احتجاجات غزة.. عندما يتحول "الغلابة" لأداة صراع داخلي

احتجاجات ضد الغلاء في غزة
مظاهرة ضد الغلاء والضرائب بغزة (مواقع التواصل)
رائد موسى-غزة

بعد أيام من احتجاجات "الحراك الشعبي" ضد الغلاء والضرائب بقطاع غزة، كانت هي الأبرز منذ إحكام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سيطرتها على القطاع منتصف 2007، عاد الهدوء النسبي للقطاع الساحلي الصغير والمحاصر منذ 13 عاماً.

واندلعت شرارة الاحتجاجات الخميس الماضي من مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، لكنها سرعان ما انتقلت إلى كثير من مدن القطاع، واستمرت لنحو ثلاثة أيام متتالية، غير أن الساعات القليلة الماضية شهدت "تراجعاً" في حدتها.

وبينما لم تظهر "قيادة علنية" للحراك الشعبي بغزة، زعم شبان مهاجرون من غزة لدول أوروبية أنهم "قادة الحراك" وتسابقوا في استخدام صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل لتحريض أهل غزة على المشاركة بالفعاليات الاحتجاجية، ووصلت إلى حد دفع المواطنين نحو "مواجهة عنيفة" مع حماس.

في المقابل، انبرى نشطاء للدفاع عن حماس واتهام جهات معادية باستغلال "حاجة الناس" الناجمة عن الحصار الإسرائيلي وعقوبات السلطة، من أجل النيل من "برنامج المقاومة" في غزة.

بين طبقتين
وورد في بيان وحيد بثه مجهولون على الإنترنت باسم "قيادة الحراك الشعبي" أن "الحياة في قطاع غزة أصبحت من المحال، فالحصار الجائر الذي يفرضه الاحتلال خنق غزة وجعلها بين طبقتين، طبقة تعيش في رغد العيش هم المسؤولون وأصحاب الامتيازات الحكومية وجامعو الضرائب، وطبقة مسحوقة فقيرة لا تجد قوت يومها".

وجاء الحراك في ظل ما شهدته أسواق غزة في الآونة الأخيرة من ارتفاع كبير بأسعار كثير من السلع والبضائع، قال نشطاء مؤيدون للحراك إنه بفعل سياسة الضرائب التي تفرضها السلطات التابعة لحماس في غزة.

وعلى وقع الاحتجاجات، قررت وزارة الزراعة التي تديرها حماس وقف تصدير الطماطم والخيار، ومراقبة عملية تصدير أصناف أخرى من الخضراوات، بهدف الحفاظ على أسعار تكون في متناول المستهلك المحلي.

وقال الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب للجزيرة نت إن الحد من التصدير قرار مهم لنزع فتيل الأزمة، والحفاظ على أسعار تتناسب والمستوى المعيشي الصعب في غزة، ولكن المطلوب من الجهات المسؤولة وضع "سياسات إستراتيجية" وعدم الاكتفاء بقرارات آنية.

‪مهاجرون من غزة زعموا قيادتهم للاحتجاجات‬ (مواقع التواصل)
‪مهاجرون من غزة زعموا قيادتهم للاحتجاجات‬ (مواقع التواصل)

الجباية والحماية
وبخصوص الضرائب المفروضة في غزة، أوضح أبو جياب أن كل الحكومات تعتمد على الضرائب كجزء من موازنتها، ولكن الواقع الصعب في غزة يفرض على الجهات المسؤولة مراعاة "معادلة متوازنة بين الجباية والحماية للقطاعات المشغلة وتوفير فرص عمل".

واتهمت حركة التحرير الوطني (فتح) غريمتها حماس بأنها تدفع "ثمن سياساتها الخاطئة" في غزة، لكن حماس ردت باتهام السلطة الوطنية وجهاز المخابرات العامة بتنفيذ مخطط لزعزعة الأمن والاستقرار وخلق "فتنة داخلية".

وبعد نفي متكرر من فتح لمسؤوليتها عن تسيير الاحتجاجات في غزة، أقر عضو اللجنة المركزية للحركة حسين الشيخ صراحة بالوقوف وراء "الحراك الشعبي" في غزة ودعمه وإسناده ضد حماس التي اتهمها بارتكاب كل "الموبقات" وحكم غزة باسم "الدين وشعار المقاومة الكاذب".

ولم يتطرق الشيخ -في تصريحات تلفزيونية وصف فيها احتجاجات غزة بأنها "انتفاضة المقهورين"- إلى العقوبات التي تفرضها السلطة على غزة منذ أبريل/نيسان 2017، وحرمان آلاف الموظفين من رواتبهم، بمن فيهم ذوو شهداء وأسرى، وجرحى.

اتهامات للأمن
وتسمح حماس بين الحين والآخر بمظاهر احتجاجية ضد عقوبات السلطة، ومنها مظاهرات فئات متضررة من الموظفين والمرضى والأسرى والجرحى الذين لم تستثنهم العقوبات.

واتهمت مراكز حقوقية فلسطينية قوى الأمن التابعة لحماس بمواجهة المشاركين في "الحراك الشعبي" بالعنف والقوة، وجرح واعتقال المئات منهم، بينما قالت وزارة الداخلية إنها ليست ضد "التظاهر السلمي" وإنما ضد من وصفتهم بـ "مثيري الفوضى".

وقال يامن المدهون مدير وحدة التوثيق والبحث الميداني بمركز الميزان لحقوق الإنسان إن الأمن في غزة تعامل بقسوة وعنف شديدين مع المتظاهرين.

وأضاف المدهون للجزيرة نت أن المركز تقدم بشكوى للنائب العام في غزة لفتح تحقيق في "الانتهاكات" التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية في تعاملها مع "الحراك الشعبي".

وأقر مصدر أمني مسؤول للجزيرة نت بأن الأمن تعامل ببعض العنف مع الاحتجاجات لمنع انزلاقها إلى "فتنة داخلية" في ظل لجوء متظاهرين إلى مواجهة قوى الشرطة والأمن وعرقلة الحياة العامة، وبعدما تأكد أن مخابرات السلطة وظفت المال والإمكانات من أجل التحكم في مسار الاحتجاجات وحرفها عن "الأهداف المطلبية إلى أهداف سياسية".

المصدر : الجزيرة