نصائح تكنولوجية وخرائط أمان.. هكذا يتحايل المصريون لتجنب اعتقالات الشوارع

تفتيش الهواتف المحمولة في الشوارع للشباب كفيل باعتقالهم
تفتيش الهواتف في شوارع القاهرة واعتقال المواطنين دفعا نشطاء لتبادل نصائح للتحايل على قوات الأمن (مواقع التواصل)

عبد الله حامد-القاهرة

لأن الحاجة أم الاختراع فقد أصبح المصريون يتداولون نصائح وإرشادات لسير آمن في الشوارع والميادين، في ظل انتشار الفزع من التوقيف وتفتيش المتعلقات والهواتف المحمولة في كمائن شرطية باتت تملأ الشوارع والميادين عقب احتجاجات شهدتها القاهرة والمحافظات أواخر الشهر الماضي.

ولم تكن نقاط التفتيش الأمنية جديدة على المصريين لكنهم لم يعتادوا أن يصل الأمر إلى هذا القدر من انتهاك الخصوصية وبالتالي افتقاد الأمن، وذلك منذ شهدت العاصمة ومدن مصرية مظاهرات نادرة في العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي طالبت برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن السلطة.

تقول هالة إنها تخشى التوقيف إذا سارت على قدميها في الشارع، فتتعرض لتفتيش هاتفها المحمول الذي يحتوي على مشاهد صورتها بحكم عملها الصحفي، وهو ما يمكن "ألا يتفهم طبيعته المخبرون المنتشرون بالشوارع".

ولذلك هبطت هالة من الموقع الإخباري الذي تعمل فيه بوسط القاهرة حيث الكمائن المنتشرة بكثافة لتستخدم أقرب سيارة أجرة، لكن حظها العاثر قادها إلى نقطة تفتيش تستوقف السيارات، فطلب الضابط من سائق التاكسي النزول لتفتيش السيارة، ثم طلب منها بطاقة إثبات هويتها وهاتفها المحمول، فأبرزت له بطاقتها الصحفية فسمح لها بالمرور دون تفتيش.


الصحافة جريمة
هالة -التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل كنوع من الاحتياط- كانت أفضل حظا من الصحفي ناصر عبد الحفيظ الذي فوجئ بحملة من الضباط والمخبرين الذين يستوقفون المارة ويفتشون متعلقاتهم وهواتفهم، فأبرز بطاقته الصحفية بثقة وهو يعتقد أنها ستكون جواز مرور له، ليفاجأ بنفسه مجرورا ومدفوعا بقوة في سيارة تابعة للشرطة، وتناول صحفيون لاحقا رواية مفادها أن الضباط ظنوا أنه في مهمة صحفية لتغطية احتجاجات وسط القاهرة، فكان ذلك سببا لاعتقاله.

ورغم أن ناصر طلب من الضباط تفتيش هاتفه المحمول وحسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ليتأكدوا أنه ليس معارضا بل من أنصار النظام فإن أحدا لم يعره انتباها.

وقضى عبد الحفيظ 15 يوما مسجونا على ذمة التحقيق قبل أن تفرج السلطات عنه مؤخرا ضمن مئات ممن اتهمتهم أو اشتبهت في مشاركتهم في المظاهرات التي دعا إليها محمد علي الذي عمل مقاولا مع الجيش لسنوات عدة، قبل أن يتحول مؤخرا إلى المعارضة ويبث فيديوهات تكشف وقائع فساد السيسي وأسرته وعدد من قادة الجيش.

 
أما عمرو -وهو اسم مستعار لمحامٍ يعمل في مؤسسة حقوقية- فهو يتعمد السير وسط الشارع تماما بين السيارات عن يمينه وشماله متجنبا الأرصفة خشية أن يبرز له فجأة من بين البنايات مخبرون يستوقفونه لتفتيشه، مضيفا للجزيرة نت أن "خطر السيارات أهون من خطر الأمن".

ورغم هذا الحذر الشديد يقول إن الشرطة استوقفته في أحد ميادين وسط القاهرة، وطلب الضابط منه هاتفه الأصلي و"ليس ذلك المخصص لتضليل الشرطة" هكذا قالها الضابط بحسب عمرو، ولم يطمئن الضابط إلا بعد أن فتشه ذاتيا، ليجد أنه لا يحمل فعلا سوى هاتفه البدائي.


خرائط الأمان
أما شيرين -وهي مهندسة- ففوجئت بسائق التاكسي الذي تستقله يتخذ طريقا مختلفا عن الذي اعتادته في كل مرة، وعندما أبدت قلقا هدأ السائق من روعها بالقول إنه يمشي وفق برنامج على هاتفه المحمول يخبره بمناطق الكمائن الشرطية ليتجبنها، إذ فهم من محادثتها في الهاتف أنها من مؤيدي ثورة يناير فخاف عليها من التوقيف وتفتيش الهاتف.

وعلمت شيرين أن الأمر معتاد بين سائقي التاكسي وحتى سيارات النقل الجماعي بالأجرة، والتطبيق الأشهر المستخدم لذلك هو خرائط جوجل.

ولا يكتفي محمد قبل خروجه من منزله -وهو طالب- بمسح كل تطبيقات التواصل والبريد من هاتفه، بل يزيد على ذلك بمقاومة كل محاولات الاستدراج للكلام السياسي التي تجري في المواصلات العامة والشوارع، بعد أن قرأ لنشطاء على فيسبوك أن مخبري الشرطة حاولوا تطوير الأداء للإيقاع بالشباب عبر الادعاء بأنهم معاقون أو عميان يطلبون مساعدة المارة -خاصة الشباب- في عبور الشارع، ثم يبدؤون في استفزازهم بانتقاد النظام، فإذا وجدوا من الشخص المعين استجابة أمسكوا به وجروه لموقع الكمين.

 
ويعد الشباب هدفا مفضلا لأفراد الشرطة، إذ تمثل هذه الفئة العمرية أغلب الشعب المصري ومصدر القلق الأخطر للسلطات.

وحذرت الحقوقية دعاء مصطفى الجميع من السير في الشوارع أو المبيت في البيوت منفردين حتى يكون هناك شاهد على واقعة الاختطاف التي يعقبها بالضرورة اختفاء قسري لأيام أو شهور، لكي يتمكن الأهل والمحامون من محاولة تعقب المحتجز.

وانتقد بيان للمجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) عمليات التوقيف العشوائية للشباب بالشوارع والميادين وما يتبع ذلك من تفتيش متعلقاتهم، خاصة هواتفهم المحمولة، مؤكدا أن هذا الأمر مخالف للقوانين وحقوق الإنسان، وسرعان ما صدر بيان مضاد من وزارة الداخلية بنفي وقوع هذه الادعاءات، ثم أردف البيان بالتأكيد على أن الوزارة تحرص على اتباع القوانين أثناء توقيف المواطنين في الشوارع والميادين.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي