من وضع اليد إلى الاستملاك.. هكذا تبني إسرائيل "دولة المستوطنين"

عاطف دغلس- بناء إستيطاني آخر على اراضي قرية قراوة بني حسان شمال سلفيت بالضفة الغربية - الضفةالغربية- سلفيت- الجزيرة نت4 copy.jpg
بناء استيطاني آخر على أراضي قرية قراوة بني حسان شمال سلفيت بالضفة الغربية (الجزيرة)

عاطف دغلس-نابلس

قلق وخوف كبير انتاب الفلسطيني عبد السلام دوابشة منذ تسلمه قرارا إسرائيليا جديدا يقضي بمصادرة جزء من أراضي قريته دوما بقضاء مدينة نابلس شمال الضفة الغربية و"استملاكها" للمصلحة العامة.

في الأيام القليلة الماضية أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين في مختلف مناطق وجودهم في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية وحتى جنين شمالها، بوضع يدها على أكثر من سبعة آلاف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضيهم ومصادرتها لصالح شق طرق استيطانية ولأغراض عسكرية ومناطق صناعية تصب كلها في صالح المستوطنين.

في هذه المرة، اختلف القرار الإسرائيلي بالنسبة لدوابشة رئيس المجلس القروي، فهو ليس كسابقه من نحو أربعين إخطارا تلقاها أهالي قريته خلال السنوات الثلاث الماضية، تقضي بوقف بناء منشآت زراعية وسكنية.

وألقى جيش الاحتلال بالإخطارات في شوارع القرية على شكل منشورات باللغتين العربية والعبرية، إضافة لخرائط مصورة تظهر المنطقة المستهدفة التي تعرف لديهم بـ"حرائق الشرق" والمقدرة بأكثر من أربعين دونما.

‪المنطقة الجديدة المستهدفة بالمصادرة في قرية دوما والتي تقع في مدخل القرية‬  (الجزيرة)
‪المنطقة الجديدة المستهدفة بالمصادرة في قرية دوما والتي تقع في مدخل القرية‬  (الجزيرة)

يقول دوابشة بينما يستعرض قرارات المصادرة إن "الخطورة تكمن في صيغة القرار (الاستملاك) الذي جاء به وإغلاق مدخل القرية وعزلها عن محيطها بسبب توسيع (شارع 60) الاستيطاني الرابط بين قريته ومدن القدس وأريحا ونابلس".

جرائم حرب
وتحاصر قرية دوما خمس مستوطنات ومعسكر للجيش، ويصادر الاحتلال أكثر من عشرة آلاف دونم من أصل 18 ألفا من مساحة القرية منذ ثمانينيات القرن الماضي. وبحكم تصنيف أراضيها لمناطق "سي" فإنها تخضع لسيطرة الاحتلال العسكرية.

وتكمن خطورة قرارات الضم الجديدة في أن غالبها تأكيد على مصادرات سابقة، وأن جزءا منها واقع ضمن مسار الجدار الفاصل الذي نهب عبر تعرجاته 19% (أكثر من 560 ألف دونم) من مساحة الضفة الغربية المقدرة بـ5654 كيلومترا مربعا.

‪شارع حوارة جنوب نابلس يخطر الاحتلال بمصادرة مئات الدونمات حوله لشق طرق استيطانية‬ (الجزيرة)
‪شارع حوارة جنوب نابلس يخطر الاحتلال بمصادرة مئات الدونمات حوله لشق طرق استيطانية‬ (الجزيرة)

وأخطر من ذلك، أن المصادرة تتم عبر قوانين وضع اليد والأوامر العسكرية وغيرها، رغم عدم وجود أي دواع أمنية بحسب القانون الدولي، وبالتالي تعد هذه المصادرات "جرائم حرب" بحسب مدير النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قاسم عواد.

ويضيف عواد أن هذا "سرقة" للأرض وانتقال لمرحلة جديدة هدفها وهب الأرض للمستوطنين عبر حارس "أملاك الغائب" أو "الدولة" لتغيير الوضع القائم.

وتعني قرارات المصادرة أيضا الشروع الفعلي باستهداف المناطق "سي" التي تشكل 62% من الضفة الغربية، عبر شق شبكة من الطرق الالتفافية بكلفة تزيد على عشرة مليارات شيكل (الدولار يساوي 3.5 شيكلات) كما الحال في منطقة العرَّوب جنوب الضفة الغربية وبلدة حوارة شمالها، إضافة لربط تجمع مستوطنات غوش عتصيون شمال مدينة بيت لحم بمدينة القدس.

