الأسئلة الصعبة بمحادثات طالبان وأميركا بالدوحة

انتهاء الجولة الرابعة من محادثات الدوحة بين طالبان وواشنطن
انتهاء الجولة الرابعة من محادثات الدوحة بين طالبان وواشنطن الأسبوع الماضي (الجزيرة)

يسعى المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد إلى التوصل لاتفاق سلام في أفغانستان خلال محادثاته مع حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، مما يسمح لأميركا بإعادة قواتها بعد 17 عاما من الحرب، لكن الطريق أمامها مليء بالعقبات.

بعد سنوات من إصرار الولايات المتحدة على إجراء محادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، بدأ خليل زاد اجتماعات مع حركة طالبان بعد تعيينه في سبتمبر/أيلول الماضي بفترة وجيزة، مما حقق للحركة -التي تنظر إلى حكومة كابل على أنها دمية أميركية- شرطا أساسياً لقبول المحادثات.

شعور الرئيس دونالد ترامب بالإحباط من الحرب المكلفة والممتدة، بالإضافة إلى تقارير عن خطة الولايات المتحدة لسحب نصف قواتها البالغ عددها 15 ألف جندي تقريباً بحلول الصيف؛ أديا إلى الشعور بالإلحاح على مهمة خليل زاد.

وتقول حركة طالبان التي حكمت أفغانستان في الفترة بين عامي 1996 و2001، واستضافت أسامة بن لادن العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001؛ إنها لم تعد تسعى إلى احتكار السلطة، ولن تشكل تهديدًا لدول أخرى. لكن كثيرين يخشون من انسحاب كامل لحلف الناتو؛ مما سيترك الحكومة الأفغانية "الضعيفة والفاسدة" عرضة للانهيار، أو يطلق العنان لجولة أخرى من القتال في حرب قتلت بالفعل عشرات الآلاف من الأفغان.

بعد أربع جولات سابقة، نقل مراسل الجزيرة عن مصدر مقرب من حركة طالبان أن قادة الحركة والمبعوث الأميركي إلى أفغانستان زلماي خليل زاد وفريقه سيعقدون الجولة الخامسة من المباحثات في 25 فبراير/شباط المقبل في العاصمة القطرية الدوحة.

من الذي يتفاوض؟
في حين تقول الولايات المتحدة إنها ملتزمة بعملية "تقودها أفغانستان"، فإن المحادثات الرئيسية هي بين خليل زاد والقيادة السياسية لطالبان، التي تتخذ من دولة قطر مقراً لها، وتضم العديد من القادة الميدانيين المخضرمين؛ جاءت طالبان إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة، بعد أن استولت على ما يقرب من نصف البلاد عبر هجماتها اليومية على القوات الأفغانية.

وفي مناسبات قليلة، استولت حركة طالبان على مدن بأكملها، ولم تنسحب إلا بعد مواجهة الهجمات الأفغانية المضادة والهجمات الجوية للناتو.

ويقود المفاوضون في طالبان عبد الغني برادار، وهو قائد مخضرم أفرجت عنه باكستان العام الماضي بعد ثماني سنوات من السجن بناء على طلب -على ما يبدو- من الولايات المتحدة. ويعتقد أن القيادة لديها ما فيه الكفاية من الاحترام داخل الحركة لبيع صفقة سلام يقبلها مقاتلو الحركة في الخطوط الأمامية. كما يضم الفريق اثنين من قادة طالبان الخمسة الذين أطلق سراحهم من غوانتانامو عام 2014 مقابل جندي أميركي أسير.

ويلتقي خليل زاد أيضا مسؤولين في باكستان، التي يعتقد على نطاق واسع أنها تسيطر على القيادة العليا لحركة طالبان، فضلا عن الصين والهند وروسيا التي لها مصلحة في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، وفي توسيع نفوذها.

ما الذي وافقوا عليه؟
يشار إلى أن الجانبين يقتربان من اتفاق ستنسحب بموجبه الولايات المتحدة من أفغانستان مقابل وعد طالبان بعدم السماح باستخدام البلاد كقاعدة انطلاق للهجمات الإرهابية، كما يقال إنهما يناقشان وقفاً لإطلاق النار وتشكيل حكومة مؤقتة.

وقال خليل زاد إن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحقوق المرأة وسيادة القانون وحرية الصحافة، لكنها تقول إنه سيترك للأفغان التفاوض حول هذه الحقوق.

