مقتدى الصدر بيضة القبّان في المشهد العراقي

Iraqi Shi'ite cleric Muqtada al-Sadr arrives to attend Eid al-Fitr prayers marking the end of the fasting month of Ramadan at the Kufa Mosque near Najaf, Iraq June 5, 2019. REUTERS/Alaa Al-Marjani
في الانتخابات والمفاوضات وتشكيل الحكومات والتظاهرات دائما يُبحث عن الصدر (رويترز)
في الانتخابات والمفاوضات وتشكيل الحكومات والتظاهرات في العراق، اسم واحد يبحث عنه الجميع لمعرفة مجرى السفينة السياسية في البلاد، إنه مقتدى الصدر، بيضة القبّان في المشهد العراقي.
 
يطرح السيد المعمم الذي غزا الشيب لحيته نفسه راعيا للإصلاح -في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم- ومكافحا للفساد في طبقة سياسية تحتكر السلطة منذ 16 عاما.

لكن رغم ذلك، يقول الخبير بالشأن العراقي فنر حداد إن الصدريين جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية، ولم يغيبوا مرة عن المناصب الوزارية والعامة الرفيعة المستوى.

النسب المرموق لمقتدى الصدر منحه اندفاعة في إعادة بناء النظام السياسي في العراق (رويترز)
النسب المرموق لمقتدى الصدر منحه اندفاعة في إعادة بناء النظام السياسي في العراق (رويترز)

مسيرة
ولد الصدر -الذي يقول مقربون منه إنه سريع الغضب قليل الابتسام- في 12 أغسطس/آب 1973 في الكوفة جنوب بغداد.

ورث مقتدى الصدر صاحب الصوت الجهوري والوجه العابس شعبية كبيرة، إذ إنه نجل محمد محمد صادق الصدر أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس الراحل صدام حسين.

ووالد مقتدى -الذي قتل مع اثنين من أبنائه عام 1999- هو أحد أبناء عم محمد باقر الصدر، المفكر البارز الذي أعدمه صدام مع شقيقته نور الهدى عام 1980 بتهمة التخابر مع إيران.

ومنح هذا النسب المرموق اندفاعة لمقتدى، فكان أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وقائد واحدة من أكثر الحركات شعبية في البلاد.

مسيرة بدأت بمعارك ضارية مع القوات الأميركية التي اجتاحت العراق عام 2003، وانتهت بنزاع عسكري سياسي مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي حكم البلاد بين العامين 2006 و2014.

العلاقة بين الصدر والمالكي اتسمت بنزاع عسكري سياسي (مواقع التواصل)
العلاقة بين الصدر والمالكي اتسمت بنزاع عسكري سياسي (مواقع التواصل)
خط متعرج
توارى الصدر عن الأنظار أواخر عام 2006، ولم يعرف مكان إقامته حتى عودته إلى حي الحنانة في النجف -حيث مقر إقامته- في بداية 2011، ليتبين لاحقا أنه أمضى أكثر من أربعة أعوام في مدينة قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية.

يقول الباحث في العلاقات الدولية كريم بيطار إن الصدر شخص ذو خط متعرج، تنقل من كونه قائدا وطنيا مناهضا للولايات المتحدة خلال حرب العراق، لنجده متحالفا مع السعودية، وعاد فجأة مرة أخرى لاتخاذ منعطف جذري والتقرب من الإيرانيين.

والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران والولايات المتحدة على حد سواء.

فإذا كانت واشنطن لا تنسى "جيش المهدي"، فإن طهران لا تنسى بدورها المواقف العدائية لآل الصدر في الأساس المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع.

قام الصدر مؤخرا بزيارة مفاجئة إلى طهران، حيث التقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، مما شكل صدمة في الشارع العراقي.

يقول أحد الخبراء العارفين بالشأن العراقي إن هذه الزيارة جرت "لأن الصدر كان يطلب الحماية، لأنه أحس بالخوف من إمكانية اغتياله".

الدليل الأقرب لهذا الاحتمال كانت في خضم الموجة الشعبية التي يشهدها العراق اليوم، والتي اتسمت بعنف غير مسبوق جنوبا، حيث أحرقت مقار أحزاب وفصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي، قال مراقبون إنها "تأتي في إطار عمليات تصفيات الحساب".

لكن الصدر "خبير بعلم المجتمع رغم أنه متعدد التوجهات"، بحسب ما يقول الباحث ريناد منصور من "شاتام هاوس".

عودته من إيران إلى النجف كانت في لحظة حساسة، وجد نفسه في الشارع بين المتظاهرين، يتجول بسيارته، ومجددا في مقعد الربّان. 

مقتدى الصدر لدى مشاركته مؤخرا في مظاهرات النجف (رويترز)
مقتدى الصدر لدى مشاركته مؤخرا في مظاهرات النجف (رويترز)

ضرورة
يتوجه الصدر بشكل شبه يومي إلى مناصريه، مستغلا منصة تويتر التي يحرك من خلالها شارعا، ويهدئ آخر.

يشير منصور إلى أن الصدر -وهو من القادة القلائل الذي عايشوا فترة صدام حسين- "يوصف بالمتناقض مع مرور السنين، لكنه في نهاية الأمر يجري بما يشتهي الشارع".

وبالفعل، فرغم أنه كان عراب الحكومة الحالية التي يرأسها عادل عبد المهدي، لم يرض الصدر -وفق منصور- أن "يرى حكومة تفشل".

وبالتالي، فإن موجة الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 240 شخصا، كانت عذرا كافيا للصدر، الذي يتزعم حاليا ائتلاف "سائرون" الذي فاز في الانتخابات التشريعية الأخيرة ونال 54 مقعدا في البرلمان، ليضع ثقله فيها ويسقطها في الشارع، وحتى بالتحالف مع فصائل الحشد التي لم يكن على وفاق معها.

الصدر وهادي العامري هما حجر الزاوية في تشكيل حكومة عبد المهدي (رويترز-أرشيف)
الصدر وهادي العامري هما حجر الزاوية في تشكيل حكومة عبد المهدي (رويترز-أرشيف)

يقول حداد إن "الدعم الصدري كان حاسما في تشكيل الحكومة الحالية وحكومات سابقة عدة، لكن يبدو أن هذا التناقض كان له تأثير كبير على صورة الصدر خارج قاعدته الصدريّة".

ويضيف أنه رغم الخوف من أن يركب الموجة "هناك انقسام داخل النخبة الشيعية، خصوصا مع قلق الصدر وغيره من التأثير المتزايد للجهات الفاعلة الأكثر قربا من إيران في المؤسسات السياسية والعسكرية العراقية".

هذا لأن الصدر يتمتع بشعبية واسعة في أوساط فقراء الشيعة، وخصوصا في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد.

ورغم الرسم البياني المتعرج لمسيرة الصدر السياسية، يقول بيطار إنه "شخصية خلافية ذات مسار متقلب نعم، لكنه سيبقى ضرورة في السنوات المقبلة في العراق".

المصدر : الفرنسية