بيت البركة بالخليل.. من مشفى إلى عقار متنازع عليه مع المستوطنين

بيت البركة في الخليل.. من مشفى إلى عقار متنازع عليه مع المستوطنين

فادي العصا-الخليل

عندما تفتح نوافذ منزل الفلسطيني أحمد أبو سرور المطلة على الشارع، تشاهد برجا عسكريا محاطا بالآليات وعشرات جنود الاحتلال الإسرائيلي لتحمي المستوطنين المارين من شارع 60 الاستيطاني أمام مخيم العروب للاجئين شمال الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.

حماية الجنود للمستوطنين لم تقتصر على مرورهم، وإنما السيطرة على مساحة من الأرض تقدر بأربعين دونما، فيها بنايات قديمة تسمى "بيت البركة".

يمنع الاحتلال حتى ترتيب محيط منزل عائلة أبو سرور الذي تدعي إسرائيل أنه يتبع تجمع "بيت البركة" رغم أنه يقع على الجهة المقابلة له، ومحاط بعشرات المنازل الأخرى.

بيت البركة بالخليل كان ملكا كنسيا قبل أن ينتهي لملكية ملياردير يهودي بصفقة مشبوهة
بيت البركة بالخليل كان ملكا كنسيا قبل أن ينتهي لملكية ملياردير يهودي بصفقة مشبوهة

وسط قنابل الغاز
الادعاء الإسرائيلي المذكور يرد عليه محمد أحمد أبو سرور، ابن صاحب المنزل، ويقول للجزيرة نت إن المسؤول عن "بيت البركة" كان يوما ما يملك منزلهم ويقطن فيه، رغم أن العائلة تملك أوراقا ثبوتية حسب القانون الفلسطيني وحتى الإسرائيلي بشرائها للمنزل في تسعينيات القرن الماضي.

لم يرق لسلطة الاحتلال هذا الأمر، وتدفع دائما الجنود لاقتحام المنزل، وإطلاق قنابل الصوت والغاز بداخله وفي محيطه، مما أدى إلى احتراقه أكثر من مرة، وتحطيم زجاجه، وأخذوا حجة قتل ابن العائلة الشاب سرور (21 عاما) الذي استشهد بمواجهات في بيت لحم عام 2016، وكثفوا من اقتحام المنزل وتفتيشه.

لا تستطيع العائلة إلا التوجه إلى محاكم الاحتلال، لإثبات ملكيتها للمنزل، لأن الاحتلال يريد ربطه "ببيت البركة" للسيطرة على المنطقة، بحجة أن أحد المستوطنين الأميركيين اليهود تملّك العقار بصفقة وصفت بأنها مشبوهة.

بلطجة مستوطنين
حاولت الجزيرة نت التقاط الصور للمكان لكن جنود الاحتلال منعوا الاقتراب من المنطقة بحجة أنها عسكرية، رغم سماحهم للمستوطنين بالوجود فيها، فالعقار الذي أسس في ثلاثينيات القرن الماضي كان مستشفى يقدم العلاج للفلسطينيين، وكان فيه أطباء أجانب قبل إغلاقه في الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

قبل عدة سنوات تفاجأ المواطنون بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها موشيه يعلون بإصدار قرار عسكري بضم "بيت البركة" إلى مجمع مستوطنات "غوش عتصيون" المقام على أراضي الفلسطينيين جنوب بيت لحم وشمال الخليل.

لتتكشف بعدها صفقة مشبوهة، تم بموجبها شراء العقار الذي تملكه الكنيسة المشيخية لمؤسسة سويدية ادعت أنها كنسية، ومن ثم قامت بتمليكه لملياردير يهودي حوله مباشرة للمستوطنين.

تصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية -مع الكنيسة المشيخية والمواطنين- لهذا الأمر في محاكم الاحتلال، واعتبره مدير الهيئة في بيت لحم حسن بريجية "بلطجة" من المستوطنين، وبدأ الحراك الفلسطيني على الأرض بالاحتجاج والاعتصام أمام المبنى وحتى في المحاكم الإسرائيلية.

يريد الاحتلال -حسب بريجية- في حديثه للجزيرة نت أن يمارس الترهيب والضغط النفسي على الفلسطينيين، ليسلموا بأن بيت البركة لم يعد لهم، وأن المستوطنين هم المالكون الجدد لهذه المساحة الشاسعة والمباني القديمة، لكن عائلة أبو سرور التي تقول إن لديها أوراقا رسمية تثبت ملكيتها للمنزل.

القوات الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين باستمرار من الاقتراب من بيت البركة 
القوات الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين باستمرار من الاقتراب من بيت البركة 

وقف كنسي
بالنسبة للقسيس داني عوض من الكنيسة المشيخية في بيت لحم، فإن "بيت البركة" سمي بذلك حتى يعم الخير والبركة على الفلسطينيين، ولمساندتهم وإعانتهم في ذلك الوقت، ورغم أنه تحول لاستضافة المؤتمرات والندوات بعد إغلاقه كمستشفى، فإنه هُجر نتيجة وجوده في منطقة تندلع فيها المواجهات بشكل شبه دائم.

ويؤكد للجزيرة نت أن تسريب هذا العقار تم بطريقة غير شرعية، فالأوقاف الكنسية لا يمكن -حسب القانون الكنسي المعمول به منذ ألفي عام- أن تنقل ملكيتها إلا إلى كنيسة أخرى، وأن تبقى هذه الأموال داخل البلد لتفتح فيها مشاريع تخدم المواطنين.

ولكن المستوطنين يعلمون ذلك، فقاموا بالالتفاف عليه، وأنشؤوا مؤسسة ادعوا أنها كنسية سويدية، وتم تسريب العقار لها ليتبين أنها حولت لليهودي الشهير المليونير ميلوزوفيتش الذي يملك محلا للقمار في "لاس فيغاس" الأميركية.

وتواصلت الكنيسة مع الحكومة السويدية التي استنكرت ذلك، ليتبين أن المؤسسة أسست قبل ستة أشهر من الصفقة وحلت نفسها بعد ذلك.

ورغم أن الاحتلال طرد حارس "بيت البركة" بعد قرار السيطرة عليه واعتدى عليه وهدم منزله فوق أثاثه بحجة أنه أصبح للمستوطنين، فإن الكنيسة المشيخية والجهات الفلسطينية الأخرى ما زالت تتابع في محاكم الاحتلال هذه القضية، وتؤكد أنها لن تسمح بتحويل أملاكها للمستوطنين، رغم استمرار جيش الاحتلال بقمع المظاهرات والوقفات أمام المبنى وحوله.

المصدر : الجزيرة