شباب لبنان.. كلمة السر في الانتفاضة الشعبية

Police carry a demonstrator during an operation to open a blocked highway during ongoing anti-government protests in Beirut, Lebanon, October 26, 2019. REUTERS/Mohamed Azakir
عنصران من قوات الأمن يبعدان أحد المتظاهرين الشباب الذي حاول إغلاق الطريق في بيروت (رويترز)


وسيم الزهيري-بيروت

لم تهدأ ساحات لبنان منذ أيام، الآلاف في الشوارع تجمعهم شعارات اقتصادية اجتماعية ومعيشية، تبدأ من تفاقم معدلات الفقر والبطالة والغلاء، مرورا بتراكم الضرائب وتردي الخدمات الأساسية وصولا إلى استشراء الفساد والمحسوبية على مستوى الطبقة السياسية ودوائر السلطة.

تراكمات انفجرت غضبا في الشوارع والساحات، لكن المحتجين وإضافة إلى الاستياء من الإجراءات الاقتصادية صبوا جام سخطهم على الطبقة السياسية ومعادلات الحكم القائمة بعد اتفاق الطائف الذي تم توقيعه قبل نحو ثلاثين عاما لينهي الحرب الأهلية.

وحسب مراقبين، أنشأ هذا الاتفاق القائم على التوزيع الطائفي للسلطات الدستورية في نظر الكثيرين ما هو أشبه بمحميات طائفية أضعفت الدولة بمؤسساتها المختلفة، ووضعت موانع سياسية ومذهبية لتطبيق الأنظمة والقوانين.

ويرى متابعون أن هذا النظام غيب المحاسبة الحقيقية، وأدى إلى تعميم الفساد وإنتاج أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة أعاقت قيام إستراتيجية وطنية في كل المجالات.

تصدر الشباب
وقد تميز الحراك الجماهيري المدني الأخير بتصدر فئة الشباب المشهد الشعبي في ساحات الاعتصام، وبقدر ما فاجأ هذا الحراك كثيرين فإنه طرح تساؤلات بشأن منطلقات هؤلاء الشباب وشعاراتهم وأهدافهم المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية، ورفضهم المعادلة السياسية القائمة بعد اتفاق الطائف.

‪متظاهرون في طرابلس شمالي لبنان‬ (رويترز)
‪متظاهرون في طرابلس شمالي لبنان‬ (رويترز)

ويرى الناشط في المجتمع المدني مارك ضو أن هناك ثورة شعبية انتظم فيها كثير من الشباب وتوحدوا على مطلب قيام دولة خالية من الفساد وذات دستور عصري، لافتا إلى فقدان الثقة بالمنظومة الحاكمة الموجودة منذ اتفاق الطائف.

وبشأن مطالب هؤلاء الشباب، قال ضو للجزيرة نت إن المطلوب أولا استقالة الحكومة فورا لإنهاء ما وصفها بـ"الحالة الشاذة" بعدما فقدت الشرعية الشعبية.

وأضاف أن الخطوة الثانية هي تشكيل حكومة على أن يتبع ذلك إطلاق نقاش جدي بشأن كيفية إعادة تكوين السلطة السياسية.

إمعان التضييق
من جهتها، تقول الناشطة السياسية ندى ناصيف إن الإمعان في التضييق على الطبقة الفقيرة ومحاولات إلغاء الطبقة المتوسطة دفعا إلى انتفاضة الناس من أجل الحفاظ على حقوقهم.

وقالت ناصيف للجزيرة نت إن الحكومة ماضية في ما سمتها سياسة إفقار المواطنين بدل الاتجاه إلى فرض ضرائب على الأغنياء والمصارف وإقرار الضريبة التصاعدية، ورأت أن النظام الطائفي القائم هو الذي أدى إلى هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم.

‪من مظاهرة في بيروت‬ (الأناضول)
‪من مظاهرة في بيروت‬ (الأناضول)

وحسب الناشط في الحراك علاء الصايغ، فإن المتظاهرين من كل الأعمار تداعوا إلى الساحات بعد أن ضاقوا ذرعا بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة السياسات الرسمية المعتمدة منذ سنوات، حسب قوله.

وأوضح الصايغ للجزيرة نت أن هذه التحركات جاءت بعد استفزاز الناس بعدد من الضرائب، مشيرا إلى أن التحرك الأخير بدأ بعريضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أدت إلى تفاعل آلاف الناس معها، ثم تبعها انفجار الشارع في وجه السلطة.

مواجهة الواقع
وتقول المستشارة في علم النفس الاجتماعي ميسون حمزة إن الشباب كانوا الفئة الأكثر حيوية وهدفهم إحداث تغيير حقيقي، معتبرة أن الشباب منعوا من لعب دورهم الحقيقي في السنوات الأخيرة.

ولفتت إلى أن الأحزاب والجماعات الفئوية حدت من طاقات الشباب، وعملت على تقزيم دورهم واستغلاله لمصلحتها، واعتبرت أن الضغوط المعيشية التي تطال القسم الأكبر من الشباب ولدت قدرة لديهم على التمرد والتفكير في التغيير.

‪مظاهرة شبابية في بيروت‬  (رويترز)
‪مظاهرة شبابية في بيروت‬  (رويترز)

وقالت حمزة للجزيرة نت إن رفض الشباب لإلغائهم وصدمات الواقع المرير أوجدا عندهم ما سمته نضجا مباشرا في مواجهة الأزمة والخروج للصراخ في وجه الزعماء.

ويرى متابعون أن الاحتجاجات الشعبية التي شهدها لبنان مؤخرا وجهت إنذارات للطبقة السياسية بمختلف انتماءاتها بشأن معاناة فئات كبيرة من الشعب على مختلف الأصعدة، وتبقى الأنظار موجهة إلى النتائج العملية التي يمكن أن يحققها هذا الحراك بشأن استجابة أحزاب السلطة للمطالب الشعبية.

المصدر : الجزيرة