تنظيم الدولة.. هل يُبعث من جديد في جنوب شرق آسيا؟

A member of the Iraqi rapid response forces walks past a wall painted with the black flag commonly used by Islamic State militants, at a hospital damaged by clashes during a battle between Iraqi forces and Islamic State militants in the Wahda district of eastern Mosul, Iraq, January 8, 2017. REUTERS/Alaa Al-Marjani
تنظيم الدولة خسر آخر جيوبه في سوريا والعراق في مارس/آذار الماضي (رويترز)
في 23 مارس/آذار الماضي استولت قوات سوريا الديمقراطية الكردية بدعم أميركي على قرية الباغوز التي كانت آخر جيب تبقى لتنظيم الدولة في سوريا، وبذلك تقلصت مساحة "أرض الخلافة" -كما أرادها التنظيم- بعد حملة دامية استمرت لأربع سنوات، من منطقة ناهزت مساحتها مساحة بريطانيا، إلى بلدة سورية صغيرة محيت بالكامل من شدة القصف.

أثار هذا الحدث بالغ الرمزية في تاريخ التنظيم تساؤلات عدة بشأن مصيره ومصير فكره وأيديولوجيته، لكن قرائن ومؤشرات سبقت هذا التاريخ بسنوات قليلة رأى فيها مراقبون بديلا "جغرافيا" محتملا لتنظيم الدولة الذي تكبد هزائم تلو الأخرى في موطنه الأول، سوريا والعراق.

فقد اضطلعت منطقة جنوب شرق آسيا، منذ 2018 على أقل تقدير، بدور أكبر في الإستراتيجية العالمية للتنظيم، وهي منطقة كانت في الماضي مغيبة في إعلامه فيما انصب اهتمامه الأكبر على "الولايات" التي أعلنها بعد اكتساحه مساحات شاسعة في سوريا والعراق.

تزايدت بعد ذلك تدريجيا أعداد مقاتلي التنظيم المنحدرين من جنوب شرق آسيا، كما ظهرت أشرطة فيديو دعائية تمجد فكر تنظيم الدولة وتعلن الولاء لزعيمه ولمشروعه الإيديولوجي، في دول مثل الفلبين وإندونيسيا.

البغدادي وقادة التنظيم تنبهوا لأهمية منطقة جنوب شرق آسيا في خدمة إستراتيجيتهم العالمية (مواقع التواصل)
البغدادي وقادة التنظيم تنبهوا لأهمية منطقة جنوب شرق آسيا في خدمة إستراتيجيتهم العالمية (مواقع التواصل)

قُبلة حياة
ويؤكد تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن منطقة جنوب شرق آسيا قد تتحول فعلا إلى "قبلة حياة" تبعث الروح من جديد في فكر التنظيم المهزوم، خاصة أنها رقعة جغرافية مليئة بالجزر وغير مترابطة الأطراف تصعب السيطرة عليها، وتشكل مجالا مناسبا للحروب غير التقليدية وحرب العصابات.

فقد تزايد بشكل ملحوظ توافد المقاتلين الأجانب على هذه المنطقة منذ 2018، خاصة بعد أن أضحى الوصول إلى كل من العراق وسوريا أكثر صعوبة، وتركز هؤلاء بشكل أساسي في دول مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا بسبب تزايد سمعتها كواجهات ناشئة لما يعرف بـ "الجهاد العالمي".

وكانت تنظيمات مقاتلة في المنطقة قد أعلنت -منذ 2014- مبايعتها لزعيم تنظيم الدولة السابق أبو بكر البغدادي، من بينها جماعة أبو سياف المرتبطة بتنظيم القاعدة، وجماعة "ماوتي" الموالية لتنظيم الدولة التي كانت السبب الأساسي في حصار دامٍ تعرضت له مدينة "ماراوي" الفلبينية في العام 2017، و"جماعة أنشاروت دولة" وهي فرع آخر للتنظيم في إندونيسيا.

اهتمام متزايد
في البدء، لم يلق قادة التنظيم في الشرق الأوسط بالا لهذه المبايعات وإعلانات الولاء، لكن القيادة المركزية للتنظيم بدأت تدريجيا تتنبه للأمر، فأضحت أذرع التنظيم الإعلامية تظهر بشكل متزايد مقاتلين ذوي ملامح من جنوب شرق آسيا في أشرطتها الدعائية، بما في ذلك مقاطع الذبح القاسية للرهائن والأسرى. كما أصدر تنظيم الدولة في العام 2016، صحيفة أسبوعية بلغة "البهاسا ملايو" -وهي اللغة الرسمية المستخدمة في جميع أنحاء إندونيسيا- وأنشأ المئات من القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة ذاتها لنشر فكره وتعزيز إيديولوجيته.

وفي السنة نفسها، أعلن البغدادي، الزعيم الفلبيني لجماعة أبو سياف، إسنيلون هابيلون، أميرا لتنظيم الدولة في شرق آسيا، ومنح رسميا مجموعات قتالية فلبينية صغيرة أعلنت ولاءها للتنظيم صفة "سرايا".

وبحسب مجلة "فورين أفيرز" فإن تنظيم الدولة ورغم تنصيبه أميرا واحدا فقط لجنوب شرق آسيا، فإنه لم يعتبر قط المنطقة وحدة متجانسة، وحاول دوما أن يجعل أساليب تجنيده وتكتيكاته العسكرية ملائمة للخصوصيات المحلية لكل بلد.

