤكد حمدان أن الاستفادة من هذا الخطأ تستوجب الآن التوحد على رفض التعديلات الدستورية الحالية، مستبعدا استكمال الثورة بأدواتها القديمة، "فالنظام الحالي لن يسمح باندلاع أي شرارة لها".

بدوره اعتبر المرشح الرئاسي السابق أيمن نور أن استفتاء 2011 هو بداية الانقلاب على ثوره يناير عبر تفريق شركاء الثورة، مشيرا إلى أن الجيش استخدم هذا الاستفتاء لـ"تفجير الثورة".

رد الإخوان
وخلال الأسبوع الجاري، أصدرت جماعة الإخوان المسلمون بيانا عن الانتقادات الموجهة للجماعة بشأن سياساتها بعد مرحلة الرئيس الأسبق مبارك، خاصة فيما يتعلق بالاستفتاء على دستور 2011.

وأضح البيان أن الجماعة سعت للموافقة على دستور 2011 بهدف إصدار دستور انتقالي يحكم المرحلة ويحدد دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإجبار هذا المجلس على الخضوع للرغبة الشعبية في إعلان خريطة طريق لإجراء انتخابات المجالس النيابية، وكل الاستحقاقات التي تؤدي لإنهاء سيطرته على حكم البلاد.

وأكد البيان أن الجماعة لم ولن تعقد صفقات مع العسكر منذ ثورة يناير وحتى الآن، مضيفا "وقد يكون هذا هو أحد أسباب حرب قادة الانقلاب الهمجية والشرسة على الجماعة".

ولفت إلى أن سياسة الجماعة وممثليها في التواصل مع القوى السياسية والوطنية "كانت تتم وفقا لرؤية معتمدة من الجماعة مدركة للواقع وملمّة بالوضع الدولي والوطني من كل جوانبه وتراعي مصلحة الوطن".

ذكريات مؤلمة
في المقابل، حفلت صفحات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليق على ذكرى الاستفتاء، فكتبت رضوى درويش -وهي من معارضي التعديلات السابقة والحالية- أن لعبة العسكر قديمة ومتكررة، وأهم أهدافها زرع الشقاق بين أولئك الذين يهددون أركان دولتهم، وإلهاؤهم في معاركهم بين "نعم" و"لا" وكأن عندنا ديمقراطية راسخة واتفاقا عاما على كل المبادئ مثلا. وهو المعنى الذي كرره العديد من النشطاء.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي