بعد 45 يوما.. تنحي البشير ما زال الخيار الوحيد لـ"قوى الاحتجاجات"

Sudanese demonstrators march during anti-government protests in Khartoum, Sudan, January 24, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
مظاهرة منددة بالحكومة السودانية في العاصمة الخرطوم (رويترز)
أحمد فضل-الخرطوم
ما إن كشف الطبيب الشاب محمد ناجي الأصم باسم تجمع المهنيين السودانيين عن ميلاد إعلان الحرية والتغيير عبر مقطع فيديو أوائل يناير/كانون الثاني الماضي حتى غاب عن الساحة بسبب الاعتقال.
 
ربما لم يتوقع الأصم أن هذا الإعلان سيكون نواة لما يشبه التحالف جعل صمود الاحتجاجات أمرا ممكنا على مدى نحو شهرين.
 
وإثر اندلاع مظاهرات عنيفة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي جراء شح وغلاء الخبز واستهدافها مقار حزب المؤتمر الوطني الحاكم ظهر تجمع المهنيين السودانيين إلى السطح بموكبين سلميين في 26 و31 ديسمبر/كانون الأول للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير ونظامه.

وبمثل ما تزامن اندلاع مظاهرات الخبز مع ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر/كانون الأول اختار حلف الحرية والتغيير الظهور مع ذكرى استقلال السودان في أول يناير/كانون الثاني الماضي.

ومنذ مطلع الشهر الماضي باتت دعوات مواكب التنحي السلمية تذيل بتوقيع أربعة كيانات "تجمع المهنيين السودانيين، تحالف قوى الإجماع الوطني، تحالف قوى نداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض".

ملامح التكوين
وشكلت لجنة أطباء السودان المركزية بإضرابها عام 2016 النواة التي تخلق منها تجمع المهنيين بعد التحاق لجان تضم المعلمين والصيادلة والمهندسين والصحفيين وغيرهم.

وتضم بقية التحالفات أحزابا سياسية وحركات مسلحة، بينها تحالف قوى الإجماع الوطني المكون عام 2009 بقيادة فاروق أبو عيسى والذي ظل الأكثر تمسكا بخيار إسقاط النظام الحاكم وتغلب عليه قوى اليسار ممثلة في الحزب الشيوعي والناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي.

أما تحالف قوى نداء السودان الذي تشكل عام 2015 فيقوده رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي آخر رئيس وزراء منتخب، وأبرز مكوناته حزب المؤتمر السوداني، وحركة تحرير السودان فصيل مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، والحركة الشعبيةـ قطاع الشمال.

والكيان الرابع هو التجمع الاتحادي المعارض الذي تشكل عام 2017 ويضم سبعة أحزاب اتحادية منشقة عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني.

مصير المفاوضات
وأجبرت الاحتجاجات تحالف نداء السودان بشقيه المدني والمسلح على تعليق مفاوضات مع الحكومة السودانية كانت تقترب من جولات حاسمة بالدوحة وأديس أبابا، وهو ما اصطلح على تسميته "الهبوط الناعم".

ويستبعد عضو مفاوضات أبوجا والخبير في الشأن الدارفوري محمد عبد الله ود أبوك استجابة حركات دارفور والحركة الشعبية- شمال التي تقود تمردا في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق استئناف المفاوضات في الوقت الراهن.

ويرى ود أبوك في حديث للجزيرة نت أن تثاقل خطوات الحركات المسلحة تجاه مفاوضة الحكومة "سلوك مفهوم" في ظل الاحتجاجات لأنها ترى فيها كرت ضغط للحصول على تنازلات من الحكومة، فضلا عن تحاشي غضب الشارع على أي حوار مع النظام.

إقصاء خفي
ولئن كان إعلان الحرية والتغيير يقول في بيانه المؤسس إنه سيكون مفتوحا للجميع ليلتحق به كل من رغب لكنه ظل عصيا على الإسلاميين على الرغم من مشاركتهم اللافتة في الاحتجاجات.

وآثرت الجبهة الوطنية للتغيير -على رأسها حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين العتباني المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم- الشهر الماضي سحب ممثليها من حكومة الوفاق الوطني ومؤازرة حراك الشارع لكن ذلك لم يشفع لها عند مؤسسي إعلان الحرية والتغيير.

وقاد ممثلو الحركة مشاورات مع أطراف في حلف الحرية والتغيير وتحديدا تحالف نداء السودان بقيادة الصادق المهدي لإيجاد موطئ قدم في الحلف الجديد لكن بلا جدوى واكتفى الطرفان بالتنسيق فقط.