ففي إندونيسيا، عادة ما يجند عناصره من خلال استهداف مساجد ومدارس دينية ينتشر فيها فكر التطرف، بينما في ماليزيا -حيث تحكم الدولة رقابتها على المساجد- يركز التنظيم على شبكة الإنترنت، لذلك ينحدر مقاتلوه وأنصاره من هذا البلد من كل أطياف وطبقات المجتمع. أما في الفلبين، فيستغل حاجة الفقراء لتوسيع قاعدته وتجنيد مقاتلين جدد.

مدينة ماراوي الفلبينية دكت بالكامل بعد خمسة أشهر من القتال والقصف العشوائي (رويترز)
مدينة ماراوي الفلبينية دكت بالكامل بعد خمسة أشهر من القتال والقصف العشوائي (رويترز)

تكتيكات عسكرية
وكما هو الحال بالنسبة لإستراتيجيات التجنيد، تختلف أيضا التكتيكات العسكرية للتنظيم في جنوب شرق آسيا بين أسلوب المواجهة العسكرية المباشرة على الأرض في الفلبين مثلا، إلى نصب الكمائن لرجال الأمن والشرطة في إندونيسيا.

لكن البصمة القتالية المميزة للتنظيم في المنطقة تبقى التفجيرات الانتحارية، وهو تكتيك لا يعد جديدا في إندونيسيا حيث شنت "الجماعة الإسلامية" التابعة للقاعدة، تفجيرات انتحارية أعوام 2002 و2003 و2004 و2005 و2009، بينما كان هذا الأسلوب نادرا جدا في ماليزيا قبل ظهور تنظيم الدولة، وغير مسبوق تماما في الفلبين.

لاعتبارات عدة، تحولت الفلبين إلى أمل جديد لبعث حلم "دولة الخلافة" التي ضربت في مقتل في سوريا والعراق. ففي مايو/أيار 2017 استولى مقاتلو التنظيم على مدينة "ماراوي" ذات الأغلبية المسلمة، والواقعة بجزيرة مينداناو جنوبي البلاد المضطرب.

صمد مقاتلو التنظيم في "ماراوي" أمام الجيش الفلبيني المدعوم أميركيا طوال خمسة أشهر، قبل سحقه من خلال قصف جوي ومدفعي مكثف وعشوائي حول المدينة إلى ركام. وقتل خلال القصف قادة ميدانيون وأكثر من 500 مقاتل.

رغم تجرعه الهزيمة في ماراوي، بقي التنظيم حاضرا في الفلبين مستفيدا من استمرار انتهاكات قوات الأمن الفلبينية بحق المسلمين. كما ساهم فشل مقاربة القوة المفرطة التي تبناها الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، في التعاطي مع أزمة ماراوي وتعثر خططه لإعادة إعمار المدينة، في تعزيز وجود التنظيم في المنطقة.

واستفاد تنظيم الدولة أيضا -في هذا البلد وفي بلدان أخرى بالمنطقة- من فشل برامج إعادة تأهيل المقاتلين المحبطين الذين تم ترحيلهم من الشرق الأوسط.

في إندونيسيا يركز التنظيم جهوده لتجنيد أنصار جدد على مدارس دينية تروج للفكر المتطرف (غيتي-أرشيف)
في إندونيسيا يركز التنظيم جهوده لتجنيد أنصار جدد على مدارس دينية تروج للفكر المتطرف (غيتي-أرشيف)

وصفة النجاح
رغم النمو السريع لتنظيم الدولة في جنوب شرق آسيا، فإنه لم يجد "وصفة النجاح" المثالية له هناك. فباستثناء تجربة "ماراوي"، لم يتمكن من تحقيق أي نجاحات ميدانية أخرى كما حصل في الشرق الأوسط.

وتعزو مجلة "فورين أفيرز" هذا الأمر إلى وجود ندرة في القادة لدى التنظيم، فبعد مقتل إسنيلون هابيلون ومسلحين بارزين آخرين في ماراوي، سقطت فعليا عباءة القيادة في جنوب شرق آسيا.

كما أعاقت الاعتقالات أيضا نشاط تنظيم الدولة، فمنذ 2013 أوقفت ماليزيا وحدها حوالي 519 مشتبها به بتنفيذ عمليات إرهابية، عدد كبير منهم كانوا مرتبطين بالتنظيم. كما أن الأجهزة الأمنية في جنوب شرق آسيا كانت أكثر استباقا في تعاطيها مع تهديد التنظيم مما كانت عليه مع القاعدة.

وشهدت المنطقة أيضا تعاونا أكبر بين حكوماتها في التصدي لخطر التنظيم، بما في ذلك القيام بدوريات بحرية مشتركة في محاولة لوقف تدفق المسلحين من وإلى جنوب الفلبين. وأسفر هذا التنسيق الأمني عن القبض على قياديين واثنين من أبرز منظري التنظيم هناك، وهما زعيما "جماعة أنشاروت دولة" الإندونيسية، أبو بكر باعشير وأمان عبد الرحمن.

تعتبر "فورين أفيرز" أن المقاتلين المحليين في جنوب شرق آسيا اهتموا بتنظيم الدولة أكثر من اهتمام التنظيم بهم. كما أن ملامح التنظيم في المنطقة غير واضحة، ووجوده تحكمه اعتبارات دعائية أكثر من كونه يعكس وجودا منظما بقيادة مركزية وهيكلية تنظيمية واضحة وقوية.

يضاف إلى ذلك أن تنظيم الدولة ليس اللاعب الوحيد في الساحة، حيث أعادت الجماعة الإسلامية الموالية للقاعدة بناء شبكتها على مدار السنوات القليلة الماضية، ويرجح أن تتحول إلى منافس إقليمي قوي يزاحم تنظيم الدولة أو يزيحه كليا من خريطة التنظيمات المتطرفة في جنوب شرق آسيا.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية