التماس قانوني يدعو المحكمة الجنائية للتحقيق مع بن سلمان بشأن مقتل خاشقجي

الأمم المتحدة: مقتل خاشقجي جريمة دولية خارج نطاق القضاء
بن سلمان أقر بأن جريمة قتل خاشقجي كانت فظيعة وأنكر مسؤوليته عنها (الجزيرة)
قدم مكتب محاماة في واشنطن التماسا إلى المحكمة الجنائية الدولية (آي سي سي)، للتحقيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، بما في ذلك اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وسلم الالتماس إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يوليو/تموز الماضي ولم يعلن عنه إلا اليوم الأربعاء الذي يصادف الذكرى الأولى لمقتل خاشقجي.

وكان خاشقجي (59 عاما) قد قتل قبل عام على أيدي فريق من العملاء السعوديين في قنصلية بلدهم بإسطنبول، ولم يعثر حتى الآن على جثته التي قطعت أوصالها.

ونفت المملكة العربية السعودية باستمرار أن يكون بن سلمان هو من أمر بالقتل، لكن المحققة الخاصة للأمم المتحدة أنييس كالامار قالت إن هناك "أدلة موثوقة" تشير إلى مسؤولية ولي العهد وتستدعي مزيدا من التحقيق، هذا في الوقت الذي خلصت فيه وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى أن الأمير هو ربما من أمر بالقتل.

وقد طلب مكتب المحاماة "فين آند ديلفل" -ومقره الولايات المتحدة- من المدعي العام أن يقدم التماسا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإحالة جرائم ولي العهد المزعومة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويبين الالتماس أن "بن سلمان باعتباره الآمر الناهي صاحب السلطة العليا مدان بالقتل والتعذيب والاغتصاب والابتزاز والاحتجاز غير القانوني والمحاكمة غير المشروعة وعقوبة الإعدام، أي الجرائم ضد الإنسانية التي حددتها المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الدولية".

ويضيف أنه "تم اختيار الضحايا حسب معارضتهم طغيان ولي العهد القاسي".

وقد قدم الالتماس نيابة عن منظمة حقوق إنسان مجهولة الهوية، تم حجب هويتها عند إيداع الالتماس.

وليس من الواضح ما إذا كانت المحكمة -التي تتخذ من لاهاي مقرا لها- سترد على هذا الالتماس، حيث إنها تتمتع بالاختصاص القضائي حصريا في الجرائم المرتكبة على أراضي دولها الأعضاء، والمملكة العربية السعودية وتركيا ليستا عضوتين في هذه المحكمة.

وكان خاشقجي صحفيا معروفا بمهنيته ويحظى بالاحترام، وكان وقت مقتله مقيما في الولايات المتحدة وكاتب عمود بصحيفة واشنطن بوست، وقد خصص عددا من مقالاته التي نشرتها الصحيفة لانتقاد سياسات بن سلمان المحلية والدولية، بما في ذلك حرب التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

وفي الأسابيع التي تلت اغتياله، أنكرت الحكومة السعودية أنه قتل في قنصليتها، وأصرت على أنه غادرها بعد وقت قصير من وصوله، ولكن بعد تبادل المسؤولين الأتراك المعلومات بشأن جريمة القتل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية غيرت الرياض روايتها وأقرت بأنه قتل على يد فريق من العملاء السعوديين "المارقين".

وتحت ضغوط دولية، فتح المدعي العام السعودي تحقيقا في جريمة القتل وتم تقديم 11 من المشتبه بهم للمحاكمة في المملكة، وطالب المدعي العام بإيقاع عقوبة الإعدام بحق خمسة من المتهمين.

جريمة دولية
وقد اعتبرت خبيرة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أنييس كالامار -التي قادت تحقيقا مستقلا في جريمة قتل خاشقجي- في تصريح لها في يونيو/حزيران الماضي أن "مقتل السيد خاشقجي يشكل جريمة دولية تقع ضمن حدود الولاية القضائية العالمية".

وخلص التحقيق إلى أن الأحداث التي أدت إلى مقتل خاشقجي شكلت عمليات خطف وتعذيب وإخفاء قسري، وكلها انتهاكات للقانون الدولي.

ولذلك، فإن كالامار أكدت وجود "أدلة جديرة بالثقة تستدعي المزيد من التحقيق في المسؤولية الفردية للمسؤولين السعوديين، بمن فيهم ولي العهد".

وفي مقابلة مع شبكة "سي بي أس" في البرنامج الحواري "60 دقيقة" الذي بث يوم الأحد الماضي، أنكر بن سلمان أنه أمر شخصيا بقتل خاشقجي، لكنه اعترف بالمسؤولية الكاملة عن ذلك بوصفه زعيما في البلاد، وقال "كانت جريمة بشعة لكنني أتحمل المسؤولية كاملة كقائد في السعودية".

