أحدثها بيروت.. خمس محطات مرت بها الموجة الثانية للربيع العربي

blogs لبنان
لبنان آخر المحطات التي وصلتها الموجة الثانية من الربيع العربي (الأوروبية)

منذ نهاية عام 2018 شهدت دول عربية عدة موجة من الاحتجاجات التي أعادت "الروح" إلى ثورات الربيع العربي، بعد حالة من التراجع في الإقبال الجماهيري على الاحتجاج ضد الأنظمة الحاكمة، وخشية معظم الشعوب من تكرار ما آلت إليه ثورات مماثلة في سوريا وليبيا واليمن من صراعات وحروب داخلية.

واتسمت موجة الاحتجاجات الجديدة بالتظاهر السلمي وإصرار المحتجين على تفويت الفرصة على الحكومات في استخدامها القوة ضدهم وجرهم إلى صراع مسلح ستكون الغلبة فيه للأجهزة الأمنية، وبالتالي إجهاض أهداف المحتجين.

في الجزائر والسودان والعراق والأردن ولبنان ومصر ودول أخرى خرج المحتجون إلى الشوارع احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والفساد الذي تعاني منه مؤسسات تلك الدول وأسباب أخرى، بعضها على صلة بتغيير النظام أو إجراء إصلاحات سياسية جذرية.

الربيع الأول
مع تفاقم أزمة الثقة بين الشعوب والأنظمة الحاكمة، وتفشي الفساد المالي والسياسي وعجز الحكومات عن الاستجابة لمتطلبات الحياة الأساسية وتوفير فرص العمل والعيش الكريم تبنت شعوب دول عدة بداية من تونس منذ عام 2011 اللجوء إلى خيار الاحتجاج السلمي لتغيير الأوضاع بشكل عام، والإطاحة بأنظمة "استبدادية" عدة.

نجح التونسيون في التغيير السلمي للنظام الحاكم في عام 2011، وكذلك في مصر التي شهدت تغييرين اثنين في السلطة انتهيا بعودة البلاد إلى نظام حكم "عسكري"، في حين تحولت سوريا وليبيا واليمن إلى دول تعيش صراعات داخلية وحروبا أهلية مستمرة منذ عام 2011، ولعب عامل التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية دورا أساسيا في ما آلت إليه أوضاع الدول الثلاث.

وكان التطور الأبرز في ما تعرف باسم "ثورات الربيع العربي" حين أطاح المصريون في 2011 بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بعد أسابيع من الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في أول ثورة ناجحة.

وبعد أقل من عامين ونصف على الإطاحة بحسني مبارك وأقل من عام على انتخاب الرئيس الراحل محمد مرسي في أول انتخابات "حقيقية"، انقلب قادة الجيش على مرسي في سياق ما باتت تعرف باسم "الثورات المضادة" التي لعبت الإمارات والسعودية دورا أساسيا فاعلا في دعمها لإجهاض ثورات الربيع العربي، خصوصا في مصر وليبيا وفي اليمن أيضا.

في انتخابات "شكلية" تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر منذ عام 2013، وعزز سلطاته بدعم من القوات المسلحة دون تنفيذ أي إصلاحات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، مما دفع الشعب المصري للخروج مرات عدة في احتجاجات جوبهت بحملات قمع وإغلاق الطرق المؤدية إلى الساحات العامة واعتقال مئات المحتجين.

الربيع الثاني يسقط رئيسين
أثبت العام 2019 أن دوافع احتجاجات عام 2011 لا تزال موجودة بقوة في دول عدة، وأن فترة الهدوء بين عامي 2011 و2019 التي تمددت فيها الثورة المضادة وقويت شوكتها لم تقضِ على بذرة الثورة التي زرعتها الشعوب مطلع العقد الحالي، وربما كانت مجرد محطة لإعادة الحسابات والتهيئة للموجة الجديدة.

أسقط السودانيون الرئيس عمر البشير بعد نحو ثلاثة عقود من الحكم، وبعد احتجاجات استمرت منذ ديسمبر/كانون الأول حتى أبريل/نيسان الماضي أصر خلالها السودانيون على رحيل البشير ونظامه العسكري.

وعلى الرغم من واقع المجتمع السوداني الذي يتميز بالانقسامات العرقية والدينية والقبلية، وتاريخ طويل من الصراعات والحروب الداخلية فإن قادة الحراك الثوري نجحوا في تجنب جر البلاد إلى الفوضى بالدخول في صراع مسلح مع القوات الحكومية والأجهزة الأمنية كما جرى في اليمن وليبيا وسوريا بعد حملات قمع "دموية" تعرض لها المحتجون.

