الجزيرة نت في أوباري الليبية.. ضربات جوية تبحث عن تنظيم القاعدة
أيمن محمد-أوباري (جنوب غرب ليبيا)
خلال عام واحد شهدت مدينة أوباري الليبية (1200 كم جنوب طرابلس) ضربات جوية أميركية أثارت أسئلة كبرى عن حقيقة وجود تنظيم القاعدة في المدينة ونشاطه في ليبيا ومالي ودول أخرى.
القصة بدأت عندما أغارت مقاتلة عسكرية في 24 مارس/آذار الماضي على منزل بحي الفرسان بعد ساعات من وصول سيارة كان يستقلها أشخاص من خارج المنطقة بحسب ما أفاد شهود عيان، مما أسفر عن قتلى وجرحى.
وبعد ساعات على الضربة الجوية تبنت الولايات المتحدة المسؤولية، معلنة أنها استهدفت من وصفتهم بـ "الإرهابيين"، ليفتح هذا القصف الباب على أسئلة كبرى تتعلق بحقيقة ووجود تنظيم القاعدة في الجنوب الليبي، وهل اختار أوباري مركزا لإعادة الحياة للتنظيم المرهق من معارك في ليبيا ومالي؟
قصف العوينات
ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى تعرضت المدينة في 25 يوليو/تموز الماضي لقصف مشابه أسفر عن سقوط قتيل واحد، لكن أي جهة لم تتبن المسؤولية عن القصف.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" مسؤوليتها عن قتل 11 عنصرا من تنظيم القاعدة، في ضربة جوية قالت إنها استهدفت هدفا متحركا ببلدة العوينات التي تبعد 250 كيلو مترا عن أوباري.
وتقع أوباري في الجنوب الغربي لليبيا، وتعتبر من أكبر المدن كثافة سكانية في الجنوب بعد عاصمة الجنوب سبها، وسكانها من قبائل التبو والعرب، لكن الأغلبية منهم من الطوارق، وكانت تسمى عندهم بتارجا، وتخضع لسلطة حكومة الوفاق إداريا وعسكريا، رغم وجود بعض الكتائب التابعة لخليفة حفتر.
القاعدة في أوباري
ويكشف مسؤول أمني بالمدينة للجزيرة نت أن الضربات الجوية وتحليق الطيران بشكل يومي "يعتبر بمثابة أدلة ومؤشرات حقيقية على وجود تنظيم القاعدة في أوباري".
وأضاف المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه إن وجود أفراد يتبعون للتنظيم بالمدينة ليس مكشوفا أمام الناس، "وإنما يختصر وجودهم في بعض الأحياء العشوائية بالمدينة كحي الشارب والمشروع، ولا يمكن ملاحظة ذلك لأنهم يمارسون حياتهم بشكل عادي جدا"، كما قال.
لكن المصدر استبعد أن تكون القاعدة تسعى لإعادة تنظيم صفوفها أو العمل على أن تكون مدينة أوباري حاضنة له، وتابع "التنظيم يعتبر المدينة قاعدة خلفية تحمي تحركاته من شمال مالي وصولا إلى ليبيا".
مصدر أمني للجزيرة نت: "الأفراد التابعون للقاعدة في أوباري يقتصر وجودهم في جمع وتقديم بعض الدعم اللوجستي، سواء بشراء الأسلحة أو سيارات الدفع الرباعي، إضافة لاستقبال بعض القادة بالتنظيم أثناء زيارتهم للمدينة". |
دعم لوجستي
المصدر الأمني كشف للجزيرة نت أن الافراد التابعين للتنظيم في أوباري يقتصر وجودهم في جمع وتقديم بعض الدعم اللوجستي، سواء بشراء الأسلحة أو سيارات الدفع الرباعي، إضافة لاستقبال بعض القادة بالتنظيم أثناء زيارتهم للمدينة.
كما لفت إلى أن الضربات الجوية التي شهدتها أوباري والتي تبنت قوات الأفريكوم واحدة منها استهدفت أشخاصا يعملون مع التنظيم في إطار تقديم الدعم ومن أهمهم محمد الالة والمعروف باسم "ريغن" وشقيقه موسى الالة، وكلاهما من أبناء المدينة.
ولعل أبرز ما كشفه المصدر الأمني في أوباري للجزيرة نت تأكيده أنه سبق أن شوهد مختار بلمختار -القائد السابق لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- والملقب بـ "العور" في منطقة "أدري الشاطي" التي تبعد عن أوباري مسافة 120 كيلومترا عام 2016.
ظهور مختار بلمختار
وينقل المصدر عن شهود عيان إن مختار بلمختار كان يتجول بسيارة دفع رباعي بعد أيام فقط من قصف طيران حربي مجهول منزلا بمنطقة القرضة بوادي الشاطي، ولم تتبن أي جهة المسؤولية عن القصف.
واللافت أن هذا الظهور للقيادي البارز في القاعدة جاء بعد ثلاثة أعوام من إعلان مقتله شمالي مالي بعد أن تبنى التنظيم عملية احتجاز رهائن في منشأة إن أميناس في الجزائر عام 2013 التي خلفت 37 قتيلا أجنبيا وجزائريا.
وينفي أهالي القتلى من أبناء بلدة العوينات أن يكون أبناؤهم منتمين لتنظيم القاعدة، ويقولون إن القتلى (غالبيتهم من الطوارق) مدنيون أبرياء، ووصفوا القصف بـ "المجزرة".
