المظاهرات في العراق.. إما التقدم دون خوف أو العودة للبيوت

A demonstrator holds an Iraqi flag during a protest over corruption, lack of jobs, and poor services, in Baghdad, Iraq October 26, 2019. REUTERS/Thaier Al-Sudani
العلم العراقي الراية الأساسية التي يحرص المتظاهرون على رفعها (رويترز)
لقي أكثر من 250 شخصا حتفهم، كما جُرح الآلاف في الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية منذ انطلاقها مطلع الشهر الجاري.    

في تقرير له نشرته صحيفة غارديان البريطانية، سلط الكاتب غيث عبد الأحد الضوء على النقاش الذي دار بين مجموعة من المتظاهرين في حديقة الأمة وسط بغداد، وتركز حول أفضل طريقة للتعبير عن مطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع.

في هذا النقاش، دعا أحد الشباب إلى ضرورة التوقف عن حرق المركبات العسكرية حتى لا يكون مبررا لاتهامهم بإثارة الشغب، في حين دعا آخر إلى الإطاحة بالحكومة. وبينما كانت المجموعة متجمعة حول الأخير، صاح أحدهم "من جعلك متكلما باسمنا؟" وهو ما دفع بقية الحشد إلى الهتاف بأن لا أحد يمثلهم.

أوضح الكاتب أن طبيعة النقاش كانت شبيهة بالمظاهرات التي يشهدها العراق منذ نحو شهر حيث كانت فوضوية وعنيفة وبلا قيادة. وكان معظم أفراد المجموعة في العشرينات من العمر، من بينهم منتميان للحزب الشيوعي.

نهاية المطاف، وافق المجتمعون على قائمة مطالب، أبرزها استقالة الحكومة وإجراء انتخابات جديدة، وتغييرات في قانون الانتخابات بالإضافة إلى مساءلة جميع المسؤولين ومحاكمتهم. حينها، هتفت الحشود ودعت الجميع للتظاهر في ساحة التحرير. 

‪جانب من حشود المتظاهرين وسط بغداد قبل يومين‬  (الأناضول)
‪جانب من حشود المتظاهرين وسط بغداد قبل يومين‬ (الأناضول)

لا مكان للمترددين
اندلعت أول موجة من الاحتجاجات في الأول من الشهر الجاري إثر دعوات أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. والدافع للمظاهرات الغضب على النظام البيروقراطي الفاسد بالإضافة إلى فشل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الوفاء بوعوده بعد مرور سنة على وجوده في السلطة.

وبيَن الكاتب أن الأجيال الشابة الذي نشأت خلال 16 سنة تلت الإطاحة بصدام حسين، ترى أن الانتخابات والديمقراطية "المزيفة" صارت مرادفة للفساد. وعلى سبيل الذكر، تسيطر الأحزاب الدينية التي تدعمها إيران على المجال السياسي.

وعلى الرغم من أن العراق يحصل مئات المليارات من الدولارات من بيع النفط، فإن العديد من مواطنيه يعيشون في فقر مدقع ويعانون من البطالة، وتدهور الرعاية الصحية بالإضافة إلى عدم التمتع بعديد الخدمات.

ومع توسع رقعة الاحتجاجات في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانت بغداد على حافة الهاوية. وعلى بعد أقل من ميل واحد من ساحة التحرير، طارد ضابط شرطة أحد المراهقين ووجَه بندقيته نحوه، على إثر ذلك تصاعدت أعمدة الدخان السوداء وبدأ حشد من زملائه المراهقين والشبان في السير والتقدم نحو الساحة.

أطلقت الشرطة النار في الهواء، لكن الحشد استمر في التلويح بالأعلام العراقية والرايات الأخرى. علاوة على ذلك، تم إشعال النار في الإطارات مع استمرار إطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع.

ووسط كل هذه الجلبة، دخلت العشرات من عربات التوك توك بين الحشود لنقل المصابين. ووسط الحشود، كان هناك شاب قصير يحث الرجال على التقدم إلى الأمام، حيث كان يصيح قائلا "لماذا تقفون في الخلف؟ ومن لا يرغبون في التقدم ليعودوا إلى منازلهم".

وأثناء الستة أيام التي تواصلت خلالها المظاهرات مطلع الشهر، ظهر عبد المهدي على شاشة التلفزيون كل ليلة تقريبا، مقدما الوعود بتوفير فرص العمل والمساكن بتكلفة معقولة والقضاء على الفساد.

