الإعلام اليميني البريطاني متهم بترويج "أكاذيب البريكست"

يُتَّهم الإعلام اليميني في بريطانيا بتضليل متابعيه وبتر الحقائق من سياقها (صورة خاصة للجزيرة نت (
الإعلام اليميني متهم بتضليل متابعيه وبتر الحقائق (الجزيرة)


عثمان بوشيخي-لندن

تواجه وسائل إعلام بريطانية خصوصا المعروفة بتوجهاتها اليمينية تهم "التضليل والترويج لأكاذيب" سواء قبل استفتاء البريكست أو بعده، يعززها نتائج تحقيق استقصائي أشرف عليه معهد السياسات في جامعة كنغز كولج بلندن بالتعاون مع اللجنة الاستشارية للهجرة.
 
واستطلع التحقيق آراء نحو 2200 شخص وعرَض عليهم الاختيار بين ثلاث فرضيات أولها، وهي الصحيحة، أن المهاجرين قد دفعوا في سنتين من الضرائب ما يفوق ما تلقوه من خدمات اجتماعية بأكثر من 4.7 مليارات جنيه إسترليني، أم أنهم كلفوا الدولة 4.7 مليارات مقارنة بما دفعوه من ضرائب، أم أن الكفة متعادلة بين الضرائب والخدمات.

ولم يتوصل للإجابة الصحيحة إلا 29% فقط، وحتى الأغلبية ممن يناصرون بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي لم يوفقوا في إجاباتهم، في حين قال 47% ممن شملهم الاستطلاع إن المهاجرين يمنحون البلاد أكثر مما يأخذونه منها.

وأكد التحقيق أن 56% من البريطانيين يظنون أن المهاجرين الأوروبيين أسهموا في الرفع من معدل الجرائم بالبلاد، لكن اللجنة الاستشارية للهجرة تقول إنه لا يوجد دليل ملموس على ذلك.

وطبقا للاستطلاع فإن 39% يعتقدون أن الهجرة أدت إلى انهيار جودة الخدمات الصحية وارتفاع معدلات البطالة، ويؤكد ثلثا البريطانيين أن لندن تدفع كل أسبوع 350 مليون جنيه للاتحاد الأوروبي، وهو أمر مناف للواقع.
 
ويرى كثير من المراقبين أن الصحف الداعمة للخروج من الاتحاد الأوروبي أسهمت في ترويج مثل هذه القناعات، وقال محمد حيدر الباحث بالشؤون الاقتصادية أن "الإعلام البريطاني لو ركز قبيل الاستفتاء على المخاوف من استقلال أسكتلندا وويلز بسبب البريكست لدفع الرأي العام للتصويت بشكل مختلف". 

‪شهِد الاقتصاد نكسات قاتلة بسبب البريكست‬ (الجزيرة)
‪شهِد الاقتصاد نكسات قاتلة بسبب البريكست‬ (الجزيرة)

المسؤولية
وأشار حيدر إلى أن الحكومة "وزعت ما يكفي من المنشورات التي تحذر من تبعات الطلاق، وأبرزت نقاطا من بينها المشاكل الاقتصادية التي ستترتب على هروب كبريات الشركات والمؤسسات الأوروبية من البلاد، وهجرة الكفاءات الأوروبية من قطاعات حساسة كالطب والتكنولوجيا وغيرهما".

وتابع "الإعلام لعب دورا في تشويه العلاقة بين المملكة المتحدة والكتلة الأوروبية، لأنه اعتبر الأمر قضية وطنية لها علاقة بالكرامة، رغم أن الحكومات السابقة، ولا سيما في عهد توني بلير، أجرت أبحاثا تخص الهجرة، وخلصت إلى أن دور المهاجرين إيجابي وليس سلبيا، رغم أنهم ينافسون القوى المحلية العاملة". 
 
ومن النماذج التي يستشهد بها أصحاب الرأي السابق للدلالة على تورط الإعلام في اختلاق أخبار زائفة ما سبق ونشرته "صن" على صدر صفحتها الأولى بأن الملكة إليزابيث الثانية تدعم البريكست. وعندما اشتكى قصر باكنغهام نشرت الصحيفة تصحيحا مقتضبا أسفل الصفحة الأولى، ثم نشرت التتمة في الصفحة الثانية بشكل جعله يبدو دون حجم الخبر الأصلي الخاطئ.

ومن بين ما نشرته "ديلي إكسبرس" بهذا الصدد خبر يفيد بأن نتيجة الاستفتاء "أسهمت إيجابيا في انتعاش أسواق بيع المنازل وشرائها" وخبر آخر يقول "إن 98% من البريطانيين يعارضون أي اتفاق مع بروكسل ويتمنون طلاقا بائنا دون أي محادثات".

كما ذكرت "ديلي ميل" تفاصيل عثور الشرطة على أسرة تعيش في قبو إحدى الشاحنات، مؤكدة أن الأسرة من بلدان الاتحاد الأوروبي، ليتبين فيما بعد أن الأمر يتعلق بأفراد من الشرق الأوسط.

صن اليمينية أثارت الجدل بنشرها خبرا يفيد بمساندة الملكة إليزابيث للبريكست (من أرشيف موقع صن)
صن اليمينية أثارت الجدل بنشرها خبرا يفيد بمساندة الملكة إليزابيث للبريكست (من أرشيف موقع صن)

وفي عنوان آخر نشرت الصحيفة ذاتها أن قوانين الاتحاد الأوروبي المتعلقة بحقوق الإنسان تحظر ترحيل أحد أقارب الجهادي أبو حمزة المصري من بريطانيا، لكن الأمر كان يتعلق فقط برأي أحد محامي المحكمة الأوروبية الذي قال إنه يمكن في ظروف خاصة تنفيذ أمر الترحيل.

وتبارت صحيفة "إكسبرس" في نشر مثل هذا النوع من الأخبار، كخبر يزعم أن "الاتحاد الاوروبي يسعى للسيطرة على سواحلنا" في إشارة إلى مخطط أوروبي يتعلق بنشر خفر السواحل، ولكنه في الواقع كان مخططا يتعلق بمنطقة شينغن فقط، والتي لا تشمل الجزيرة البريطانية نهائيا.

وفي هذا السياق، يقول مصطفى بازركان المستشار في شؤون المال والطاقة "مشكلة الأخبار الكاذبة ظهرت قبل عام 2016 وكانت أكبر من دور الإعلام، إذ وقع الساسة في فخ لم يُدركوا فيه مخاطر الاستفتاء وعواقبه قبل الدعوة إليه، ولم تكن هناك دراساتٌ جدية لرصد مخاطر الطلاق فضلا عن تغييب متعمد للحقائق وترويج الأكاذيب، قبل أن تخرج للعلن تلك التفاصيل الصادمة لسيناريو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي".

ويرى بازركان أن المسؤولية "تتحملها أيضا مراكز البحوث والمؤسسات الحكومية التي جعلت المواطن البريطاني ضحية أكاذيب بعض من وسائل إعلامه، ولا سيما أنها لم تكن منسجمة في رؤيتها للعلاقة بين لندن وبروكسل". 

المصدر : الجزيرة