مليون دونم
وتصادر إسرائيل عبر قانون "وضع اليد" أكثر من مليون دونم تقطع بها إسرائيل أواصر الضفة الغربية عبر أكثر من 700 حاجز احتلالي وإسقاط "لدولة المستوطنين" بكل معانيها، ولا سيما عبر استملاك الأرض وتحويلها للمستوطنين الذين تجرؤوا في الآونة الأخيرة على الاعتداء على المواطنين وسرقة محاصيلهم من الزيتون وغيره ومنعهم الوصول لأراضيهم. 

وأمام كل ذلك، يؤكد عواد أن محاكم الاحتلال الإسرائيلي ترد آلاف القضايا التي يرفعها الفلسطينيون رفضا لمصادرة أرضهم، وتدعي أن ضمها هو خدمة للمصلحة العامة بينما الحقيقة أنها لصالح المستوطنين.

‪أعمال بناء استيطاني مستمر على أراضي قرية الولجة بين القدس وبيت لحم حيث يهدف الاحتلال لربط المستوطنات هناك بشبكة طرق واسعة‬ (الجزيرة)
‪أعمال بناء استيطاني مستمر على أراضي قرية الولجة بين القدس وبيت لحم حيث يهدف الاحتلال لربط المستوطنات هناك بشبكة طرق واسعة‬ (الجزيرة)

وتهدف كل إجراءات الاحتلال تلك إلى إنهاء الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وقطع الطريق أمام أي حل سياسي مستقبلي، وهو ما يعرف بـ"مشروع أيالون" الاحتلالي الذي أعلنته إسرائيل عقب احتلال الضفة الغربية عام 1967 بشهر، وقسم مناطق الضفة وغزة والقدس إلى 11 "كنتونا" ومعزلا.

وتسعى إسرائيل لمضاعفة أعداد المستوطنين من 700 ألف الآن يقطنون في 160 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية في القدس والضفة الغربية ويجثمون فوق 60% من أراضيها، لأكثر من مليون خلال السنوات القادمة.

وتأتي هذه المصادرات -برأي الناشط الفلسطيني صلاح الخواجا- ضد الاستيطان للاستيلاء على أكثر من 8% من أراضي الضفة لبناء المستعمرات، والأخذ بتوصيات لجيش الاحتلال تدعو لبناء 176 كنتونا تهدف لعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها.

خطورة المصادرة وأماكنها
ويقول الخواجا إن إخطارات "وضع اليد" الأخيرة التي تجاوزت الخمسين إخطارا -بحسب مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان- تكمن خطورتها في أنها تأكيد على مصادرات سابقة وجديدة، إضافة للانتشار "الأفقي" للمصادرة واستهدافها مناطق شرق الجدار باتجاه الضفة الغربية والتمدد بشكل أكبر على أراضي الفلسطينيين.

ووقعت أبرز المصادرات في مدينة الخليل بمصادرة أكثر من أربعة آلاف دونم وألفين آخرين في مدينة بيت لحم وقرية الجبعة، إضافة لمئات الدونمات في بلدة حزما شمال القدس وقرى غرب رام الله وجنوب نابلس وجنين.

ورغم أن الفلسطينيين يلجؤون عبر المؤسسات الحقوقية المختلفة لرفع قضايا لوقف مصادرة أراضيهم، فإن 96% من قرارات المحاكم -بحسب الخواجا- تذهب لصالح المستوطنين.

ويضيف الخواجا أن 81 قانونا أقرها الكنيست الإسرائيلي تبرر المصادرة وتشرعنها، وتتيح الحق للمستوطن بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين العامة والخاصة، وأن "أي احتجاج يمكن التفاهم عليه داخل المحكمة".

ويدعو أحد بنود أوامر المصادر التي تلقاها أهالي قرية دوما بأحقية الاعتراض لمن أراد، لكنه -بحسب عبد السلام دوابشة- يؤكد في بند آخر أن "لا رجعة عن القرار"، ويؤكد مركز القدس للمساعدة القانونية في بيان له وصل الجزيرة نت نسخة منه أنه لا مجال للاعتراض حول المصادرات الأخيرة بسبب "انتهاء المهل القانونية" للاعتراض.

المصدر : الجزيرة