أحد شوارع العاصمة بعد مواجهات مع قوات الأمن (الأوروبية)
أحد شوارع العاصمة بعد مواجهات مع قوات الأمن (الأوروبية)

قتل أو هروب
وفي الأيام الأولى للمظاهرات ووجه المحتجون بعنف، فقتل عشرات الشبان على أيدي قناصة كانوا يتمركزون فوق المباني. وأدى هذا الوضع إلى ترهيب الناشطين والصحفيين وهرب العشرات منهم من بغداد بعد تلقيهم تهديدات من خلال مكالمات هاتفية.

علاوة على ذلك، أُغلقت وسائل الإعلام وشبكات التلفزيون وقطعت خدمة الإنترنت، كما كان رجال الأمن يفتشون المستشفيات بحثا عن المصابين من المتظاهرين فيحتجزونهم.

المظاهرات وإيران
اعتبر الكاتب أن حجم المظاهرات التي شهدها العراق لم تكن بالأمر الغريب، لكن شراسة الردّ هي التي كانت مفاجئة. وعزا العديد من المراقبين حالة العنف هذه إلى حقيقة تزعزع النظام.

وأشار آخرون إلى أن هذا الوضع يكشف عن مدى قلق المليشيات الموالية لإيران من الاحتجاجات. وفي هذا الشأن، قال ضابط مخابرات بوزارة الداخلية "إيران تريد تجنّب أي شيء قد يهدد وجودها في المنطقة ولهذا السبب كان رد الفعل قاسيا للغاية".

ويرى مراقبون أن خشية حلفاء إيران تمثلت في انخراط جماعات الحشد الشعبي في مواجهة المحتجين، مما جعلهم محور غضب المتظاهرين.

عنصر أمن مع ناشط يتعاونان لمساعدة أحد المصابين من (رويترز)
عنصر أمن مع ناشط يتعاونان لمساعدة أحد المصابين من (رويترز)

لأجل العراق
ذكر الكاتب أنه في الجمعة الماضية، بدأت موجة ثانية للمتظاهرين الذين لوحوا خلالها بأعلام عراقية وهتفوا "نضحّي بروحنا ودمائنا من أجلك يا عراق". وفي هذا السياق، قُتل 74 شخصا على الأقل خلال يومين، وأصيب مئات آخرون بجروح.

والأحد الماضي، أعلن أحد أجهزة مكافحة الإرهاب عن نشر عناصره في بغداد لحماية المباني الحكومية. والاثنين الماضي انضم آلاف من طلبة الجامعات والمدارس إلى المتظاهرين في ساحة التحرير التي تعد مركزا للمظاهرات.

وأفاد الكاتب بأن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لمنع المتظاهرين من عبور جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، التي توجد بها الإدارات الحكومية والسفارات. وبين عشية وضحاها، أعلن الجيش حظر التجول في العاصمة.

وخرج المتظاهرون الأيام الماضية في مدن الناصرية والحلة والبصرة الجنوبية. أما النجف التي تكتسي بعدا قدسيا، فقد خرج العشرات إلى الشوارع. وفي الكوت، أغلقت معظم الإدارات الحكومية بسبب نقص الموظفين.

وتجدر الإشارة إلى أن مسلحا ملثما أطلق النار الثلاثاء الماضي على المتظاهرين في مدينة كربلاء، مما أسفر عن مقتل 18 شخصا وإصابة المئات.

وفي هذا الإطار، قال ضابط مخابرات "لقد أصدرنا أوامر صارمة إلى رجالنا بعدم حمل السلاح لأننا لا نريد أن نتهم بقتل المتظاهرين. وينتمي الأشخاص الذين أطلقوا النار على المتظاهرين أوائل الشهر إلى مليشيا كتائب خراساني ومنظمة بدر المدعومين من إيران".

وأفاد الضابط أنه منذ مطلع الشهر الجاري كان قادة المليشيات الإيرانية والعراقية مشرفين على غرفة العمليات التي نظمت فيها عمليات الرد على المظاهرات.

وأضاف القادة أن "هذه المليشيات أصبحت أداة لقمع المظاهرات وما تزال كذلك حتى هذه الساعة، كما باتت هذه الأفعال تحدث في وضح النهار".

وختم الكاتب بأنه نظرا لأن الحكومة والأحزاب الدينية ومليشياتهم المدعومة من قبل إيران يخافون هاجس الانقلاب في بلد تعد الثورات والحروب والاضطرابات فيه أحداثا متكررة، وقد استنكروا ما يفعله المتظاهرون واصفين إياهم بالمتآمرين والبعثيين السابقين.

المصدر : غارديان