فورين أفيرز: الحرب بالشرق الأوسط أقرب من أي وقت مضى

ميدان - هجوم أرامكو
فورين أفيرز: لو ردت واشنطن بعمل عسكري ضد طهران عندما هوجمت مرافق النفط السعودية لأدى ذلك لردود فعل تسلسلية (رويترز)

تقول مجلة فورين أفيرز الأميركية إن اشتعال حرب في أي مكان بين عدة أمكنة بالشرق الأوسط، ولأي سبب منن بين عدة أسباب؛ أصبح أقرب للوقوع من أي وقت في تاريخ المنطقة.

وأوضحت -في مقال لرئيس مجموعة الأزمات الدولية بواشنطن روبرت مالي- أنه لا يوجد أي طرف داخل المنطقة أو خارجها يريد خوض حرب، ومع ذلك من الصعب تفادي حدوثها بالنظر إلى التطورات الإقليمية.

وتحدث مالي عن الاحتمالات الكبيرة لوقوع حادث تتولد عنه سلسلة من ردود الأفعال التي يمكن أن تتطور بسرعة إلى حرب يتورط فيها عدد من الأطراف الإقليمية والعالمية.

وقال لو قررت واشنطن القيام بعمل عسكري ضد طهران، عندما تمت مهاجمة مرافق النفط السعودية؛ لكان بالإمكان أن يؤدي ذلك إلى رد إيراني ضد حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، أو هجوم من حزب الله على إسرائيل، أو عملية مليشيا شيعية ضد أفراد أميركيين في العراق.

وبالمثل، فإن أي عملية إسرائيلية ضد حلفاء إيران في أي مكان في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل على مستوى المنطقة.

الاحتواء الضيق غير مجدٍ
وأشار إلى أنه -وبسبب أن أي تطور في أي مكان في المنطقة- يمكن أن تكون له آثار تسلسلية في كل مكان؛ فإن الاحتواء الضيق للأزمة يتحول بسرعة إلى عمل غير ذي جدوى.

ونسب الكاتب إلى السياسي الأميركي الديمقراطي تيب أونيل قوله إن كل الأعمال السياسية في الشرق الأوسط، خاصة المحلية، هي بالضرورة سياسة دولية؛ ففي اليمن تحول الصراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى صراع كبير بين السعودية وإيران، وإلى جر أميركا للانخراط عسكريا تقريبا في هذا الصراع.

‪‬ آثار غارة سعودية على سجن للحوثيين بمدينة ذمار اليمنية في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي(الأناضول)
‪‬ آثار غارة سعودية على سجن للحوثيين بمدينة ذمار اليمنية في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي(الأناضول)

كما تحوّل قمع النظام السوري لمعارضته المحلية إلى مواجهة إقليمية ودولية شارك فيها أكثر من عشر دول، وكذلك فعل الصراع المحلي في ليبيا.

وقال إن ما يفسر هذه المخاطر أن الشرق الأوسط أصبح أكثر مناطق العالم استقطابا، وفي الوقت نفسه أكثرها تكاملا، وهذا الخليط المتناقض مع وجود دول ذات بنيات هشة ولاعبين غير حكوميين أقوياء (المليشيات والمنظمات المسلحة) وتحولات متعددة جميعها في وقت واحد تقريبا؛ قد جعل الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم قابلية للانفجار.

صراعات متراكمة لم تجد حلا
واستمر مالي في وصفه للمنطقة، ليقول إن قصة الشرق الأوسط الحديث هي قصة تراكم الصراعات؛ كل صراع جديد يجلس فوق سابقه، وكل الصراعات السابقة لم تجد حلا ناجعا وكاملا.

وأشار إلى ثلاثة صراعات رئيسية تتفاعل في الوقت الحالي: صراع بين إسرائيل وأعدائها، والثاني بين إيران والسعودية، والثالث بين الكتل السنية المتنافسة في المنطقة، وجميعها تتقاطع بشكل يحمل في جوفه مخاطر جمة.

