الجزائر ترقص على أنغام التجديد

ترشيح بوتفليقة يثير جدلا واسعا بالجزائر.. والجيش يكسر صمته
جانب من المظاهرات في الجزائر (الجزيرة)

فاطمة حمدي-الجزائر 

الجزائر خلال الأسبوع الأخير من علو غير شاهق لطائرة تستعد للهبوط في مطار هواري بومدين؛ تبدو عاصمة ناصعة البياض، تتوشح رداءها الفاتح، في حين تلفت المظاهرات النظر وكأن الجزائر لوحة "الموناليزا" التي يعجز الناظر إليها عن معرفة ما إذا كانت مبتسمة أم غارقة في الحزن.

يعجّ الشارع الجزائري منذ مسيرة 22 فبراير/شباط 2019 بحيوات مختلفة، فلا يكاد يصرخ شاب في الشارع بشعار "لا للعهدة الخامسة" حتى يتجمهر خلفه المئات وتنطلق مسيرة عفوية، ثم سرعان ما يعود الشارع إلى هدوئه بعد أن يتفرّق المحتشدون، وتعود السيارات المتراصّة التي قطع المتظاهرون طريقها لتسير بهدوء.

وبمزيج من الغضب والرفض، يرقص المحتجون في مشهد احتفالي مردّدين عبارات سياسية تارة، وتتعالى الضحكات في صورة لو رتب لها مخرج عالمي لما جاءت بتلك الدّقة، تارة أخرى.

ويذوب المتظاهرون (محامون، فنانون، بطّالون، طلبة، وغيرهم) في بعضهم، فحتى لو فرّقهم المستوى الثقافي فسيجمعهم المطلب السياسي على صوت رجل واحد "سلمية.. سلمية".

يقف الواصل متأخّرا إلى المسيرات من خلف الجدار البشري الذي تشكله قوات مكافحة الشغب، ويبدو منظر رجال الأمن مريبا، في حين يستغرب أنّ ما يتعالى من خلف الحائط الأمني الأزرق زغاريد وتراتيل الحرية، أصوات تشبه الأفراح، أكثر بهجة من الأعراس.

يضيع سمير (31 عاما) وهو يحمل الهاتف ليجيب صديقه المصري الذي كان يهنئه باندلاع "الثورة"، ويقول سمير للجزيرة نت إنه لا يعرف هل يصح إطلاق مصطلح الثورة في الوقت الراهن على ما يحدث في الجزائر أو لا.

تختلط المفاهيم لدى هذا الشاب الذي يعلم جيدا أنه "رافض لبقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم"، بينما لم يقرّر بعد إن كانت تسمية صديقه المصري تصلح في وضع بلاده، أو أن الوقت جد مبكر على ذلك.

‪طلاب من جامعة الجزائر في مسيرة بإحدى الطرق السريعة في العاصمة‬ (الجزيرة)
‪طلاب من جامعة الجزائر في مسيرة بإحدى الطرق السريعة في العاصمة‬ (الجزيرة)

 

البعث
يشبّه الشباب المحتج المرحلة التي تمر بها الجزائر بالبعث، ويرى علي (29 عاما) أنه "حان للغيبوبة الطويلة أن ترحل عن جسد نام طويلا وآن له أن يستيقظ معلنا البعث". 

يستغرب المار في شوارع العاصمة بعد انتهاء الاحتجاجات من العودة السريعة للحياة اليومية، حيث يرقص شاب في "موريس أودان" حول العم محند وهو يعزف على آلة العود مرددا موسيقى "الشعبي" قبالة الجامعة المركزية، ويخرج بعض الطلبة حاملين أعلام الجزائر.

يفرش سي سعيد (67 عاما) كتبه القديمة على الأرض، ويضع مظلته ويلتف حوله عشاق الأدب الكلاسيكي، وسط بقايا رائحة الغازات المدمعة التي بخها رجال الأمن لتفرقة المحتجين.

يفتح بائع الورود محله الأخضر الزجاجي، ويمر موكب العروس في فوضاه المعتادة، ويعود الطفل بائع المناديل يغازل الإناث ليقنعهم بمساعدته، ويرفع محل بيع الأسطوانات صوت الموسيقى، بينما يحمل الفنان التشكيلي الشاب عزيز ريشته ويسابق ذاكرته وهو يرسم آخر مشهد من الاحتجاجات.

تختفي كل مظاهر الاحتجاج ولا يظل سوى عناصر الشرطة الذين فرقوا المسيرات وقرروا البقاء كي لا يعود "مناهضو بوتفليقة" إلى الساحات الكبرى التي بدأ يرتبط اسمها بالاحتشاد والممارسة السياسية، ومعهم بعض المصورين الصحفيين الذين اختاروا الأرصفة لمعاينة ما افتكته عدساتهم من الحدث.

المصدر : الجزيرة