ماذا خلف أزمة المساعدات الإنسانية لفنزويلا؟

Venezuelans cross Simon Bolivar international bridge- - NORTE DE SANTANDER , COLOMBIA - FEBRUARY 21: Venezuelans cross the Simon Bolivar International Bridge from San Antonio del Tachira in Venezuela to Norte de Santander province of Colombia, on February 22, 2019.
آلاف الفنزويليين يعبرون الحدود نحو كولومبيا هربا من الوضع المتردي (الأناضول)

تتعدد أوجه الأزمة التي تعيشها فنزويلا، فلا يواجه البلد -الذي يملك أكبر احتياطي للنفط في العالم- أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية فقط، بل كارثة إنسانية تهدد حياة السكان، ومن ذلك نقص الأغذية والأدوية.

وفي الوقت الذي يسعى فيه رئيس البرلمان، الذي نصّب نفسه رئيسا بالوكالة، خوان غوايدو لإدخال مساعدات إنسانية أرسلتها الولايات المتحدة للشعب الفنزويلي عبر الحدود البرية مع كولومبيا والبرازيل الجارتين لفنزويلا؛ تنقسم الآراء إزاء هذه الخطوة الأميركية وأبعادها.

وتبدو ملامح الأزمة الإنسانية واضحة لأي متابع لما يجري في فنزويلا وعلى حدودها، وهو ما تؤكده الإحصاءات والأرقام التي أصدرها عدد من مراكز الأبحاث الرسمية وغير الحكومية، التي تظهر الحجم الكبير والمتنامي لهذه الكارثة.

وفي استطلاعٍ للآراء أجراه المركز الأطلنطي للدراسات بالتعاون مع المركز الفنزويلي للأبحاث، أظهرت النتائج أن 78.2% من الفنزويليين يشعرون بأنهم في أزمة إنسانية، حيث يشكو 94.1٪ منهم من النقص الحاد في إمدادات الدواء، و85٪ من صعوبة الحصول على الغذاء.

كما أظهر الاستطلاع الذي أجري على عينة عشوائية من ألف عائلة في البلاد أن 82.8٪ من المشاركين ازدادت حياتهم سوءا بشدة منذ مارس/آذار 2018، وهو ما يظهر سرعة تدهور الأوضاع في البلاد.

‪غوايدو يسعى لإدخال المساعدات الإنسانية‬  
‪غوايدو يسعى لإدخال المساعدات الإنسانية‬  

تقارير ومخاطر
يأتي هذا في الوقت الذي أظهر تقرير أصدرته المنظمة الدولية للزراعة والغذاء معاناة 30% من سكان فنزويلا من الجوع، وهو خطر يهدد ستة ملايين أسرة فنزويلية، في حين أشار التقرير إلى ارتفاع نسبته 11% في سوء التغذية ونوعية الغذاء.

ويرجع عدد من التقارير المتخصصة أسباب هذه الأزمات إلى سياسات الحكومة الاقتصادية، إلى جانب الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على فنزويلا، إضافة إلى سيطرة "مافيا" الغذاء والدواء على ما تبقى من مواد غذائية أو ما يصل من مساعدات خارجية.

"نحن نموت من الجوع". هذا ما قاله أحد اللاجئين إلى الحدود البرازيلية مع فنزويلا لصحيفة غلوبو البرازيلية أثناء تخطيه الحدود باتجاه ولاية رورايما البرازيلية؛ فالأزمة الإنسانية أدت إلى أكبر موجة لجوء في تاريخ القارة اللاتينية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فقد فرّ من البلاد ثلاثة ملايين فنزويلي (ما يعادل عُشر السكان)، منهم 1.2 مليون خلال العامين الماضيين فقط. وبحلول نهاية عام 2017، قامت كولومبيا بحماية 550 ألف مواطن فنزويلي، بزيادة قدرها 62٪ مقارنة مع عام 2016. ومنذ يناير/كانون الثاني هذا العام، دخل خمسون ألف لاجئ آخر إلى كولومبيا.

