اشتباك السياسة والقانون.. كيف تغيرت مواقف خبراء الدستور بين عزل كلينتون وترامب

A photograph showing former White House intern Monica Lewinsky meeting President Bill Clinton at a White House Christmas part December 16, 1996 submitted as evidence in documents by the Starr investigation and released by the House Judicary committee September 21, 1998.
علاقة بيل كلينتون بالمتدربة لوينسكي هزت الوسط السياسي في واشنطن عام 1998 (غيتي)

محمد المنشاوي-واشنطن

21 عاما مرت بعد آخر ظهور لخبراء في القانون الدستوري أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب للإدلاء بآرائهم في قضية عزل رئيس أميركي.

 

في العام 1998، شارك عدة شهود من خبراء القانون الدستوري في تحقيقات لمحاولة عزل الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون.

اثنان من هؤلاء قدما إفادات في قضية عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أثناء جلسات تحقيقات اللجنة القضائية المكلفة بإعداد لائحة الاتهام ضد الرئيس.

البروفيسور مايكل غيرهارت بجامعة كارولينا الشمالية والبروفيسور جوناثان تورلي من جامعة جورج واشنطن، قدّما إفادات في قضية عزل ترامب تتناقض كليا مع مواقفهما التي تبنياها من عزل الرئيس كلينتون.

دافع غيرهارت عام 1998 عن الرئيس كلينتون، واليوم يتخذ موقفا صلبا داعيا إلى ضرورة عزل الرئيس ترامب، في حين طالب تورلي بضرورة عزل كلينتون في الماضي ويدعو اليوم إلى رفض عزل ترامب. واستخدم الخبيران نفس المنهج والحجة، لكن في اتجاهات متناقضة.

أكد البروفيسور غيرهارت أمام اللجنة القضائية أن مواقف ترامب تستدعي عزله من منصبه، في حين عبر تورلي عن تيقنه من أن مخالفات ترامب ليس لها أي أساس قانوني يستدعي عزله.

وفي حالتي ترامب وكلينتون، يتفق أغلب خبراء القانون الدستوري على ارتكاب مخالفات تستدعي بدء إجراءات عزل الرئيس، أهمها اتهامات عرقلة العدالة، واستغلال المنصب السياسي لأغراض ومنافع شخصية.

وقد خلص تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس النواب إلى وجود "أدلة هائلة" على "سوء سلوك الرئيس" ترامب في نقطتين، أولاهما ربط مصالحه الخاصة وحجز مساعدة عسكرية لأوكرانيا، مقابل أن تفتح تحقيقات تصب في مصلحة حملته الانتخابية. والنقطة الثانية تتعلق بإعاقته للعدالة.

وعلق البيت الأبيض على تلك المعطيات قائلا إن تقرير التحقيق "الزائف" بهدف عزل ترامب، لم يقدم "أي دليل" ضد الرئيس.

حالة كلينتون
استدعت اللجنة القضائية بمجلس النواب ذات الأغلبية الجمهورية في ذلك الحين 12 شاهدا من خبراء القانون الدستوري، وحاولت إثبات أن كلينتون كذب تحت القسم فيما يتعلق بعلاقته الجنسية مع المتدربة بالبيت الأبيض مونيكا لوينسكي.

كما تم توجيه اتهامات لكلينتون بالكذب فيما يتعلق بعلاقته مع امرأة أخرى تدعى باولا جونز، ومخالفات في وثائق قدمها لجهات التحقيق، إضافة إلى الترهيب لمنع ظهور شهود أمام لجان التحقيق. وتمت إدانة كلينتون من جانب مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية.

واتفق الجمهوريون والديمقراطيون باللجنة القضائية على استدعاء الخبير الدستوري غيرهارت الذي قال حينها "لنكن عمليين، يجب أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المخالفة التي تستدعي عزل الرئيس وبين مهام منصبه الرسمية وواجباته الوظيفية. لقد أشار الآباء المؤسسون وعلى رأسهم ألكسندر هاميلتون إلى أن العزل ينبع من فقدان ثقة الشعب في المسؤول، ويجب أن يمثل سوء استغلال السلطة جريمة سياسية مباشرة تستدعي العزل". وطبقا لغيرهارت، لم تتوفر أسباب موضوعية لعزل الرئيس كلينتون.

أما الخبير الدستوري تورلي فقال في مداخلته أمام اللجنة القضائية "عليكم الانتباه واليقظة.. قراركم سيحدد مصير ومستقبل السلطة التنفيذية.. لو قررتم أن بعض الأفعال والمخالفات لا تستدعي العزل، ستؤسسون بصورة غير مباشرة لتقوية السلطة التنفيذية وتساهمون في تضخمها، وعليكم العيش لاحقا مع هذا الواقع الجديد".

مضمون مكالمة ترامب مع نظيره الأوكراني سربه مخبرون وبات موضع تحقيق في الكونغرس (رويترز)
مضمون مكالمة ترامب مع نظيره الأوكراني سربه مخبرون وبات موضع تحقيق في الكونغرس (رويترز)

حالة ترامب
استدعت اللجنة القضائية أربعة خبراء دستوريين، طالب ثلاثة منهم بعزل الرئيس في حين اعترض الرابع.

وذكر البروفيسور غيرهارت أن "مخالفات الرئيس القوية بما فيها من رشوة وطلب مصلحة شخصية من رئيس دولة أجنبية مقابل ما يملكه من سلطات، وعرقلة العدالة وعرقلة عمل الكونغرس، تعد أسوأ من أي اتهامات أو مخالفات ارتكبها أي من الرؤساء الأميركيين السابقين الذين تعرضوا للمساءلة والعزل".

لكن البروفيسور ترولي اختلف معه تماما ورأى أنه "لو استمر مجلس النواب في السير تجاه العزل على خلفية الاتهامات المتعلقة بأوكرانيا، سيكون ذلك بمثابة رسالة مباشرة بأنه يمكن عزل الرئيس بعد فترة تحقيق قصيرة للغاية ومع توافر دلائل ضعيفة وواهية مقارنة بما تم في حالات العزل السابقة".

النتيجة
انتهت عملية عزل كلينتون بالتصويت في مجلس النواب يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1998 على لائحة اتهامات أول بنودها يتعلق بالكذب تحت القسم. وصوت 228 عضوا لإدانة كلينتون، بينما رفضه 205 آخرون.

والتهمة الثانية التي واجهها كلينتون تعلقت بعرقلته للعدالة، وصوت 221 عضوا لصالح القرار مقابل اعتراض 212.

وانتقلت عملية التصويت بعد ذلك إلى مجس الشيوح لمحاكمة الرئيس، وترأس الجلسات قاضي المحكمة الدستورية العليا آنذاك وليام رينكويست.

وفي 12 فبراير/شباط 1999 صوت مجلس الشيوخ ضد توجيه اتهامات للرئيس بأغلبية 55 صوتا مقابل 45 في التهم المتعلقة بالكذب، بينما صوت 50 عضوا لإدانة كلينتون بعرقلة العدالة، ورفض 50 عضوا الإدانة، ولم يتم عزل الرئيس لرفض مجلس الشيوخ.

أما  في حالة ترامب فما تزال جلسات التحقيق متواصلة في مجلس النواب، ومن المرجح أن مجلس الشيوخ سيجهض جهود العزل لأن الجمهوريين يمتلكون الأغلبية فيه.

المصدر : الجزيرة