ماذا عن الحكومة الأفغانية؟
الحكومة مليئة بالفساد والانقسامات العميقة على أسس عرقية وحزبية، وتنحصر سلطتها -إلى حد كبير- في المدن الكبرى، حيث تسيطر حركة طالبان فعليا على الكثير من المناطق الريفية. وأنهت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) رسمياً مهمتهما القتالية عام 2014، ولكنهما لا يزالان يوفران الدعم الجوي والمعونات الضرورية للقوات الأفغانية.

‪الرئيس الأفغاني‬ (الجزيرة)
‪الرئيس الأفغاني‬ (الجزيرة)

يعارض الرئيس الأفغاني أشرف غني -الذي سيسعى إلى إعادة انتخابه في يوليو/تموز القادم- بشدة وجود حكومة مؤقتة أو المزيد من التأخير في الانتخابات، لكن يبدو أنه تم تهميشه إلى حد كبير في المحادثات، كما أن مبعوثه الخاص للسلام عمر داودزاي كان يتابع خليل زاد في جميع أنحاء المنطقة، ويلتقي مع الأشخاص نفسهم، على ما يبدو لضمان ثباتهم على مواقفهم.

ماذا لو حكمت الطالبان؟
لا تزال الذكريات حية تجاه حكم طالبان، عندما حظرت تعليم الفتيات ومنع النساء من العمل خارج المنزل. إلا أن الحركة تبنت لهجة أكثر تصالحية في السنوات الأخيرة، ودعت طالبان الأسبوع الماضي الأفغان إلى "نسيان ماضيهم وتحمل بعضهم بعضاً".

طالبان قوية عسكريا، لكن ليس من الواضح أن لديها القدرة على إسقاط الحكومة، وقالت الحركة إنها لا تريد احتكار السلطة. في الوقت نفسه ينظر إلى الحكومة المدعومة من الغرب على أنها فاسدة وغير فعالة.

ويشكو الأفغان من ضعف الخدمات العامة، وانعدام الأمن، والكسب غير المشروع، وحصلت النساء على حريات جديدة بعد عام 2001، لكن حياتهن ما زالت مقيدة بشدة في البلد المحافظ.

وبعد مرور 17 عاماً على سقوط طالبان، لا تزال أفغانستان من بين أسوأ البلدان في العالم بالنسبة للمرأة. وسوف يرحب الأفغان بأي اتفاق يحقق تحسين الأمن والحكم، لكنهم لا يثقون في طالبان بسبب تاريخها الطويل من القمع والقتال الوحشي، ويخشى كثيرون أن تبرم الولايات المتحدة اتفاقا مع طالبان ينهار فور خروج آخر جندي أميركي، مما سيغرق البلاد في جولة أخرى من الحرب الأهلية.

‪رغم قبول طالبان التفاوض فإنها لا تزال تشهر سلاحها في وجه الأميركيين‬ (الجزيرة)
‪رغم قبول طالبان التفاوض فإنها لا تزال تشهر سلاحها في وجه الأميركيين‬ (الجزيرة)

هل السلام ممكن؟
لقد عانت أفغانستان من الحرب منذ عقود، وبينما حققت كل من الولايات المتحدة وطالبان تقدمًا كبيرًا في المحادثات الأخيرة، فإنهما لم يتوصلا بعد إلى اتفاق، ومن غير الواضح إذا كانت طالبان راغبة أو قادرة على حسم الجماعات المسلحة الأخرى.

أفغانستان هي موطن لجماعات مسلحة كثيرة خارج كل من الحكومة الأفغانية وطالبان، والتي قد تكون قادرة على تجنيد المزيد من مقاتلي طالبان الساخطين إذا اعتبرت الحركة راضخة لمطالب الولايات المتحدة.

وتقول الولايات المتحدة إنها قضت على تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان إلى حد كبير، لكن يعتقد أن شخصيات بارزة -من بينهم زعيم الجماعة أيمن الظواهري وحمزة بن لادن- موجودون في المنطقة. وبدون معرفة مكان المقاتلين، أو من يحميهم، سيكون من الصعب التحقق من أي اتفاق سيضمن القضاء عليهم.

وهذا سيترك الولايات المتحدة في الموقف نفسه الذي كانت عليه قبل عقدين تقريباً، عندما خططت مجموعة صغيرة من المقاتلين الأجانب في أفغانستان لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية