اختيار ممثلين عن حراك الجزائر بين الرفض والتأييد

People take part in a protest demanding immediate political change in Algiers, Algeria March 12, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina
جانب من الاحتجاجات في العاصمة الجزائرية قبل أيام (رويترز)

فريد بلوناس-الجزائر

في ظل تواصل الاحتجاجات في الجزائر، يدور نقاش واسع على منصات التواصل الاجتماعي حول فكرة اختيار ممثلين عن الحراك الشعبي للتفاوض مع السلطة، بينما يرفض آخرون هذه الفكرة ويفضلون ترك الحراك عفويا بلا قيادات خلال هذه المرحلة.

ونشر مدونون على منصات التواصل قوائم لشخصيات وزكّوها لتمثيل الحراك الشعبي. وتفاعل الناشطون حول الطريقة التي يتم من خلالها اختيار هذه الشخصيات لتمثيل ملايين المحتجين بكل فئاتهم ومشاربهم وتوجُّهاتهم وانتماءاتهم السياسية.

ومن بين الشخصيات المقترحة الإعلامي والأستاذ الجامعي فضيل بومالة، والمحامي والحقوقي مصطفى بوشاشي، والمحامية والناشطة السياسية زبيدة عسول، ورئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور.

ومن أبرز الشخصيات التي اختارها بعض المشاركين في الحراك الشعبي المحامي والنائب السابق بالبرلمان مصطفى بوشاشي الذي تداول البعض منهم صورته على صفحاتهم الخاصة في فيسبوك، وفوّضوه ناطقا رسميا باسم الحراك، بينما اعتذر المحامي على تفويضه.

وقال بوشاشي للجزيرة نت "تعيين ممثلين عن الحراك الشعبي سابق لأوانه، وأرفض إطلاقا محاورة السلطة، لأن ما تقوم به غير دستوري، وهي تحاول اختراق الحراك". وأوضح أن رسالة المحتجين واضحة، ويجب مواصلة الاحتجاج السلمي والراقي حتى تتحقق مطالبهم.

لقاء سري
وعن كيفية اختراق السلطة لصفوف الحراك، كشف المحلل السياسي والإعلامي عبد العالي رزاقي للجزيرة نت عن "لقاء سري بفندق الأوراسي، سيجمع الأخضر الإبراهيمي (المكلف بإدارة الندوة الوطنية) مع شباب من مختلف الولايات، اليوم الجمعة، لتحديد خارطة طريق عملهم داخل الحراك".

وفي خطوة ثانية، توقع رزاقي أنه "سيتم تسويق هؤلاء الشباب إعلاميا عبر القنوات التلفزيونية الخاصة، وتقديمهم كمتحدثين باسم الحراك الشعبي، من جهة، وتشويه أسماء بعض الشخصيات من جهة أخرى".

وكانت الحكومة الجديدة بقيادة نور الدين بدوي أعلنت أمس الخميس استعدادها لإجراء محادثات مع المتظاهرين، لتحقيق "إرادة الشعب".

ويرى رزاقي أنه في ظل الظروف الحالية من الصعب تحقيق التوافق إلا "إذا انسحب الرئيس بوتفليقة نهائيا من المشهد وعين بديلا له. في هذه الحالة يمكن أن يظهر ممثلون عن الحراك".

وقال أيضا إن هذا الحراك الشعبي "ينظمه شباب لا ينتمون إلى الأحزاب والجمعيات السياسية، ومن الخطأ ظهورهم الآن، لأن هناك من يحاول الاصطياد في المياه العكرة".

حاجز الصمت
وكسر الجزائريون منذ الـ 22 من الشهر الماضي حاجز الصمت وقالوا "بَرَكات بَرَكات" (كفى كفي) و"غاضبون وللتأجيل رافضون" وهي رسائل واضحة قال رزاقي معلقا "السلطة في يد الحراك وليس في يد النظام، لهذا يجب ألا ينشأ للحراك من يقوده لأنه مجرد ظهورهم ينهي الحراك كما انتهت الثورة في مصر، والمنظون يجب ألا تعرفهم السلطة حتى لا تشوش عليهم".

ويضيف أن النجاح الذي حققه الحراك الشعبي السلمي فتح شهية البعض للسطو عليه من خلال اقتراح أسماء لتزعُّمه والحديث باسمه، وإن كان من المنطقي أن يكون للحراك لسانُ حال يعبِّر عن مطالبه ويتفاوض مع السلطة باسمه، لكن شرط أن يكون ذلك نابعا من الحراك ذاته، وليس بركوب الموجة من قبل أشخاص يمثلون تيارا سياسيا.

غير ناضج
من جهته يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي نوري إدريس أن "الحراك غير ناضج للتأطير، لأن الطريقة الديمقراطية الوحيدة هي الانتخاب".

وأوضح للجزيرة نت أن في التجارب السابقة للحراك الشعبي بالجزائر عرفت محاولة التأطير وفشلت، منها حركة العروش بمنطقة القبائل سنة 2001، حيث بدأت بتأطير محكم على كل المستويات من الحي والقرية والبلدية والولاية إلى المستوى الوطني، لكنها عرفت نهاية مأساوية.

واستخدمت السلطة ممثلين عن المحتجين حتى أفشلت الحراك وحولت الحوار مع السلطة من المطالب الأساسية، إلى الحوار حول مخلفات الحراك من تعويض للمصابين، والمتابعة القضائية لكل من تسبب في العنف، تعويضات مالية لأهل الضحايا.

ويعتبر إدريس أن الرسائل التي بعثها المحتجون خلال المظاهرات كرفض العهدة الخامسة وتغيير النظام "مطالب يمكن لأغلب المجتمع أن يتوحد من أجلها، بمعنى أن يتحول المجتمع إلى شعب مكون من كتلة واحدة متجانسة أيديولوجيا في لحظة ثورة، أما المجتمع فهو جماعات لها مصالح أيديولوجيا متناقضة".

في لحظة معينة، ولما يحتاج المجتمع إلى تأطير الحراك، هنا يبدأ ظهور أسماء شخصيات تشارك في لحظة بداية الحل، بداية قطف الثمار، وهذا يكون في بداية انتخاب المجلس التأسيسي لمرحلة انتقالية. كما يقول الباحث إدريس للجزيرة نت.

اصطفاف أيديولوجي
وحملت القوائم التي تم تداولها على منصات التواصل الكثير من الشخصيات التي تحمل فكرا واحدا وتوجُّها سياسيا واحدا، وهذا ما أثر في طريقة اختيار قادة الحراك بناء على التوجه الأيديولوجي.

ويعتبر إدريس ذلك أحد جواهر المجتمع "ولا يمكن تغييبه في أي مجتمع، ويتكون خارج المسيرات التي توحد الشعب وتذوب فيها كل التيارات الأيديولوجية والجهوية، وكذا المصالح الشخصية".

من جانبه، علق الإعلامي رشيد ولد بوسيافة على اختيار تلك القوائم بالقول "إن هؤلاء الإقصائيين أرادوا اختطاف حلم الجزائريين، وتحويله إلى أداة لخدمة مشروع أيديولوجي معيَّن لا يتفق عليه الشعب، وهي ممارسة لم تتورط فيها حتى السلطة التي تحرص دائما على الحفاظ على التنوع في تركيبتها".

المصدر : الجزيرة