يأتي ذلك، بينما تحملت البرازيل جزءاً كبيراً من اللاجئين رغم التشديدات الأمنية على الحدود، حيث تفيد معلومات الشرطة الفدرالية على المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين بأن في 45 يوما الأولى فقط من عام 2018 تقدم 18 ألف فنزويلي بطلبات لجوء رسمية، كما تقدم عشرة آلاف منهم بهذه الطلبات منذ بداية العام الحالي، في حين قدّرت السلطات البرازيلية أن ثمانمئة شخص يدخلون البلاد يوميا هربا من الأزمة الفنزويلية.

‪فنزويلا‬ تشهد
‪فنزويلا‬ تشهد

أزمة متفاقمة
ويقول منسق اتحاد اللاجئين الفنزويليين في البرازيل سيزار باريوس للجزيرة نت إن "الأزمة الإنسانية الفنزويلية لم تعد تحتمل، والشعب الفنزويلي بحاجة إلى حلولٍ عاجلة، وأخرى دائمة في الوقت عينه".

وأشار إلى أن "الشعب الفنزويلي واللاجئين يقعون ضحايا صراع الطرفين المتنافسين على السلطة في البلاد، في ظل تسييس القضية الإنسانية، بدل حلها، وذلك عبر استقدام كل طرف مساعدات من الدول الداعمة له وإدخالها في الصراع السياسي"، حيث أرسلت روسيا طائرات محملة بالمساعدات إلى الحكومة الفنزويلية قبل أيام من موعد تسليم المساعدات الأميركية المحدد اليوم السبت.

ويؤكد باريوس أن "أوضاع اللاجئين على طرفي الحدود تزداد سوءا، والمساعدات قد تكفي لأيام قليلة فقط نظرا للحاجة الكبيرة للشعب المتضور جوعا"، معتبرا أن جرّ الشعب للمطالبة بالغذاء والدواء وحاجاته الأساسية عبر التحركات الشعبية في الشارع وعلى الحدود سيؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل الشارع الفنزويلي، وقد يتطور إلى صدامات دامية لا يحتملها الشعب المستضعف.

 

حدود وإغلاق
وكانت آخر تطورات تحضيرات إرسال المساعدات مقتل شخصين على الأقل، على يد القوات الفنزويلية الحكومية على الحدود البرية مع البرازيل، وإصابة آخرين إثر صدامات أعقبت قرار الرئيس الفنزويلي إغلاق هذه الحدود "بشكل نهائي وحتى اشعار آخر"، مع دراسة إمكانية إغلاق الحدود مع كولومبيا أيضا.

يأتي ذلك في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الفنزويلية بإرسال تعزيزات عسكرية إضافية الى الحدود، بعد قرار جارتها البرازيل المشاركة في إيصال المساعدات.

حول هذه التطورات، يرى الباحث البرازيلي المتخصص في الشأن الفنزويلي ودول أميركا اللاتينية حسّان الزين في حديث للجزيرة نت أن استخدام ورقة المساعدات الإنسانية هي إحدى إستراتيجيات الولايات المتحدة وإدارة الرئيس الأميركي ترامب لتجييش الشعب الفنزويلي في وجه الحكومة، وإظهار أن المعارضة المدعومة من واشنطن والدول المجاورة هي القادرة على حل أزمات الشعب.

كما حذّر الزين من "إمكانية أن تؤدي الاحتجاجات المتوقعة اليوم التي دعا لها زعيم المعارضة إلى صداماتٍ كبيرة بين الشعب والجيش الذي أكد وقوفه إلى جانب الحكومة البوليفارية، بحيث سيكون الجيش في مواجهة الشعب الذاهب للحصول على المساعدات.

في المقابل، ترى المعارضة اعتبار المساعدات ورقة سياسية خارجية هو أمر خاطئ للغاية، فمن وجهة نظر عدد من وجوه ونشطاء المعارضة، تمثل هذه المساعدات فرصة لتحرر الشعب الفنزويلي من قيد حكومة مادورو "الديكتاتورية"، وأملا للشعب في تحسين ظروف حياته بالغة الصعوبة، وإيجاد ممر دائم للمساعدات الإنسانية اللازمة عبر دول الجوار.

المصدر : الجزيرة