واشنطن بوست: هكذا يبتدع ترامب وماي مواطنين بلا جنسية

هدى المثنى منتمية إلى تنظيم الدولة بسوريا وتريد العودة للولايات المتحدة
هدى المثنى تريد العودة إلى أميركا (مواقع التواصل)

علق إيشان ثارو الباحث في التاريخ والعرقية من جامعة ييل على ما قالته رئيسة وزراء بريطانيا في أحد خطاباتها "إذا كنت تعتقد أنك مواطن من العالم فأنت مواطن من العدم، ولا تفهم ما تعنيه المواطنة"؛ بأن هذا الرأي أصبح موضوعا ثابتا في سياسة الغرب، ويشكل أساسا للخطابات المسهبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد "العولمة" وهجمات اليمين الأوروبي المتطرف على بروكسل والأنشطة الدولية للاتحاد الأوروبي.

وقال الباحث في تحليله بصحيفة واشنطن بوست إن ترامب وماي يحاصران الآن مفهوم المواطنة. وأشار في ذلك إلى تحرك إدارة ترامب وحكومة ماي هذا الأسبوع لتجريد المواطنة من امرأتين سافرتا إلى سوريا للالتحاق بتنظيم الدولة. وقال إنهما بفعلهما ذلك يقوضان حكم القانون في بلديهما ومعنى المواطنة ذاته؛ وفي كلتا الحالتين تظل شرعية هذا الإجراء موضع شك.

فالقرار البريطاني بإبطال جنسية شميمة بيغوم، التي سافرت إلى سوريا قبل أربع سنوات كطالبة وولدت مؤخرا، كان يتوقف على افتراض أن لديها جنسية بريطانية بنغالية مزدوجة. لكنها ليس لديها جواز سفر بنغالي، بحسب السلطات البنغالية، مما يعني أن قرار الحكومة البريطانية سيجعلها دون جنسية ومحصورة قانونا في منطقة حرب.

ترامب وماي قد يرغبان في رفض هؤلاء المواطنين الذين لا مكان لهم بدافع النفعية السياسية، لكنهم ما زالوا في مكان ما ولا يزالون مواطنين، على الأقل حتى الآن

وقد ينتظر مصيرٌ مماثل هدى مثنى، التي تزوجت مقاتلا بتنظيم الدولة بعد أن تركت منزلها في ألاباما عام 2014، إذ تجادل إدارة ترامب بأنها ليست مواطنة أميركية، رغم أنها ولدت في الولايات المتحدة وسافرت إلى سوريا بجواز سفر أميركي. ومع ذلك أعلنت إدارة ترامب الأربعاء أن مثنى لن يسمح لها بالعودة.

النفعية السياسية
وأشار الباحث إلى أن هاتين الحالتين تعكسان مشكلة أكبر بكثير؛ فقد تصارعت الحكومات الغربية لسنوات مع التحدي المتمثل في استيعاب المواطنين الذين ينضمون إلى الجماعات الإسلامية المتشددة في الشرق الأوسط. ويشعر المسؤولون الأوروبيون بالقلق بشكل خاص من إعادة مجندين بتنظيم الدولة لا تتوفر عنهم أدلة كافية لمقاضاتهم بنجاح في المحاكم؛ وهذا الأمر يثير احتمالا بغيضا ألا وهو عودة مئات الأفراد المحتمل تطرفهم وانخراطهم في المجتمع مرة أخرى.

‪بريطانيا ترفض عودة المواطنة شميمة بغوم‬ بريطانيا ترفض عودة المواطنة شميمة بغوم (الجزيرة)
‪بريطانيا ترفض عودة المواطنة شميمة بغوم‬ بريطانيا ترفض عودة المواطنة شميمة بغوم (الجزيرة)

ومع أن عملية التجريد من الجنسية ليست غير مسبوقة، فقد قامت بريطانيا وحدها بإلغاء جنسية نحو 150 شخصا منذ عام 2010، وتبعتها دول أوروبية أخرى. ويقول منتقدون إن الحالتين المتداولتين في الأخبار هذا الأسبوع تسلطان الضوء على "نفاق مثير للقلق".

وقال أحدهم "نحن لا نفكر أبدا في نزع الجنسية عن محترفي الاغتصاب والقتل الجماعي". وقال آخر "في الواقع إن زوجة الرجل الأكثر مسؤولية عن سفك الدماء في سوريا -الأسد- تحمل الجنسية البريطانية ولم تجرد منها".

وبالنسبة لترامب، فإن نظرته إلى هدى المثنى واضحة تماما، لأنه هدد أوروبا مؤخرا بسبب عدم استعدادها لقبول مقاتلي تنظيم الدولة، وهذه علامة أخرى على حرص ترامب على التخلص من الصراعات في سوريا، وأي مسؤولية في المساعدة على التخلص من الفوضى الكارثية التي خلفتها.

وأشار الباحث إلى ما كتبه دانيل بيمان من مؤسسة بروكينغز إلى أن "الفشل في تحمل مسؤولية مواطنينا هو كارثة على مستويات متعددة"؛ "أولا لأنه يوحي بأن البلد عاجز عن التعامل مع أمنه الخاص، وهذا اعتراف واضح من جانب ترامب بالنظر إلى تباهيه المفترض بقوة الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا بكل مواردها لا تستطيع معالجة الخطر الذي تشكله امرأة شابة وافقت على المثول للمحاكمة، فإن مشاكلنا الأمنية في الواقع خطيرة للغاية".

وثانيا -يضيف بيمان- أن الغرب سيخلق عالما جديدا من المشاكل إذا فرض على البلدان التي خربتها الحروب في الشرق الأوسط التعامل مع المقاتلين الإسلاميين الذين -في معظم الحالات- تطرفوا في بلدانهم الأصلية. وقال بيمان "إذا لم تقبل أميركا وأوروبا عودة مواطنيها فسيُقتل البعض منهم (وهو ما قد لا ترغب فيه حكوماتهم سرا)، لكن آخرين سيختبئون أو يهربون إلى مناطق يكونون أكثر أمنا فيها". وأضاف "وهذا تهديد لبلدانهم المضيفة الجديدة وخطر إرهاب محتمل على المدى الطويل".

وختم الباحث تحليله بأن ترامب وماي قد يرغبان في رفض هؤلاء المواطنين الذين لا مكان لهم بدافع النفعية السياسية، لكنهم ما زالوا في مكان ما ولا يزالون مواطنين، على الأقل حتى الآن.

المصدر : واشنطن بوست