الفراغ والنفوذ والتوطين.. فريق تتبخر أحلامه وأربعة أطراف تكسب من العملية التركية بسوريا

ويقبع في سجون بالمنطقة أكثر من عشرة آلاف سجين من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، بعضهم من الأجانب الذين ترفض حكومات غربية إعادتهم إليها، كما يقيم عشرات الآلاف من أفراد أسرهم في مخيمات بالمنطقة.

وفي ما يلي عرض حول تغيرات موازين القوى في سوريا بعد الانسحاب الأميركي وبدء العملية التركية.

الهدف التركي
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يريد توطين ما يصل إلى مليونين من اللاجئين السوريين، كثيرون منهم من العرب السنة، في المناطق المستهدفة في العملية العسكرية، التي تسيطر عليها في الوقت الحالي قوات يقودها الأكراد.

وفي الأسبوع الأول، ركزت القوات التركية والمعارضة السورية -المدعومة من
أنقرة- على إخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من مدينتين حدوديتين كبيرتين، هما تل أبيض ورأس العين اللتان يفصل بينهما نحو 120 كيلومترا.

ورغم موجة من الانتقادات الدولية، قال أردوغان إنه لا شيء سيوقف العمليات ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين" بسبب صلاتهم بحزب العمال الكردستاني، الذي ينظم تمردا في جنوب شرق تركيا منذ عقود.

وقال أردوغان إن تركيا ستسيطر على شريط حدودي يمتد مئات الكيلومترات من عين العرب (كوباني) في الغرب إلى الحسكة في الشرق، وبعمق بين 30 و35 كيلومترا في الأراضي السورية.

وأفاد مسؤول تركي بأن العملية تسير "بسرعة كبيرة وتحرز نجاحا". وأضاف أن المرحلة الأولى ستكتمل بحلول 13 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وهو موعد لقاء مرتقب بين أردوغان وترامب في واشنطن.

مكاسب للأسد
يعد الانسحاب الكامل للقوات الأميركية منعطفا رئيسيا في الصراع السوري؛ إذ إنه أعاد لحكومة الأسد موطئ قدم في أكبر قطاع من البلاد لم يكن تحت سيطرتها.

وتوجد في المنطقة موارد نفطية وزراعية ومياه، وكذلك سد الطبقة المستخدم في توليد الكهرباء؛ وكلها موارد حيوية من شأنها تحسين قدرة الحكومة على مواجهة تداعيات العقوبات الغربية.

وقالت وسائل إعلام رسمية في سوريا إن قوات الأسد وصلت إلى الطريق السريع "أم4" الذي يمتد من الشرق إلى الغرب على مسافة ثلاثين كيلومترا تقريبا من الحدود مع تركيا، أي على حدود "المنطقة الآمنة" التي تعتزم أنقرة إقامتها.

ويوم الثلاثاء دخلت القوات السورية مدينة منبج في منطقة كانت تركيا والولايات المتحدة تنظمان فيها دوريات مشتركة.

غير أن جيش الأسد أنهكه الاستنزاف الذي تسبب فيه الصراع الطويل، والآن أصبح يعتمد بشدة على روسيا وإيران وفصائل شيعية، من بينها حزب الله اللبناني.
 
انهيار الحلم الكردي
استغلت الجماعات الكردية في سوريا انسحاب القوات الحكومية من الشمال الشرقي في بداية الصراع السوري في إنشاء مؤسسات للحكم الذاتي وتدريس اللغة الكردية في المدارس المحلية.

وعندما انكشف الأكراد أمام الهجوم التركي جراء الانسحاب الأميركي؛ دعوا الجيش السوري للعودة، وهو قرار سلط الضوء على مدى ضعفهم، وكان إيذانا بنهاية الكثير من أحلامهم.

وسيسعى الأكراد للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي في محادثات سياسية مع سوريا، وهو هدفهم المعلن منذ فترة طويلة، لكن لم يعد لهم حليف قوي يناصرهم.

ومع ذلك، تشترك دمشق وقوات سوريا الديمقراطية -التي يغلب عليها الأكراد- في هدف طرد تركيا من الشمال السوري، أو وقف زحفها على أقل تقدير.

وقال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس "دمشق تحتاج الأكراد؛ فالأكراد ودمشق يشتركان في أمرين: معاداة تركيا، ورغبة في عدم سيادة فصائل المعارضة السنية في شمال شرق سوريا".

وأضاف "لكنهما لا يتفقان على أي شيء عندما يتعلق الأمر بحكم شمال شرق سوريا".
 

مصير تنظيم الدولة
كانت قوات سوريا الديمقراطية القوة الرئيسية على الأرض في الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة الذي استعاد الأراضي السورية من تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك مدينة الرقة العاصمة الفعلية "لدولة الخلافة" التي أعلنها التنظيم.

وكانت واشنطن تستعد قبل انسحابها لتدريب قوة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية وتجهيزها لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وذلك لمنع عودة المتطرفين الذين نفذوا مذابح واسعة بحق الأكراد في المدن التي سيطروا عليها.

وتقول قوات سوريا الديمقراطية إن الهجوم التركي ساعد في تنشيط خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة بعد عام واحد من هزيمة التنظيم.

وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجمات، بما في ذلك تفجير سيارة ملغمة خارج مطعم في مدينة القامشلي أكبر المدن الكردية، بعد يوم واحد من بدء التوغل التركي.

ومنذ بدء القتال الأسبوع الماضي، تقول قوات سوريا الديمقراطية إن اضطرابات حدثت في السجون التي تحتجز فيها المقاتلين وفي مخيمات تحتجز فيها زوجات المقاتلين وأطفالهم.
 
المكسب الإيراني
من المنتظر أيضا أن تحقق إيران مكاسب ميدانية، ومن المرجح أن هناك فصائل شبه عسكرية عراقية تدعمها إيران ستساعد الأسد في بسط سيطرته على المنطقة؛ "مما يدعم خطوط الإمداد، على مسار يمتد من طهران إلى بيروت".
 
الدور الروسي
يعكس دور روسيا في سوريا الذي لا غنى عنه تحولا أكبر في الشرق الأوسط من دمشق إلى الرياض، كما اتضح من جولة الرئيس فلاديمير بوتين للخليج هذا الأسبوع، حيث أدى زيارة للسعودية هي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات.

وكان تدخل سلاح الجو الروسي في 2015 أسهم في تحويل مسار الصراع السوري لصالح الأسد.

وعزز قرار ترامب سحب قواته من الشمال الشرقي لسوريا دور موسكو المحوري في تشكيل مستقبل البلاد.

وقال مصدر إقليمي مؤيد لدمشق "تجري محادثات تركية روسية لتحديد الإيقاع في شمال سوريا، لا سيما شرقي نهر الفرات. هم الذين يحركون كل هذه الخطط".

وقال مسؤول تركي إن أنقرة "تعمل بتعاون وثيق للغاية مع روسيا"، كما أشار أردوغان مؤخرا إلى أهمية روسيا، عندما قال إن الرئيس بوتين أظهر "نهجا إيجابيا" إزاء الوضع.

وربما يتمكن البلدان من صياغة اتفاق يقسم الحدود الشمالية إلى مناطق سيطرة جديدة، ويمنع نشوب حرب بين حلفائهما المحليين، وهم: الحكومة السورية من جانب، والمعارضة المناوئة للأسد من جانب آخر.

وقال لانديس -من مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما- "أعتقد أنه سيحدث احتكاك حقيقي، لكنني أعتقد أن الروس سيتمكنون من السيطرة عليه، سيتم إبرام صفقة".

المصدر : رويترز