تداعيات عزلة الطبقة السياسية عن الاحتجاجات في العراق
الجزيرة نت-بغداد
بينما تتصاعد وتيرة الاحتجاجات ببغداد ممتدة نحو الجنوب وسط توتر واحتقان انفجرا بصورة قمع غير مسبوق منذ اندلاع الاحتجاجات في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتواصل عزلة الطبقة السياسية عن الواقع ووضع الحلول الحقيقية لتلبية مطالب المتظاهرين مكتفية بوعود لم يتحقق منها شيء.
اعتكاف سياسيي المنطقة الخضراء على حلول ترقيعية سبّب خيبة أمل للعراقيين خاصة بعد عشرات الضحايا باحتجاجات ذي قار الأخيرة، لتتسع مسافة إمكانية التقارب للخروج من الأزمة.
وأكد رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري للجزيرة نت، وجود فرق شاسع بين الرئاسات الثلاث والطبقة السياسية برمتها والحركة الاحتجاجية.
وقال الشمري إن الساسة لا يدركون حتى الآن مدى الوعي السياسي المتنامي لدى جموع المحتجين، وإنه لن تنطلي عليهم إجراءات سريعة أو شكلية، معتبرا أن الحكومة لن تنتج أي حلول حقيقية وهو ما من شأنه أن يزيد المحتجين إصرارا على موقفهم.
وهو ما أيده المحلل السياسي طارق حرب، مؤكدا أن هناك جهات متنفذة تشارك الحكومة مكانتها ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليها أو ردعها، متابعا "الحقيقة أن الأكثرية السياسية مع الحكومة وتراوغ الشعب بتصريحاتها وبمقدمتها التيار الصدري المتظاهر بالإصلاح، وهو الجزء الأكبر من حكومة فاسدة، وبظل عزلة البرلمان لا نتيجة سوى زيادة القتلى والجرحى".
تصور خاطئ
لا ترجمة لعزلة الطبقة السياسية عن واقع الحال إلا المحافظة على نفسها ومكاسبها، وهو ما يدفع نحو ديمومة الاحتجاجات لتأكد منظميها من نوايا وطمع هذه الطبقة، حسب حرب.
ويضيف أن أغلب السياسيين لا يهمهم أمور الشعب بل جعلوا نصب أعينهم المناصب والمال، ما جعل موقفهم بعيدا عما يجري بساحات الاعتصام.
وأشار إلى أنه مع بلوغ الأزمة مراحل حرجة إلا أن مجلس النواب ما زال يعطل الكثير من جلساته وكأن الأمر لا يعنيه، مؤكدا أن مثل هذه الظروف تتطلب استمرارية انعقاد المجلس على مدار اليوم.
رهان الوقت
حرب أعصاب يخوضها المحتجون مع الطبقة الحاكمة حيث يراهن كل طرف على عامل الزمن، فيقول أحد المشرفين على المفارز الطبية للمظاهرات سعد الجبوري، ما تفعله الطبقة الحاكمة هو المراهنة على صبر المتظاهرين من خلال إجراءات شكلية لا تمُت لواقع التنفيذ بصلة والغرض منها امتصاص الغضب، مثل اعتقال النائب أحمد عبدالله بتهم فساد ومن ثم إطلاق سراحه بحجة الحصانة، وإقالة عدد من المديرين العامين ووكلاء الوزراء منذ أكثر من شهر وما زالوا يمارسون فسادهم ولهذا ما على المحتجين إلا الصبر إن أرادوا التغيير.
محافظات أخرى
التغيرات السريعة بمجريات الأحداث توشك على جر البلاد لمستقبل مجهول ودليله تزايد القمع مما أدى إلى وقفات تضامنية غير متوقعة في محافظات التزمت الصمت منذ اندلاع المظاهرات، مثل الأنبار ونينوى وبدأ التعاطف واضحا مع المحتجين ببغداد والجنوب.
ويقول المحلل السياسي هشام الهاشمي إن دراسات خاصة بالاحتجاجات العراقية رصدت تحولات كبيرة من الاحتقان الشعبي إلى الانفجار الشعبي وانعدمت الثقة بين السلطة والمتظاهرين إلى حد لا يمكن لأي وسيط تسيير حوار أو إعلان شفاعة لأجل التهدئة أو الاحتواء، وتحولت المطالب من فئوية إلى وطنية، ومن تغيير سلوك النظام إلى تغيير النظام بالكامل، وهو ما سيحدث ربما كارثة بالمستقبل القريب.
وهو ما ذهب إليه الكاتب علي عبد الزهرة قائلا إن الصمت أو البرود السلطوي تجاه التغيير يقود الأمور إلى مسارات مجهولة، وتطور الأمور من السلمية للصدام المسلح مع منظومات السلطة سيضاعف سيل الدماء والخسائر المادية والمعنوية لحين التغيير، لذا على السلطة الحاكمة أن تلتفت حقيقيا لمطالب الشعب.
إهمال الدستور
قد تكون الطبقة الحاكمة مطمئنة كونها تسيطر وشركاؤها المتنفذون -كما أشار إلى ذلك حرب والشمري- لكن تأزّم الأمر وإصرار المحتجين على إقالة الحكومة قد يجبر المحاكم الدولية على القصاص من الطبقة الحاكمة.
وقد صرح المستشار القانوني مسلم الدراجي للجزيرة نت بأن جميع الموظفين بالعراق يخضعون لقانون انضباط موظفي الدولة والخضوع لعدد من العقوبات لكل من يتغيب عن الدوام إلا أن أعضاء مجلس النواب لا يخضعون لهذا القانون وإنما للمادة 16 من النظام الداخلي التي تنص على أنه "لا يجوز التغيب إلا بعذر مشروع يقدره رئيس مجلس النواب أو اللجنة المختصة".
والمادة 18 من النظام الداخلي لمجلس النواب تحدد عقوبة العضو بتنبيه خطي للمتغيب 15 مرة بصورة غير متتالية وعشر مرات بصورة متتالية، وفي حالة عدم الامتثال يعرض الموضوع على المجلس، والملاحظ بالقانون أن لا عقوبة على النائب المتغيب بالنظام الداخلي الذي وضعه النواب لأنفسهم.