بعد 100 عام على الثورة ضد الإنجليز .. مظاهرات العراق بعيون الأجداد

الأجداد بجانب الشباب بحثا عن وطن
الأجداد يلعبون دورا بارزا في رفع معنويات الشباب في ساحات التظاهر (الجزيرة)

علي الرسولي-بغداد

احتجاجات شعبية انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في العاصمة العراقية بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية، ارتفع سقف مطالبها من توفير فرص عمل ومحاربة الفساد إلى إقالة الحكومة وحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد إعداد قانون جديد للانتخابات ومفوضية انتخاب نزيهة، تمنع الطبقة السياسية الحالية من الترشح مجددا.

مهد الثورة
وإذا ما ذهبنا إلى بلاد الرافدين، ودققنا قليلا بتاريخه الحديث، نجد أنه بلد قائم على انتفاضات وثورات وانقلابات، ففي عشرينيات القرن الماضي خاض الشعب العراقي أول ثورة في الشرق الأوسط ضد الاستعمار البريطاني عام 1920، وعرفت حينها باسم "ثورة العشرين" من أجل تقرير المصير وحكم أنفسهم من دون تدخل خارجي، تبعتها فيما بعد انقلابات عسكرية وتغيير لأنظمة الحكم من ملكي إلى رئاسي في البلاد ومن ثم برلماني، وتعاقب رؤساء وحكومات، ولكن ما زال هذا البلد يعاني من أزمات متفاقمة.

‪الأجداد بجانب الأحفاد بحثا عن وطن‬ (الجزيرة)
‪الأجداد بجانب الأحفاد بحثا عن وطن‬ (الجزيرة)

وعود فارغة
المشكلة في العراق -وفقا لما يراه متظاهرون كانوا حاضرين في مختلف الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية- هي وعود الطبقة السياسية بمستقبل أفضل، لم ير منها الشعب شيئا على أرض الواقع حتى هذه اللحظة.

وعلى الرغم من الطابع الشبابي الذي تتميز به الاحتجاجات الشعبية الحالية، فإن الأجداد وكبار السن كان لهم دور مميز باستمرار الزخم في ساحات التظاهر لتوحيد المطالب.

المتظاهر علي العكيلي ذكر في حديثه لـ"الجزيرة نت" أنه موظف حكومي، لكنه يتظاهر هنا لنصرة جيل المستقبل، ولتحقيق ما فشلوا هم في تحقيقه سابقا.

وأضاف العكيلي "لم أخرج لساحات التظاهر من أجل مكاسب شخصية"، مشيرا إلى أن "النظام البرلماني والمحاصصة السياسية، هما من أوصلا البلاد إلى هذه الحال".

وشدد على ضرورة "تحويل النظام السياسي إلى رئاسي، باعتباره سيقلل من حجم الفساد في البلاد، فضلا عن محاسبة جميع القوى السياسية التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن".

إنصاف الشعب
المتظاهر جمال محمد، (74 عاما)، لفت خلال حديثه لـ"الجزيرة نت" إلى أنه عاصر أول رئيس الوزراء في العهد الجمهوري عبد الكريم قاسم والرؤساء عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين، والقرن الحالي (حكومات ما بعد 2003).

وقال محمد إن أول ثورة شهدها وهو في مقتبل عمره كانت في 14 يوليو/تموز 1958، وتمخضت حينها عن تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري، مبينا أن "الفترة التي أعقبت الثورة، شهدت انقلابات عسكرية وانتفاضات، إلا أن جميعها لم تنصف الشعب العراقي".

وتابع "بعد انتهاء حقبة حزب البعث أو حكم الحزب الواحد، على أيدي الغزو الأميركي عام 2003، لم يتمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه، فتعدد الأحزاب السياسية التي كانت سابقا تعارض البعث، لم تحقق أي إصلاح في المنظومة السياسية كما كانت تنطق ألسنتها قبل تولي زمام الحكم".

وبعد مضي 16 عاما على تغيير نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني، لم يتحقق أي إصلاح يرضي الشعب، بحسب جمال محمد، الذي لفت إلى أن "البلاد باتت تعاني من محاصصة سياسية مقيتة، وتقاسم للمغانم والمكاسب بين القوى السياسية، وهو ما أجبر الشعب على الخروج اليوم ضد الطبقة الحاكمة دون استثناء"، داعيا إلى ضرورة "تطبيق حكم الإعدام بحق الفاسدين ليكونوا عبرة للأجيال والطبقة الحاكمة في المستقبل".

هتافات الشباب كسرت جليد عزلة العراق عن محيطه العربي (الجزيرة)
هتافات الشباب كسرت جليد عزلة العراق عن محيطه العربي (الجزيرة)

عفوية التظاهر
أما المتظاهر الإعلامي إياد العراقي فذكر أن "العراق يعرف ببلد الثورات ضد أي مؤامرة أو ظلم أو حيف يقع على أبناء الشعب".

ونوه العراقي إلى أن "جميع تلك الثورات التي شهدتها البلاد لم تدعمها جهة سياسية داخلية أو أطراف خارجية"، مستدركا بأن "الشعوب إذا أرادت العيش الكريم، فستثور ضد كل ظلم أو ظالم، والشعب اليوم يقول كلمته لا للعمالة".

ولعل المفارقة في الثورة الحالية، أن الشباب العفوي حقق ما عجزت عنه الدبلوماسية العراقية والحكومات المتعاقبة على السلطة منذ 2003، إذ كسرت هتافاتهم جليد العزلة عن المحيط العربي ورسمت شعاراتهم وأغانيهم رغبة جديدة عابرة للحدود وحّدت العالم العربي تحت راية التغيير.

ثقافة التظاهر
اليوم اختلف منظور التظاهر في العراق، بحسب المؤرخ والخبير القانوني طارق حرب، كونه وصل إلى مطالب تتعلق حتى بالوحدات الإدارية الصغيرة، وهو ما لم يحصل سابقا، بحسبه.

وقال حرب في حديث لـ"الجزيرة نت" إن "الثورات والاحتجاجات في العراق قديمة جدا، إذ يكفي القول إن فترة الأمين والمأمون ابني الخليفة العباسي هارون الرشيد، وبعد أربعين سنة من بناء بغداد، شهدت احتجاجات وصلت إلى تدخل الشطار والعيارين (حركة تاريخية معارضة) في نهب الجزء الغربي مما يعرف سابقا بـ(بغداد المدورة)".

وتابع أن "الثورات استمرت حتى بعد الدولة العباسية، فيتحدث التاريخ عن حصول اشتباكات في فترة حكم أولاد هولاكو لبغداد، وفي حكم الدوله الجلائرية، ودولتي الخروفين الأسود والأبيض" (حكمتا العراق بعد موت تيمور لنك بداية من عام 813هـ/ 1411م).


وأشار المؤرخ العراقي، إلى أن "هذه الثورات التي كانت تعم بغداد، شملت أيضا العهد الصفوي والعثماني والإنجليزي وصولا إلى تشكيل الدولة العراقية، في عهديها الملكي والجمهوري، وإلى الوقت الحالي"، مؤكدا أن "عددا من تلك الاحتجاجات استطاعت تغيير حكام وأنظمة سياسية".

وعلى الرغم أن العراق يعيش في عزلة عن أشقائه العرب منذ غزوه للكويت 1990 وفرض الحصار الاقتصادي عليه لمدة 13 عاما، ولم يتحرر من طوق عزلته منذ التغيير الذي حصل في 2003 بإرادة أميركية، فإن ربيع الثورات جاء ليعيد وضعه على الخريطة العربية مجددا.

المصدر : الجزيرة