وأضاف أن الاستقطابات في المنطقة تترافق مع الافتقار للاتصال الفعّال، الأمر الذي يضاعف المخاطر. وأوضح أنه لا توجد قناة اتصال ذات معنى بين إيران وإسرائيل، وبين إيران والسعودية، وأن هناك وجودا لمبارزات خطابية بين محور تركيا والمحور الآخر بقيادة السعودية ومصر.

ومع ذلك، يقول الكاتب إن ما يزيد المخاطر أن هذه الصراعات تتقاطع بشكل معقد؛ إذ إن هذه القوى المتصارعة تتحالف حينا وتتنافس أحيانا أخرى، وضرب مثلا على ذلك بالموقف من سوريا، مضيفا أن هندسة الانقسامات في المنطقة ربما تتذبذب، ومع ذلك من الصعب العثور على منطقة أخرى في العالم يحدد تطوراتها عدد من الاختلافات المعروفة والشاملة، كما أنه من الصعب التفكير في أن التكامل الذي تتمتع به المنطقة هو في الوقت نفسه السبب الثاني في وضعها غير المستقر.

ما هذا التكامل؟
ويعود مالي ليقول إن القول بتكامل المنطقة يثير استغراب كثيرين؛ فمن الناحية الاقتصادية يُصنف الشرق الأوسط كأقل مناطق العالم تكاملا، ومن الناحية المؤسسية تُعد جامعة الدول العربية من أقل المؤسسات الدولية تماسكا وانسجاما، بالإضافة إلى غياب أي كيان يضم الدول العربية والقوى الثلاث غير العربية الأكثر فاعلية (إيران، وتركيا، وإسرائيل).

انفجار على الجانب السوري من الجولان في يوليو/تموز 2018 (غيتي)
انفجار على الجانب السوري من الجولان في يوليو/تموز 2018 (غيتي)

ورغم ذلك -يقول الكاتب- إن الشرق الأوسط يعمل كفضاء موحّد بكثير من الطرق؛ فالأيديولوجيات والحركات والثورات تعبر الحدود القُطرية بكل سهولة، وفصّل في ذلك كثيرا، ليقول إن هذا من أسباب أن أي صراع محلي في بلد ما يأخذ أهمية إقليمية ليجتذب الأسلحة والمال والدعم السياسي من الخارج.

ومع الاستقطاب والتكامل بالمنطقة، يضاف إليهما ضعف وظائف هياكل الدولة كعامل آخر في هشاشة الشرق الأوسط. وفي هذا يقول مالي إن بعض دول المنطقة أقرب إلى اللادول؛ ليبيا وسوريا واليمن، وفي بعضها الآخر تتصرف الكيانات غير الحكومية (المليشيات والتجمعات المسلحة) كدول؛ مثلما في العراق واليمن وفلسطين، وحتى في الدول الأكثر تماسكا وأداء ليس هناك -في غالب الأحيان- تحديد واضح لسلطة صناعة القرار.

بيئة مثالية للتدخل الخارجي
ولخص الكاتب فكرة يقول إنها من القواعد المهمة في التحليل، وهي أنه عندما تتعايش الدول الضعيفة مع لاعبين غير حكوميين أقوياء تنشأ بيئة مثالية للتدخل الخارجي، وينشأ طريق ذو اتجاهين بين الداخل والخارج.    

ويضيف أن هناك سلسلة من التحولات العالمية والإقليمية والمحلية جعلت التطورات الفاعلة بالمنطقة أكثر غموضا، وتشمل هذه التحولات العالمية حضور الصين الحالي على المسرح العالمي، وانبعاث روسيا من جديد، والانحسار النسبي للولايات المتحدة.

وهناك الهزات الارتدادية للانتفاضات العربية الأخيرة، لا سيما تفكيك النظام الإقليمي وانتشار الدول الفاشلة، وفاقم من هذه التغيّرات بروز قيادة جديدة "متشددة" على نحو غير عادي في السعودية، وقيادة جديدة غير عادية في الولايات المتحدة.

واختتم بالقول إن كل هذه التطورات تغذي الإحساس بمنطقة يكون فيها كل شيء قابل للاستيلاء عليه، والفرص التي لا يتم اغتنامها بسرعة تُفقد للأبد.

المصدر : فورين أفيرز