وقال المحامي بروس فين -الذي قدم مكتبه الالتماس إلى المحكمة الجنائية الدولية- للجزيرة إنه "بموجب معايير القانون الجنائي الدولي وكما هو منصوص عليه في نظام روما الأساسي، فإن بن سلمان مسؤول عن الجريمة نظرا للسلطات الهائلة التي يتمتع بها داخل السعودية".

وأضاف أن بن سلمان بوصفه شخصا مطلعا عل كل أمر ذي بال في السعودية، لا بد أنه يعلم من خطط لهذا القتل حتى إن لم يكن هو من أشرف على البلطجية الذين نفذوا العملية، مبينا أن بن سلمان حتى إن لم يكن هو من أمر بالقتل فإن القانون يضعه تحت طائلة المسؤولية عن ذلك.

وحسب فين، فإن بن سلمان مسؤول عن "الفشل في اتخاذ تدابير جريئة لمعاقبة ومحاسبة من تورطوا في هذه الجريمة".

أما الخبير في الشؤون السعودية علي الأحمد فإنه يرى أن وجود قضية قضائية محتملة في المحكمة قد يضر بمصداقية بن سلمان الدولية والمحلية.

ويضيف الأحمد في حديث للجزيرة "بمجرد أن يشعر بن سلمان بأن المجتمع الدولي يتجاهله فإن ذلك سيضعفه داخل السعودية، خاصة بين المتنافسين على العرش من العائلة المالكة أو بين قادة عسكريين أقوياء".

وفي الوقت الذي يقر فيه الالتماس المقدم بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص إقليمي على السعودية بوصفها لم توقع على نظام روما الأساسي، فإنه يوصي بالانطلاق من قاعدتين يمكن أن تجعلا المحكمة مخولة للنظر في هذه القضية.

أولا: هناك سابقة إحالة مجلس الأمن الدولي في عام 2005 قضية تتعلق بدارفور في السودان، وإحالته قضية تتعلق بليبيا في عام 2011 إلى المحكمة رغم أن أيا من الدولتين ليستا موقعتين على نظام روما الأساسي.

ثانيا: يتحدث الالتماس كذلك عن حالة فيصل الجربا، وهو مواطن سعودي تم احتجازه من قبل ضباط المخابرات الأردنيين في الأردن ثم تسليمه قسرا إلى عملاء سعوديين في عام 2018.

ونظرا لأن الأردن عضو في المحكمة الجنائية الدولية يمكن للمحكمة ممارسة الاختصاص على الجرائم التي تقع على أراضيه، ويعتبر الالتماس أن اختطاف الجربا يرقى لجريمة ضد الإنسانية.

وقد رفضت متحدثة باسم الحكومة الأردنية الرد على طلب للتعليق على هذه القضية.

التحقيق غير مرجح
ولا يرجح أستاذ القانون الدولي في جامعة أمستردام كيفن جون هيلر أن يؤدي هذا الالتماس إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية مع بن سلمان ولا أي شخص آخر في الحكومة السعودية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ربما تستخدم حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لمنع أي إحالة حليف رئيسي في الشرق الأوسط إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويضيف جون هيلر أنه "لا يوجد سبب قانوني لعدم تمكن مجلس الأمن من إحالة جريمة مقتل خاشقجي إلى المحكمة رغم أنه قد أحيلت قضايا بالكامل إلى هذه المحكمة (ليبيا ودارفور)، وليس جرائم فردية".

ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أن أي محاولة لإحالة جريمة قتل خاشقجي إلى المحكمة ستصطدم باستخدام واشنطن حق النقض (فيتو) لإجهاضها.

ولكن هيلر يتوقع أن يؤدي تقديم الالتماس إلى تجديد التركيز الدولي على المزاعم المحيطة بمحمد بن سلمان.

ويضيف أن "مثل هذا الاهتمام قد يردعه بالفعل عن ارتكاب جرائم أخرى، مما يعتبر في حد ذاته نتيجة إيجابية حتى لو لم يحاكم قط على مقتل خاشقجي نفسه".

ورغم أن المحامي فين يدرك أن القضية واجهت العديد من العقبات السياسية والقانونية فإنه يرى أن تلك الظروف يمكن أن تتغير في المستقبل.

ويقول "حتى لو بدت القضية بعيدة في الوقت الحاضر فإن بن سلمان قد لا يكون في السلطة في غضون عام أو عامين من الآن".

ويضيف أن "هذا الالتماس وما خلصت إليه كالامار قد تحدث بعدهما أمور لم تكن في الحسبان قد تجعل الأشياء التي تبدو معطلة في الوقت الحاضر ممكنة بشكل مدوٍ في المستقل".

المصدر : الجزيرة