فورين بوليسي: تيريزا ماي تتفاوض مع أوروبا على طريقة ياسر عرفات

May المصدر الجزيرة
الكاتب: ماي قالت في عام 2017 إن البريكست سيعيد للبريطانيين "قوانينا وأموالنا وحدودنا" (الجزيرة)

قال مستشار أمني بريطاني سابق إن رئيسة وزراء بلاده تيريزا ماي تشبه كثيرا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في طريقة تفاوضها لتأمين خروج آمن لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف اصطلاحا باسم بريكست.

وزعم مستشار السياسات الأمنية الوطنية والدولية السابق لحزب المحافظين غارفان وولش أن عرفات اشتُهر بتضييعه الفرص ورضوخه "للمتشددين"، وإخفاقه في تقدير حجم التحديات التي تكتنف المفاوضات مع "خصم أقوى". وأضاف أن تيريزا ماي أتقنت الإستراتيجية الدبلوماسية التي كان ينتهجها عرفات في مثل تلك المواقف.

وأعاد وولش في مقاله في مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى الأذهان تمسّك الزعيم الفلسطيني الراحل بمقررات مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في سبتمبر/أيلول 1967، وأهمها ما عرفت باللاءات الثلاث، وهي "لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل".

خصم أقوى
وأشار وولش إلى أن ماي تطرقت في خطاب ألقته في 2017 لمستقبل علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي والذي أكدت فيه أن البريكست سيعيد لمواطنيها "قوانينا وأموالنا وحدودنا". ورأى أن عرفات لو كان محل ماي لأوجز تلك التصريحات في لاءات ثلاث هي "لا لسلطة محكمة العدل الأوروبية، لا لحرية التنقل، لا اتفاق أفضل من صفقة سيئة".

ومثل عرفات، فقد أُرغمت تيريزا ماي على الرضوخ بشأن القضايا الثلاث جميعها، بينما اختارت في الوقت نفسه الانصياع لمطالب المتشددين في حزبها وحكومتها.


إلى جانب كل ذلك، فإن ماي وحكومتها -بحسب مقال وولش- رفضوا الاعتراف بالأمر الواضح ألا وهو أنهم يتفاوضون مع سلطة أكبر وأقوى ممثلة في الاتحاد الأوروبي، الذي لا يحتاج بريطانيا بقدر ما تحتاجه هي إليه.

إن مشكلة تيريزا ماي -في نظر كاتب المقال- لا تكمن في جوهرها في ضعف بريطانيا النسبي في مفاوضات البريكست، بل في إخفاقها في تكييف إستراتيجيتها للخروج مع هذا الواقع.

ومثلما تركزت المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل على وضع مدينة القدس وحقوق اللاجئين والحدود، فإن المحادثات الجارية بين بريطانيا والاتحاد بشأن البركسيت انحصرت -في رأي وولش- في قضايا المرحلة الأولى الثلاث الأساسية، وهي حقوق المواطنين والمهاجرين، وفاتورة الطلاق، والحدود الأيرلندية.

وفي وقت فشلت فيه مفاوضات الشرق الأوسط في حل قضية لاجئي 1948، فإن صفقة البريكست أخفقت هي الأخرى في التوصل إلى اتفاق بشأن حدود أيرلندا الشمالية، وفق مقال فورين بوليسي.

شروط مستحيلة
واعتبر الكاتب أن النظام السياسي البريطاني الراهن شأنه شأن نظيره الفلسطيني الذي كان سائدا في العام 2000، كان يناور حين وضع شروطا لا يمكن للطرف الآخر القبول بها. وقال إن الفلسطينيين أرادوا عودة أحفاد "من فروا أو طردتهم إسرائيل في 1948 وإعادة توطينهم ليس في دولة فلسطين الجديدة بل في بلداتهم الأصلية التي أصبحت منذ ذلك الحين دولة إسرائيل".

واستطرد وولش قائلا إن الفلسطينيين فضلوا عدم القبول بالعرض الإسرائيلي بهذا الخصوص، وكانوا على استعداد للقتال من أجل الدفاع عن "خطوطهم الحمر".

وتماما مثلما ظل القادة العرب يرددون أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع ضد "الكيان الصهيوني" بينما كانوا يعكفون على التوافق مع إسرائيل، كان القادة الأوروبيون يقولون إنهم يريدون أن تتخلى بريطانيا عن الانسحاب من الاتحاد، لكنهم "لم يعودوا يعنون ما يقولون حقا".

إن مشكلة تيريزا ماي -في نظر كاتب المقال- لا تكمن في جوهرها في ضعف بريطانيا النسبي في مفاوضات البريكست، بل في إخفاقها في تكييف إستراتيجيتها للخروج مع هذا الواقع.

وخلص المقال إلى أن الدول الضعيفة تستطيع الحصول على نتائج مرضية ببراعة ومهارة وتركيز مثلما فعلت إسرائيل نفسها عندما خاضت غمار حرب مع خمسة جيوش عربية عام 1948. ورأى وولش أن الخطأ الذي ارتكبته بريطانيا -على غرار ما فعله الفلسطينيون- كان عندما ظنت أنها قادرة على إرغام خصمها الأقوى (الاتحاد الأوروبي) على تقديم تنازلات.

المصدر : فورين بوليسي