أسماك إسرائيلية "محرّمة" في أسواق غزة المحاصرة

1- المنفاخ أحد أصناف الأسماك المحرمة في إسرائيل.
المنفاخ من الأسماك المحرمة في اليهودية لذلك ينقل ليباع في غزة (الجزيرة نت)

رائد موسى-غزة

في الوقت الذي تفرض فيه حصارا بريا وبحريا على قطاع غزة وتمنع صياديه من الإبحار أكثر من ستة أميال بحرية، تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على بيع أسماكها "المحرمة في الديانة اليهودية" في القطاع المحاصر، بحسب زكريا بكر مسؤول قطاع الصيادين في الإغاثة الزراعية الفلسطينية.

وقال بكر في حديثه للجزيرة نت إن إسرائيل تورد إلى غزة أصنافا كثيرة جلّها محرم على اليهود، وتقدر بنحو أربعة أطنان أسبوعيا من الأسماك التي لا تحتوي على قشور، مثل العفشة والبرش والسلفوح والبوري والمنفاخ (سمك الخنزير أو الأرنب)؛ ولولا سوق غزة لتم رميها مجددا في البحر.

ومن جهته، يقول أبو علي -الصياد السابق الذي هجر هذه المهنة قبل سبع سنوات وأصبح بائع سمك بعد إصابته بعيار ناري إسرائيلي في عرض البحر قبالة شواطئ غزة- "أصبحنا نبيع أسماك اليهود، ولا نستطيع ممارسة مهنة الآباء والأجداد في بحرنا الذي يخيم عليه الرعب والإرهاب".

ورفض أبو علي (48 عاما) -في حديثه للجزيرة نت- الإفصاح عن اسمه الحقيقي، مبررا ذلك بالخشية على شقيقيه وأقاربه من انتقام قوات الاحتلال، حيث لا يزالون يركبون البحر ويمارسون مهنة صيد الأسماك.

وأكد أنه لولا مخاطر الصيد في البحر وقلة فرص العمل، لما أقدم على بيع هذه الأسماك الإسرائيلية التي تزاحم الصيادين على أرزاقهم وتحاربهم في لقمة عيشهم.

وأكد أبو علي أن غزة كانت مكتفية ذاتيا من الأسماك، وتصدّر الفائض عن حاجتها إلى الضفة الغربية قبل اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000، حيث لم يعد البحر منذ ذلك الحين آمنا، وازدادت خطورته عقب تشديد إسرائيل حصارها على القطاع في منتصف 2007، وأصبح الصيادون عرضة "للاعتقال أو الموت"، واصفا ما يجنيه صيادو غزة من البحر بأنه "لقمة عيش مغمسة بالدم والرعب".

‪مراكب متهالكة في ميناء غزة‬ (الجزيرة نت)
‪مراكب متهالكة في ميناء غزة‬ (الجزيرة نت)

اعتداءات متكررة
وتسببت اعتداءات قوات الاحتلال خلال سنوات الحصار في قتل وجرح عشرات الصيادين واعتقال آخرين، ولا يزال ثمانية منهم في السجون، فيما تحتجز نحو خمسين مركبا صادرتها في عرض البحر.

ولم يعد أكثر من نصف الصيادين في غزة -المقدر عددهم بنحو 3800 صيادا- يركبون البحر ويمارسون مهنة الصيد، بسبب المخاطر وقلة الرزق، وبات منهم حوالي 90% تحت خط الفقر ولا يستطيعون تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم، وفق ما أكده نقيب الصيادين نزار عياش.

وقدّر عياش إنتاج الصيد من بحر غزة قبل اندلاع انتفاضة الأقصى بأكثر من أربعة آلاف طن سنويا، انخفض خلال 12 عاما من الحصار إلى أقل من النصف، بسبب القيود وجرائم الملاحقة والاعتقال وإطلاق النار من قبل قوات البحرية الإسرائيلية.

وقال إن مشكلة إنتاج غزة من الأسماك ليست في قلة كمياتها فقط، وإنما في جودتها أيضا، فهي أنواع صغيرة ورديئة، ولا يصطادها الصيادون في دول العالم.

تدمير الاقتصاد
واتفق بكر مع عياش في أن إسرائيل تشن "حربا حقيقية" على قطاع الصيد البحري، بهدف تدمير "الأمن الغذائي" وإبقاء اقتصاد غزة "رهينة" لاقتصادها وسوقا لأسماكها ومنتجاتها.

وأوضح أن إسرائيل تمارس "الابتزاز" من أجل توريد أسماكها المحرمة إلى غزة، والتي تعود عليها بملايين الدولارات، بدلا من إتلافها، وذلك عبر رهنها "السلعة بالسلعة"، فإذا امتنعت غزة عن استقبال هذه الأسماك فإنها تمنع في المقابل سلعا وبضائع أخرى من دخول غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الخاضع لسيطرتها الكاملة.

وتمنع إسرائيل نحو ألف صنف من السلع والبضائع -منها جميع معدات الصيد وصناعة المراكب وصيانتها- من دخول غزة بحجة "الاستخدام المزدوج"، بحسب "اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار".

‪سامي أبو نحل: إسرائيل تشدد على قطاع الصيد بغزة لتسويق أسماكها‬ (الجزيرة نت)
‪سامي أبو نحل: إسرائيل تشدد على قطاع الصيد بغزة لتسويق أسماكها‬ (الجزيرة نت)

بفعل الحصار
وقال الصياد سامي أبو نحل (59 عاما) إنه لم تتم صناعة مركب واحد في غزة منذ سنوات طويلة، بسبب الحصار والقيود الإسرائيلية، فضلا عن عدم قدرة الصيادين على صيانة مراكبهم المتهالكة، لعدم توفر المواد اللازمة لذلك.

ويعتقد أبو نحل أن إسرائيل تفرض القيود المشددة على قطاع الصيد من أجل دفع الصيادين إلى هجرة البحر، وبالتالي الاستيلاء على سوق الأسماك في غزة لتسويق أسماكها.

وأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم أن الأكل "الكشير" (أي: الحلال عند اليهود) -ومنه الأسماك- لدى اليهود مشابه تماما للأكل عند المسلمين، لكن "فتوى" أصدرها أحد حاخامات اليهود غير مدعومة بدليل شرعي يهودي، حرّمت أصنافا عدة من الأسماك.

وبحسب هذه الفتوى، يمتنع اليهود في إسرائيل عن أكل فاكهة البحر، والأسماك ذات الجلد الناعم (دون قشور)، ومنها الغزلان والبلاميدا والمنفاخ (الخنزير)، فإذا اشتراها اليهودي على أنها سمك الخنزير فهي محرمة، وإذا اشتراها على أنها منفاخ فهي حلال.

المصدر : الجزيرة