وإذا كان الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة قد نجح لسنوات طويلة في التغلب على الحراك الشعبي بعد ثورات الربيع العربي فإنه واجه احتجاجات واسعة لأشهر عدة أجبرته على التخلي عن السلطة بعد تزايد الضغوط الشعبية ودخول قادة في الجيش على خط الأزمة، وراوحت البلاد بعد ذلك بين أمل "رسمي" في إجراء انتخابات رسمية تضع حدا للأزمة، واحتجاجات شعبية تطالب بإسقاط جميع رموز السلطة في عهد بوتفليقة والعهود السابقة ومحاكمة كبار الفاسدين.

ضد الفساد والمحاصصات
وفي العراق ونتيجة لعقود من الحروب الخارجية والصراعات الداخلية وتفشي ظاهرة الفساد بعد غزو عام 2003 تراجع المستوى المعيشي إلى مستويات متدنية لا تتناسب مع حجم الموارد التي يمتلكها البلد.

وبعد الانتهاء من حرب السنوات الثلاث على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نهاية عام 2017، ظل العراقيون يأملون في تحسن أوضاعهم المعيشية والحد من البطالة ومكافحة الفساد، إلا أن الحكومة العراقية فشلت في الاستجابة لتطلعات العراقيين الذين يرون أنها مشروعة.

ومنذ احتجاجات الأول من أكتوبر/تشرين الأول -وهي الاحتجاجات الأوسع نطاقا والأكثر تحديا للحكومة المركزية- بدا أن المحتجين تجاوزوا كثيرا التبعية والانقياد للكتل السياسية التي كانت تتبنى تنظيم الاحتجاجات والتحدث باسم المحتجين مثل التيار الصدري، كما في احتجاجات سابقة بين عامي 2015 و2019 التي "تتهم" بالتواطؤ مع الحكومة للالتفاف على مطالب المحتجين عبر وعود "لم تنجز".

ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول اندلعت احتجاجات واسعة في العاصمة اللبنانية بيروت ومعظم المدن الكبرى احتجاجا على قرار فرض رسوم على الاتصالات، لكنها تطورت حتى بعد إلغاء القرار، لتتخذ مسارا ركز على الفساد وسوء الأداء الحكومي وتردي البنية التحتية، مع مطالبة بإسقاط المنظومة كلها ومواصلة الاحتجاجات حتى الاستجابة لهذه المطالب على الرغم من تقدم رئيس الحكومة سعد الحريري بورقة إصلاح مالية لم تلقَ أي صدى في الشارع اللبناني، تماما كما حصل مع التعهدات التي أعلنها الرئيس ميشال عون.

وقد نجحت الاحتجاجات اللبنانية في القفز على الانقسامات الاجتماعية والطائفية والمحاصصة السياسية التي تشكل الأساس الذي يحدد شكل نظام الحكم.

ويرى مراقبون أن هناك أوجه شبه بين حالتي العراق ولبنان، إذ إن مؤسسات الدولة في البلدين تفتقر إلى الاستقلالية الكاملة بسبب النفوذ الواسع لقوى مسلحة شبه عسكرية تمثل حالة قريبة من الدولة داخل الدولة، حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.

كما أن العراق ولبنان يعانيان من تداعيات الصراع الطائفي والحروب الداخلية والانقسامات الطائفية الحادة في المجتمع، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة وتراجع المستوى المعيشي وسوء الخدمات الأساسية، مع نسب فساد عالية في مؤسسات الدولة من قبل القيادات السياسية الرئيسية المهيمنة على السلطة.

ورغم أن الموجة الثانية للربيع العربي برزت بشكل واضح وقوي في الدول الأربع الماضية فإنها عاوت المرور -ولكن بشكل أسرع هذه المرة- في مصر نتيجة للقمع الشديد والتعاطي الأمني والدموي مع الذين ينزلون إلى الشارع.

تشابه الموجتين
وتتشابه الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في موجة الربيع العربي الأولى مع الموجة الجديدة من حيث استمرار حالة الإحباط لدى قطاعات واسعة من الشباب، بسبب البطالة وتردي الأوضاع المعيشية وزيادة نسبة الفساد في مؤسسات الدولة وفي الحكومات، وأسباب أخرى، منها ما يتعلق بحرية التعبير والضغوط "القاسية" التي تمارسها الأجهزة "الأمنية" التابعة لتلك الأنظمة.

ويتكرر المشهد العام في شوارع بيروت وبغداد والجزائر والقاهرة، حيث ترتسم ملامح موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المعبرة عن الرفض الشعبي لسياسات الأنظمة الحاكمة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو ما يتعلق بجوانب الإصلاح السياسي وحرية التعبير وحقوق الإنسان.

وتبدو الموجة الراهنة من الاحتجاجات أكثر تركيزا على تقويض الأسس التي يقوم عليها النظام السياسي والمؤسسات الغارقة في الفساد والمحسوبية واستنزاف موارد هذه الدول لصالح الطبقات السياسية الحاكمة والمتنفذة.

المصدر : الجزيرة + وكالة الأناضول