وكشف قيادي بارز في حركة الإصلاح الآن للجزيرة نت عن أن قوى الإجماع الوطني كانت الأكثر تشددا -خاصة الحزب الشيوعي- في رفض انضمام الجبهة الوطنية للتغيير.

وأبلغ القيادي في حركة الإصلاح الآن حسن رزق الجزيرة نت في وقت سابق أن انضمامهم لإعلان الحرية والتغيير رفض، لكنهم مع ذلك سيكونون ضمن الاحتجاجات، رضي من رضي ورفض من رفض.

‪الصادق المهدي‬ (يسار)(الجزيرة-أرشيف)
‪الصادق المهدي‬ (يسار)(الجزيرة-أرشيف)

البيان الأول
وبعد 45 يوما ظلت أطروحات إعلان الحرية والتغيير تتوافق مع ديباجة بيانه الأول الذي شدد على العمل اليومي المتواصل لإسقاط النظام الحاكم وتشكيل حكومة انتقالية لأربع سنوات.

وأمس الأربعاء قال تجمع المهنيين والقوى المتحالفة معه في بيان مشترك إن "ثورة ديسمبر المجيدة هذه ستستمر إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوداني في إسقاط هذا النظام وتصفية مؤسساته الشمولية".

ومضى حلف المواكب لدعوة النظام للتنحي وحقن دماء السودانيين والسودانيات، وللقوات النظامية للكف عن حماية النظام الذي -بحسب البيان- فقد مشروعيته وبانت عزلته.

وشدد على "عدم التراجع وأن لا مكان اليوم لحلول تسعى للإبقاء على مظالم الأمس، فالمستقبل يحمل خيارا وحيدا هو دولة تحترم جميع مواطنيها وتساوي بينهم".

‪عمر البشير ما زال يحظى بدعم قوى الجيش والأمن وحزب المؤتمر الوطني‬  (الفرنسية)
‪عمر البشير ما زال يحظى بدعم قوى الجيش والأمن وحزب المؤتمر الوطني‬ (الفرنسية)

شتاء ساخن
شتاء السودان هذا العام كان ساخنا مع تواصل الاحتجاجات في العاصمة الخرطوم وبقية مدن البلاد لقرابة الشهرين، وأمام إصرار دعاة التظاهر على مواصلة الحراك تبقى الاحتمالات مفتوحة بأن الصيف سيكون ملتهبا في ظل عدم تزحزح كل طرف عن مواقفه.

فالحكومة من جهتها وعلى الرغم من إقرارها بأن ثمة قضايا موضوعية للشباب لكنها تبدو متحفظة على التعاطي مع المبادرات التي غلب عليها تنحي البشير، مع المراهنة فيما يبدو على مغادرة الشباب الشوارع خوفا أو مللا بسبب تطاول الاحتجاجات دون تحقيق مآربها.

ويبدو الطيب العباسي القيادي في التجمع الاتحادي المعارض المنضوي تحت لواء إعلان الحرية والتغيير متفائلا بأن الاحتجاجات ستستمر بعد الشهرين أكثر قوة.

وعلى الرغم من أن الرئيس البشير اختبر احتجاجات تعد الأشرس والأوسع نطاقا منذ أن وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989 لكنه ما زال يحظى بدعم الجيش وحزب المؤتمر الوطني.

لكن العباسي يقول للجزيرة نت إن صمود الجيش والقوات النظامية لن يدوم مع استمرار الاحتجاجات ولن يأمر قادتها بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وفي نهاية المطاف ستستسلم أمام سلمية المحتجين وقوة إرادتهم.

ويرى أن نجاح حلف الحرية والتغيير في إسقاط النظام ممكن لأن ما يسميه مثلث النضال يتوفر منه الآن ضلعان هما الإرادة الشعبية ومد الشباب، وتبقى ضلع ثالث هو مشاركة المتعاطفين على الرصيف في الاحتجاجات، وهو أمر ممكن بعد شهرين من الحراك.

استمرار الاحتجاجات حتى أبريل/نيسان المقبل موعد انعقاد المؤتمر العام للحزب الحاكم هو أمر راجح، خاصة أن أزمات النقود والوقود ما زالت شاخصة، وحينها ربما استقوت الآراء غير المؤيدة لإعادة ترشيح البشير في انتخابات 2020 بالشارع وجهرت بتقديم مرشح آخر، وفق مراقبين.

المصدر : الجزيرة