تناقض ترامب تجاه تركيا يربك واشنطن ويوحد الكونغرس ضده

U.S. President Donald Trump and Turkish President Tayyip Erdogan gesture as they talk at the start of the NATO summit in Brussels, Belgium July 11, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque
ترامب وأردوغان في بروكسل العام الماضي (رويترز)

محمد المنشاوي-واشنطن

دفع التدخل التركي العسكري في شمال سوريا الكونغرس الأميركي لموقف فريد يتمثل في توجيه انتقادات قوية لأنقرة وللرئيس دونالد ترامب معا، كما أظهر الكونغرس المنقسم تجاه قضايا عدة انسجاما دفع بعض الجمهوريين لاتهام الرئيس بارتكاب خطأ كبير.

واتفق الديمقراطيون مع خصومهم الجمهوريين على أن قرار سحب القوات من سوريا فتح الباب لتعريض الحلفاء الأكراد لمواجهة غير متكافئة مع تركيا.

وتبنى ترامب عدة مواقف متناقضة وضعته في قلب الصراع التركي الكردي، كما ساهم بإرباك الدوائر الأميركية، حيث وصف المبعوث السابق للتحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية جون آلن موقف واشنطن تجاه الأحداث في سوريا "بالفوضى" خلال ظهور له مع شبكة "سي أن أن". 

‪بومبيو: لتركيا مخاوف أمنية مشروعة وهناك تهديد إرهابي لها من الجنوب‬ (رويترز)
‪بومبيو: لتركيا مخاوف أمنية مشروعة وهناك تهديد إرهابي لها من الجنوب‬ (رويترز)

تأرجح ترامب
وذكر ترامب الخميس أن أمام بلاده ثلاثة بدائل للتعامل مع الموقف، فقال "إما أن نرسل آلاف الجنود ونحقق النصر عسكريا، أو أن نضرب تركيا بقوة ماليا ونفرض عليها عقوبات، أو أن نتوسط للتوصل لصفقة بين تركيا والأكراد".

وبدوره دافع وزير الخارجية مايك بومبيو عن قرار الرئيس سحب القوات خلال مقابلة مع التلفزيون القومي، وقال "إن لتركيا مخاوف أمنية مشروعة، وهناك تهديد إرهابي لها من الجنوب".

ورفض تقارير تتحدث عن أن واشنطن أعطت "الضوء الأخضر" لتركيا بإطلاق الهجوم، مع أن الكثيرين اختلفوا معه، حيث اعتبر القائد السابق لقيادة الأركان الوسطى جوزيف فوتيل خلال ندوة الخميس بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن أن بلاده تتخلى بموقفها هذا عن حليف قوى يمكن الاعتماد عليه.

واتهم فوتيل تركيا بتهديد استقرار المنطقة، معتبرا أن شمال سوريا كان يتمتع باستقرار كبير، وأن ما يحدث الآن يغير هذه الحقيقة.

من ناحية أخرى، يواصل ترامب إطلاق تصريحات متناقضة مما يزيد من غموض الموقف. ويعتقد السفير الأميركي الأسبق والخبير بمعهد الشرق الأوسط ديفيد ماك أن الرئيس يحاول أن يثبت لمناصريه أنه أفضل من أسلافه باراك أوباما وجورج بوش الابن وبيل كلينتون من خلال إنهاء التورط العسكري بالشرق الأوسط.

ويرى ماك أن الولايات المتحدة عملت على مدار تاريخها على بناء تحالفات دولية، وأن موقفها المتردد من التعاون مع تركيا أدى إلى توترات مع الأخيرة ومع الجماعات الكردية في الوقت ذاته.

غير أنه يعتقد أنه يمكن أن تتحسن العلاقات مع تركيا مع مرور الوقت، لكنه يرجح صعوبة علاج الشرخ في العلاقات مع أكراد سوريا في المستقبل القريب.

وقال ديفيد آرون ميلر المسؤول السابق بالخارجية والخبير حاليا بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي "الأكراد ليسوا ملائكة" مضيفا أنهم كانوا يضطهدون السوريين العرب، وأن قتالهم ضد تنظيم الدولة لم يكن خدمة لواشنطن بل للحفاظ على آمالهم في تأسيس دولة كردية، كما أنهم "مرتبطون بحزب العمال الكردي الإرهابي".

وأضاف في سلسلة تغريدات أنه يمكن تفهم موقف الإعلام والكونغرس ووسائل التواصل الاجتماعي من بشاعة صور القتل ونزوح اللاجئين، لكن إدارتي ترامب وأوباما لم تخسرا سوريا كما يدعي البعض، فلم تكن هناك مصالح مهمة أصلا.

‪ماكونيل: أي صراع كبير جديد بين تركيا والأكراد سيخاطر بالإضرار بعلاقات أنقرة مع واشنطن‬ (رويترز)
‪ماكونيل: أي صراع كبير جديد بين تركيا والأكراد سيخاطر بالإضرار بعلاقات أنقرة مع واشنطن‬ (رويترز)

انسجام بالكونغرس
وبدوره، قدم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين مشروع قرار مشترك يستهدف فرض عقوبات غير مسبوقة على تركيا، بما فيها استهداف أملاك الرئيس رجب طيب أردوغان وكبار المسؤولين.

ويتضمن مشروع القرار كذلك استغلال "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" المعروف باسم "جاستا" الذي أقره الكونغرس عام 2017 لفرض عقوبات على دول مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران، وهي أول مرة يطالب فيها أحد بتطبيقه ضد حليف لواشنطن وعضو بحلف الناتو.

وتعهد السيناتوران بفرض العقوبات ما لم تشهد إدارة ترامب بأن تركيا تُطلع واشنطن على تحركاتها العسكرية.

ويعتقد السفير ماك أن الكونغرس لن يستطيع إلا تقديم مشروع قرار معاد لتركيا ويرفض تدخلها العسكري في شمال سوريا. وعلى العكس من قرارات الكونغرس تجاه السعودية بسبب حربها في اليمن، لا يحتاج الرئيس لاستخدام حق الفيتو ومواجهة الكونغرس، إذ لا يتضمن مشروع القرار حظر عمليات بيع أسلحة أو تمويل عمليات عسكرية كما كان الحال في تشريعات متعلقة بحرب اليمن.

من ناحيته، قال زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إن أي صراع كبير جديد بين تركيا والأكراد سيخاطر بالإضرار بعلاقات تركيا مع أميركا.

وتعد ولاية كنتاكي التي يمثلها ماكونيل معقلا لجالية كردية كبيرة، والذي يخوض انتخابات على مقعده بمجلس الشيوخ مما يجعل من أصوات الأكراد هناك مهمة له.

في الوقت ذاته لا يريد ترامب أن يخسر دعم الجمهوريين تحسبا لتطورات قضية عزله، ويشك الكثير من الخبراء في أن يحدث شرخ بين الرئيس ومجلس الشيوخ بسبب الأكراد.

المصدر : الجزيرة