لماذا تغرق ليبيا في حروب أهلية بعد ثمانية أعوام من الثورة؟
هشام عبد الحميد-طرابـلس
كما عرفت البلاد حروب مصالح وصراع نفوذ بين مجموعات مسلحة استغلت ضعف الدولة فانقضت على المؤسسات الاقتصادية، كتلك التي اندلعت في طرابلس العاصمة، ما بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وكان للجماعات المسلحة نصيب من تلك الحروب، مستغلة صراع الأطراف على السلطة، في محاولة لزرع بؤر لها ومراكز تخفيف أحمال عن سوريا والعراق واليمن.
وكلما أطفأت البعثة الأممية أو المصالحات المحلية حربا، أوقد الليبيون شرقا وغربا وجنوبا معركة جديدة تحت عناوين مختلفة.
وحملت هذه الحروب عناوين مختلفة، مثل محاربة الإرهاب والقضاء على الهجرة غير النظامية، انتهاء باجتثاث المعارضة السودانية والتشادية، وخلطها بمكونات ليبية أصيلة، كمحاولة حفتر تدجين التبو والطوراق جنوب البلاد وتهديدهم بالتطهير العرقي.
أحادية المسار
ويرى الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي أن "الترتيبات الأمنية التي رعتها بعثة الأمم المتحدة كانت أحادية المسار، حيث إنها تجاهلت الترتيبات العسكرية المساندة لوزارة الداخلية فى خطة وتعاون مشترك" كما افتقرت هذه الترتيبات إلى "آلية واضحة ومواعيد محددة لتنفيذها".
ويرجع عبد الكافي -في حديثه للجزيرة نت– سبب فشل الترتيبات الأمنية إلى أنها "لم تشمل جميع الخصوم، إضافة إلى استمرار تقويض عمل وزارة الداخلية، وضعف الدعم الحقيقي للوزارة بالآليات والأجهزة، حتى أن الميزانية لم تصرف لها".
وأوضح أن مكافحة الإرهاب "ليست فقط باستخدام قوة عسكرية غاشمة، وإنما تتطلب عملا استخباراتيا داخليا وخارجيا، عبر شبكة تجميع وفرز المعلومات، وعمل أمني منظم".
وعن الأوضاع في شرق البلاد قال، إن "فوضى المليشيات والجريمة المنظمة تعيث فى المدينة قتلا وفسادا وسرقة، رغم تنصيب حكام عسكريين، وهذا ما دعا الشارع في بنغازي للخروج والمطالبة بانتخاب عميد بلدية مدني، أملا في إنهاء حالة الانفلات".
وانتهى الخبير العسكري بالقول إن حفتر يوسع من عملياته العسكرية جنوب البلاد بهدف "السيطرة على حقلي الشرارة والفيل، واستخدامهما كورقة ضغط سياسية ليستمر في المشهد العسكري والسياسي، مصحوبا بدعم فرنسي مباشر من خلال وجود ثلاثة ضباط بغرفة عمليات الجنوب التابعة لحفتر" إضافة إلى "وجود مرتزقة تشاديين ومن جيش تحرير السودان بقيادة اللواء جابر، المساندين لحفتر، مما جعل الجنوب الليبي ساحة للفوضى الشاملة".
انفصام السلطة والقوة
غير أن المحلل السياسي وليد ارتيمة يربط ما بين الانقسام السياسي ورفض حفتر الانخراط في أي تسوية سياسية يتم بموجبها خضوع المؤسسة العسكرية والأمنية للسلطة المدنية وتهيئة المناخ لانتخابات عامة تنهي المراحل الانتقالية، وبين اتساع رقعة التردي السياسي والأمني والاقتصادي.
ويقول ارتيمة للجزيرة نت "إن فكرتي السلطة والقوة في ليبيا افترقتا، حيث لم تخضع للسلطة المركزية المجموعات المسلحة، سواء المتمردة في شرق ليبيا بقيادة حفتر، أو في جنوب البلاد، أو تلك التي تدعي أنها تابعة للسلطة الشرعية المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني".
ويشدد على أنه "رغم الادعاء المستمر على أن هناك جيشا يقوده حفتر، فإن هذه المجموعات المسلحة منفلتة تماما من عقال الدولة المركزية ومن سلطة حفتر، ولا أدل على ذلك من أن أحد قادة حفتر العسكريين البارزين وهو محمود الورفلي مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بتصفية معارضين خارج القانون".
ويصنف أغلب كتائب غرب البلاد بأنها "ذات طابع أمني وليس عسكريا، إلا أنها تتحرك وفق مصالحها الاقتصادية من خلال الهيمنة على المؤسسات المالية السيادية، بعيدا عن سلطة حكومة الوفاق رغم شعارات التبعية لوزارة الداخلية أو الدفاع أو الحرس الرئاسي".
أداء سيئ
من جانبه، يركز الكاتب الليبي عبد المجيد العويتي على ما وصفه بالأداء السيئ للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، مما "جعل الترتيبات الأمنية حبرا على ورق، خاصة مع تغول المليشيات في العاصمة طرابلس على القرار السياسي والسيادي للدولة".
وأكد العويتي للجزيرة نت أن مليشيات العاصمة "تفهم أن أي تقدم في عمليات الترتيبات الأمنية ستنهي وجودهم تدريجيا وبالتالي انتهاء نفوذهم، وهذا الأداء السياسي المتثاقل من المجلس الرئاسي يُرد بدوره إلى حالة الاستقطاب السياسي بين مكونات الصراع الليبي".
وكشف عن عيب آخر متعلق بتلك الترتيبات، وهو "تركيزها في العاصمة، مما جعل باقي ليبيا خارج الاهتمام الأمني لحكومة الوفاق الوطني، وتحديدا في الجنوب الذي أصبح مؤهلا بقوة لأن يكون ساحة تصفية حسابات جديدة بين أطراف الصراع".
كما أشار إلى أن "حفتر اختار توسيع دائرة الصراع المسلح دون أي أفق لحلول سياسية مرتقبة، تاركا شرق البلاد الذي يسيطر عليه في أتون الجريمة المنظمة".