الإقبال على رئاسيات الجزائر في بورصة التكهنات

إنقسام واسع وسط الحراك الجزائري والطبقة السياسية حول رئاسيات 12 ديسمبر كانون الأول الجاري
انقسام وسط الحراك الجزائري والطبقة السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية (الجزيرة)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

بعد ثلاثة أسابيع انتهت في الجزائر أمس الأحد الفترة المحددة للحملات الانتخابية الرئاسية، وسط توقعات بارتفاع نسبة المقاطعة الشعبية للاقتراع المقرر الخميس المقبل لاختيار رئيس جديد للبلاد.
 
ولا يشترط المشرع الجزائري حدا أدنى أو أعلى للناخبين لقبول نتائج التصويت، وحسب الأرقام الرسمية شهدت آخر انتخابات رئاسية أجريت عام 2014 مشاركة 51.07% من الناخبين، فاز فيها عبد العزيز بوتفليقة بدورة رابعة بنسبة 81.53%.
 
أما أضعف نسبة مشاركة فكانت في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الرابع من مايو/أيار 2017 والتي شارك فيها 37.09% من الناخبين، وكانت محل طعن من الطبقة الحزبية، حيث اتهمت السلطة بتضخيمها، لإضفاء مصداقية سياسية على الانتخابات.

وبخصوص الانتخابات الرئاسية المقررة الخميس المقبل، قال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي "إن الخزان الانتخابي بلغ 24 مليونا و474 و161 ناخبا، من بينهم 914 ألفا و308 مسجلين على مستوى المراكز الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، كما شهدت المراجعة الدورية الأخيرة للقوائم تسجيل 289 ألفا و643 مصوتا جديدا".

ويشارك أربعة رؤساء أحزاب كمرشحين في السباق الرئاسي، إضافة إلى مرشح مستقل، ويحظى معظم هؤلاء بدعم من أحزاب صغرى، وأحدهم مسنود من الموالاة السابقة.

بالمقابل، أعلن قطاع واسع من التشكيلات السياسية -وفي مقدمتها الإسلاميون والعلمانيون- مقاطعة الانتخابات المرتقبة، حيث قررت حركة مجتمع السلم عدم تزكية أي أحد مرشح أو انتخابه، تاركة الخيار أمام مناضليها للتصويت بورقة بيضاء.

كما أعلنت جبهة العدالة والتنمية مقاطعتها النهائية للرئاسيات، ومثلها "تكتل البديل الديمقراطي" الذي يضم حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب جيل جديد.

وتعكس مواقف تنسيقيات الحراك وتفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة درجة عالية من الانقسام المجتمعي بشأن المسار الانتخابي عموما.

وانطلقت أول أمس السبت عملية الانتخاب في الخارج، وسط وقفات احتجاجية نظمها ناشطون معارضون أمام القنصليات الجزائرية، خاصة في باريس، حيث انزلقت إلى أحداث عنف وتلاسن.

‪بوتفليقة يدلي بصوته في آخر انتخابات رئاسية أجريت عام 2014‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪بوتفليقة يدلي بصوته في آخر انتخابات رئاسية أجريت عام 2014‬ (الجزيرة-أرشيف)

سلوك مضطرب
وفي تحليله للمشهد، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة بوبكر جيملي إن الواقع الجزائري يشهد نوعا من التناقض، بين غليان كبير في الشارع السياسي وبرودة كبيرة في الحملة الانتخابية.

وأوضح أن السلوك الانتخابي للجزائريين يبدو مضطربا، حيث يصبح الفرد في بعض الحالات مع المرشح الفلاني ثم يمسي ضده بفعل تقلص المسافة والتمايزات الموجودة بين المرشحين الخمسة.

وقال جيملي للجزيرة نت إنه "ليس من السهل التعرف على التفضيلات الانتخابية للجزائريين في هذا الظرف، لأن الكثير منهم يلجأ إلى التستر وإخفاء الموقف الخاص به، بسبب التجاذب الحاصل بين الحراك الذي دفع نحو إعادة هيكلة الشارع السياسي، والدولة العميقة".

ويعتقد أنه سيتم ترسيم الانتخابات بالحد الأدنى من المشاركة الشعبية، وهذا بسبب انخفاض درجة الدافعية لدى المواطنين للمشاركة في التصويت نتيجة للتشكيك في جدية الانتخابات ونزاهتها، وكذلك ضعف الجدوى من الانتخابات المبرمجة في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ومحدودية دورها في تحقيق الانتقال الديمقراطي.

ولذلك، فإن التيار الذي يحث على المشاركة لا يركز على تسويق المرشحين للرئاسة والترويج لبرامجهم بقدر ما يروج للمخاطر المترتبة على استمرارية شغور منصب الرئيس، محاولا أن يجعل منه دافعا نحو التصويت للأقل سوءا من بين المرشحين.

وأشار جيملي إلى أن الحراك قد ساهم في ظهور تقسيم جديد للخريطة الانتخابية، ودفع الأحزاب المعارضة إلى اتخاذ قرارات وصفها بأنها "زئبقية"، على خلفية امتداد الانقسام في الموقف من المشاركة إلى البيت الحزبي الواحد، حيث جاءت تلك القرارات لتقلل حالات التمرد المحتملة داخل قواعدها، وتجاوز الموعد بأقل الأضرار.

‪قلالة: جزء كبير من الشعب سيشارك والانتخابات المقبلة ستحمل مفاجآت عدة‬ (الجزيرة)
‪قلالة: جزء كبير من الشعب سيشارك والانتخابات المقبلة ستحمل مفاجآت عدة‬ (الجزيرة)

تقديرات
من جهة أخرى، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر سليم قلالة أن أغلب دول العالم تشهد انخفاضا في نسبة المشاركة الانتخابية.

وفسر الأمر بحدود الممارسة السياسية في ظل القواعد المتعارف عليها في النظام الديمقراطي مستدلا بتونس كنموذج قريب من الجزائر لم تتعدَ نسبة المشاركة فيها خلال الدور الأول الماضي 43%.

وتابع "لذا فإن الحديث عن المشاركة الشعبية من عدمها في انتخابات الجزائر القادمة يجب أن يقاس وفقا لهذا المعطى، وثانيا ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الظرف الذي تمر به البلاد اليوم، ومحاولة أطراف عدة أن تجعل من الانتخابات إحدى أدوات الضغط بدل أن تكون وسيلة لبناء نظام سياسي جديد".

وقدر قلالة في تصريح للجزيرة نت أن تعبر الانتخابات المقبلة عن مدى اقتناع الشعب بكون الانتخابات هي أقصر طريق لتجاوز الأزمة الراهنة من عدمه.

وأوضح أنه رغم ما يبدو للوهلة الأولى بأن لا أحد سيشارك في هذه الانتخابات فإنه يتوقع أن تكون مشاركة الفئات الشبابية ضعيفة، خاصة في المدن، أما الفئات المعتادة على المشاركة من مناضلي الأحزاب المدعمة للمرشحين -بغض النظر عن فئاتهم- وجزء من الشرائح الشعبية الأخرى فإنها لن تتردد في التصويت، مما سيجعل الانتخابات المقبلة تحمل مفاجآت عدة.

المصدر : الجزيرة