تناولت مجلة ناشيونال إنترست تحذير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إيران والمليشيات الموالية لها في العراق من رد حاسم، وذلك على خلفية استهداف قواعد عسكرية تستضيف قوات أميركية في العراق.
من هذه الفكرة انطلق موقع أوريان 21 الفرنسي في مقابلة مع روبرت مالي، رئيس المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات والمساعد الخاص السابق للرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون، والذي التقى به كريستيان جوري في منتدى الدوحة الذي عقد يومي 14 و15 ديسمبر/كانون الأول 2019، وحاوره حول سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط وتناقضاتها.
وقال مالي إن الانسحاب أو التراجع الأميركي المزعوم بمنطقة الشرق الأوسط ليس سوى قراءة سيئة للوضع، حيث ينبغي أن نتذكر أن في المنطقة أكثر من 30 ألف جندي أميركي وأن 14 ألفا آخرين انضموا إليهم منذ انتخاب ترامب، بالإضافة إلى تدخلات هنا وهناك بإرسال طائرة دون طيار أو بالقيام بعمليات عسكرية.
ومع ذلك -يقول مالي- هناك إعادة تموضع وتراجع للولايات المتحدة في استخدامها للقوة العسكرية وفيما يتعلق ببصمتها العالمية، وذلك ما يمكن تفسيره بالمكاسب النسبية للقوى الأخرى، حيث إن الجميع يبحثون عن مكانهم في عالم تكون فيه الولايات المتحدة أقل حضورا.
تراجع نسبي قديم
وقال مالي إن واشنطن مهما فعلت لا تسيِّر الأمور كما ينبغي، واستطرد بقول أحد زملائه "نغزو العراق ونحتله، الأمور ليست كما ينبغي، نغزو ليبيا ولا نحتلها، الأمور ليست كما ينبغي، لا نغزو سوريا ولا نحتلها الأمور ليست كما ينبغي"، ومن هنا جاءت قناعة عامة الناس بأنه من الأفضل أن تترك أميركا الاهتمام بالمنطقة.
ولكن هذا الشعور بالعجز يعود إلى أبعد من ذلك، كما يقول مالي، حيث يعود إلى ما قبل زمن أوباما الذي أدرك هذا العجز منذ "الربيع العربي"، في وقت اعتقد فيه الكثيرون أن صفحة جديدة بين الولايات المتحدة والعالم العربي ستفتح.
بمجرد أن أصبح أوباما رئيسا شعر بأن آمال التغيير التي عبر عنها من حوله سوف تتلاشى، وأدرك أن المصالح الأميركية في مصر والخليج لم تعد هي نفسها التي تم تحديدها في الوقت الذي تم فيه تطبيق السياسات الأميركية، وكان حدسه جيدا، إلا أن الإدارة لم تستخلص الاستنتاجات الصحيحة.
حروب عديمة الفائدة
ومن الواضح أن هذا السلوك -حسب مالي- يجعل بعض قادة العالم العربي يفقدون ثقتهم به، متسائلين "هل سيكون حليف اليوم حليف الغد؟"، لأنهم يرون سياسة ترامب شفافة وغامضة، كل أحد يعرف أنه يعمل على أساس العطاء والأخذ، ولكن لا أحد يعرف ما الذي سيعطيه أو ما الذي سيأخذه.
ويرى مالي أن هذا ليس خاصا بترامب، موضحا أنه إذا تم انتخاب رئيس ديمقراطي في عام 2020 سوف يستمر هذا الوضع تجاه الشرق الأوسط، وبالتأكيد لن تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة.
اتفاقية القرن
ومع أن ترامب رجل صفقات، فإنه لم يطلب أي مقابل لكل هذه الهدايا التي قدمها لإسرائيل، وذلك -كما يشرح مالي- عائد لأسباب سياسية داخلية، حيث أراد ترامب أن يكون مؤيدا لإسرائيل قدر الإمكان لإرضاء الناخبين الإنجيليين واليهود، وليظهر أنه بلا منازع في هذا الملف، ويقول إن إسرائيل لم يكن لها صديق أفضل منه.
وفي أعماقه -يقول مالي- ليست لدى ترامب رؤية أيديولوجية، ففي أحد الأيام قد يهتم بإيران أو إسرائيل أو سوريا ثم ينسى الأمر، إنه ينتقل من موضوع إلى آخر بسرعة كبيرة. وبالتالي فإن دور المحيطين به مهم للغاية، لأنهم من يذكرونه بالتحدث عن موضوع أو تنفيذ سياسة عندما لا يكون مهتما، كما هي الحال بالنسبة لسوريا.
غير أن بعض أعضاء إدارة ترامب، كالسفير في القدس ديفد ميليتش فريدمان والمستشار الصهر جاريد كوشنر، ينظرون إلى القضية الفلسطينية الإسرائيلية من وجهة نظر أيديولوجية، وهم يسعون لتغيير معايير حل النزاع، وذلك بخفض توقعات الفلسطينيين، كما يرى مالي.
أما الفلسطينيون -حسب مالي- فلن يتغير شيء بالنسبة لهم، لا بالانتخابات الإسرائيلية ولا بغيرها، سوى ما ستقوم به القوى السياسية الجديدة على أرض الواقع في الضفة الغربية بعد طي صفحة الرئيس محمود عباس.
وفي ملف إيران، يقول مالي إن ترامب مختلف عن إدارته، لأنه رئيس "مقروء"، عندما يتحدث لا نفهم كلماته، لكننا نعرف بالضبط ما يعنيه، عكس السياسي الذي تكون كلماته وعباراته مهذبة للغاية.
وفيما يتعلق بالقضية الإيرانية، يبدو ترامب واضحا بالنسبة لمالي، فهو لا يريد الحرب، ولكنه يريد اتفاقا مع إيران، وإذا نال اتفاقا منها سيقدمه على أنه عكس الاتفاق الذي وقّعه أوباما وسيكون سعيدا.
لكن التناقض الوحيد بين ترامب وترامب، وبين ترامب وإدارته -حسب مالي- هو أن الرئيس لا يريد الحرب بل يريد اتفاقا، ولكن سياسة العقوبات القصوى التي يطبقها يمكن أن تؤدي إلى صراع.
أما بالنسبة لفريقه، فإنهم يؤمنون بالعقوبات، لا لأنها يمكن أن تؤدي إلى اتفاق، ولكن لأنها يمكن أن تضعف إيران وتشجع الاضطرابات الداخلية وربما تستفز تغيير النظام.