وخلال مظاهرات تلت غارات نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي طالب أهالي القتلى النائب العام الليبي بفتح تحقيق في القصف، كما دعوا المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى اتخاذ خطوات مماثلة.
لا نفي ولا إثبات
بدوره يعلق رئيس المجلس الاجتماعي الأعلى لطوارق ليبيا مولاي قديدي بأن مسألة وجود القاعدة أو أي تنظيمات إرهابية أخرى "لا ننفيها ولا نستطيع إثباتها بشكل دقيق".
وأضاف قديدي للجزيرة نت أن تحقيقات لا تزال جارية حاليا في حقيقة الضربة الجوية بمنطقة العوينات.
وقال "حصلنا على معلومات من أهالي الضحايا، كما تواصلنا مع النائب العام والحكومة وهدفنا الوصول للحقيقة، حتى ننفي هذه التهمة بشكل علمي ودقيق أو يتم الكشف عن بعض الحقائق إن وجدت حول وجود هذه التنظيمات في مناطق الطوارق".
رئيس المجلس الأعلى للطوارق في ليبيا مولاي قديدي رفض إلصاق تهمة الإرهاب بالطوارق أو اتهامهم بأنهم حاضنون للإرهاب "سواء ما يسمى بالقاعدة أو داعش"، مستغربا ما وصفه بـ"الهجمة الإعلامية الشرسة على الطوارق حتى من بعض المسؤولين الذين يتناغمون مع هذه الهجمة ووصفوا الطوارق بأوصاف يجب ألا تكون". |
الطوارق: لسنا إرهابيين
ونفى قديدي إلصاق تهمة الإرهاب بالطوارق أو اتهامه بأنهم حاضنون للإرهاب "سواء ما يسمى بالقاعدة أو داعش"، مستغربا في الوقت ذاته ما وصفه بـ"الهجمة الإعلامية الشرسة على الطوارق حتى من بعض المسؤولين الذين بدوا يتناغمون مع هذه الهجمة ووصفوا الطوارق بأوصاف يجب ألا تكون".
قديدي أكد أن الطوارق مستعدون للمساهمة بأي جهد في الجوانب الاجتماعية وغيرها للمساهمة بشكل فاعل في محاربة الإرهاب وتنظيماته، مشددا على أن الطوارق يشكلون درعا لوطنهم ليبيا وحراسا لموارده الاقتصادية وحدوده في الجنوب.
لكن رئيس المجلس الأعلى للطوارق يرى أيضا أن هناك أسبابا موضوعية ربما دفعت بعض الشباب للبحث عن وسيلة للعيش حتى بطرق غير شرعية.
وتابع "الغالبية من هؤلاء ربما يساعدون عن دراية أو من دونها هذه المجموعات باستئجار سيارات أو بيوت بحثا عن أكل عيشهم لا أكثر".
القاعدة موجودة
من جانبه يرى المحلل السياسي فرج دردور أن هناك حقيقة تتمثل بوجود التنظيمات المتهمة بالإرهاب في جنوب ليبيا وإن كان بأعداد قليلة، وأنها تستغل البيئة الصحراوية وطرق التهريب من الدول الأفريقية في الجنوب الليبي لإعادة تموضعها وتمويلها من جديد.
وأضاف دردور للجزيرة نت "الأمر الأساسي في وجودها بالجنوب يرجع لضعف الدولة وضياع هيبتها وإهمال القوات التابعة لها في حماية الحدود الجنوبية"، وهو ما يبرر برأيه وجود القاعدة أو تنظيم الدولة في تلك المناطق.
وزاد دردور أن دلالات الضربات الجوية الأخيرة تؤكد وجود هذه المجموعات وأنها تحاول تكوين نفسها من جديد خصوصا بعدما طردت من مدن عدة مثل سرت، وأضاف "أعتقد أن الأفريكوم لا يرمون أسلحتهم وقنابلهم في الرمال جزافا، ولا بد أنهم تحصلوا على معلومات مؤكدة بوجود هذه التنظيمات".
لماذا أوباري؟
وبرأي دردور، فإن التنظيمات الإرهابية اختارت أوباري لعوامل عدة "من بينها أنها جزء من التنظيم الموجود في الدول الأفريقية، إضافة لتسرب عناصرها من هذه الدول عبر السودان واليمن والصومال ومالي، وهي دول تشكل موطنا أساسيا لتنظيم القاعدة، وبالتالي لا يستطيعون الدخول لشمال أفريقيا إلا من خلال الجنوب الليبي، والعامل الآخر هو التحرك الكبير للتنظيم في الهجرة غير القانونية بين أفريقيا وليبيا عبر الصحراء، وبالتالي هناك مساحة للكر والفر والحرب والمؤن كلها تتم عن طريق ليبيا".
ويستبعد المحلل السياسي أن يكون للتنظيمات الإرهابية حاضنة قبلية، لأن المفهوم القبلي يتعارض مع ما تقوم به هذه المجموعات، وأضاف "لا يوجد دعم قبلي لهذه التنظيمات على المستوى الاجتماعي، والحاضنة الوحيدة لها في ليبيا هو الانقسام السياسي والفوضى الأمنية وهو ما يعد مناخا ملائما لهذه المجموعات".
وأمام واقع القصف الذي يستهدف أوباري بين الفينة والأخرى، واستمرار تحليق الطيران الحربي في سماء المدينة، وسط مؤشرات على استخدام تنظيم القاعدة للمدينة ومناطقها لتوفير الدعم اللوجستي لعملياته، ويطالب الأهالي بدور أكبر للحكومة الليبية في منع وقوعهم ضحية للقصف من جهة والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى.