ماذا يحمل 2019 لبن سلمان في أميركا؟

US President Donald J. Trump (R) holds up a chart of military hardware sales as he meets with Crown Prince Mohammed bin Salman
ترامب (يمين) خلال لقائه بن سلمان في مارس/آذار الماضي (الأوروبية)

محمد المنشاوي-واشنطن

تأرجحت صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أميركا خلال 2018 من قائد شاب مصلح يريد العبور بمملكته إلى القرن الـ21 وصولا لصدور قرار بالإجماع من مجلس الشيوخ يصفه بالقاتل المتهور ويحمله مسؤولية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي.

وأصبح اسم الأمير الشاب مقترنا بجرائم الحرب في اليمن والتهور في سياساته الإقليمية بدءا من احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري ونهاية باستمرار حصار قطر.

ولا يتوقع مراقبون أن يخفف الكونغرس أو الإعلام الأميركي حدة هجومهما وموقفهما من بن سلمان خلال 2019.

وهدفت زيارة بن سلمان للولايات المتحدة في الربيع الماضي -التي استغرقت ثلاثة أسابيع- إلى التأسيس الثاني لعلاقات خاصة تجمع الدولة الأقوى بالمملكة التي تحتضن أراضيها أهم مقدسات المسلمين.

وزار بن سلمان مدنا وولايات أميركية عدة مقدما نفسه كزعيم ومصلح يسعى لانفتاح اقتصادي واجتماعي في مملكته المحافظة، وجاء مروجا ومناديا بعلاقات مختلفة تجمع واشنطن بالرياض.

من لقاء سابق بين ترامب وبن سلمان في واشنطن (رويترز)
من لقاء سابق بين ترامب وبن سلمان في واشنطن (رويترز)

من ناحيتها، احتفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمير السعودي الشاب الذي تراه عنصرا مهما في تنفيذ تصوراتها لشرق أوسط جديد يخدم مباشرة أهداف واشنطن، ويضمن لحليفها الإسرائيلي علاقات دافئة علنية مع إحدى أهم الدول العربية والإسلامية.

زيارة ومخاوف
وعلى الرغم مما صاحب الزيارة من حملات دعائية وأنشطة ترويجية قدمتها شركات اللوبي والعلاقات العامة ممن تعاقدت معها الحكومة السعودية خلال العامين الأخيرين لم تقلل الزيارة من مخاوف أغلب دوائر النخبة الأميركية -ممثلة في الإعلام ومراكز الأبحاث والأكاديميين والسياسيين- من مخاطر التحالف التام مع الأمير الشاب الذي تظهر ضآلة خبرته في تبني سياسات خارجية وصفت بالمتهورة.

وجاءت عملية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول قبل أكثر من ثلاثة أشهر لتؤكد توجسات المتخوفين من تهور بن سلمان، وتتركهم وسط معضلة كيفية التعامل معه، وأضعفت قضية خاشقجي شرعية بن سلمان داخل واشنطن مع تزايد الأصوات المطالبة بضرورة فرض عقوبات مباشرة عليه شخصيا.

ويقف الرئيس ترامب داعما لولي العهد السعودي على الرغم من إجماع مجلس الشيوخ على إدانته وتحميله مسؤولية قتل خاشقجي، ويستخدم ترامب ورقة أهمية علاقات بلاده وشراكتها الإستراتيجية مع الدولة السعودية في مواجهة أخطار مشتركة بمنطقة الشرق الأوسط لتبرير موقفه.

‪أحد المنددين بولي العهد السعودي أمام البيت الأبيض‬  (رويترز)
‪أحد المنددين بولي العهد السعودي أمام البيت الأبيض‬  (رويترز)

وقال ترامب في بيانه بشأن مقتل خاشقجي "علاقتنا هي مع المملكة العربية السعودية، إنها حليف عظيم في كفاحنا المهم جدا ضد إيران"، وذكر أن بلاده "تنوي البقاء شريكا راسخا للسعودية لضمان مصالح بلادنا وإسرائيل وكل الشركاء الآخرين في المنطقة".

انقسام أميركي
يفصل الكثير من الساسة الأميركيين بين العلاقات التي تجمع الدولتين السعودية والأميركية بأبعادها الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاستثمارية والتعليمية وبين هوية من يحكم البيت الأبيض أو من يحكم في الرياض.

ويعتقد الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ أن حدوث عملية تغيير داخل بيت الحكم السعودية لا يتبعه تلقائيا توتر أو اهتزاز في علاقات الدولتين الإستراتيجية.

وعبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عن موقف الكثير من كبار قادة الكونغرس، وطالب برحيل ولي العهد السعودي بسبب قضية خاشقجي.

وقال غراهام إنه لن يتعامل مع السعودية أو يذهب إليها ما دام بن سلمان وليا للعهد، مضيفا أن "محمد بن سلمان لن يكون قائدا عالميا".

وجاء تصويت مجلس الشيوخ بالإجماع على أن محمد بن سلمان مسؤول عن مقتل خاشقجي ليوجه ضربة قوية إلى الرئيس ترامب، وتزيد نتيجة التصويت كذلك ضغوط الكونغرس على ترامب لتغيير موقفه للإقرار بمسؤولية ولي العهد السعودي عن مقتل خاشقجي.

ومع بدء مجلس النواب جلساته بداية العام الجديد التي تصاحبها سيطرة الأغلبية الديمقراطية بالمجلس على رئاسة كل لجانه سيخضع ترامب لمزيد من الضغوط والتحقيقات بشأن أسباب وقوفه بجانب بن سلمان على عكس تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية.

ماذا يحمل 2019؟
ويرى الخبير في مجلس العلاقات الخارجية مايكل ديمبسي أن عام 2019 سيشهد تغيرات دراماتيكية في بنية منظومة الحكم السعودي.

وذكر ديمبسي قضايا عدة، منها "معضلة طرح شركة "أرامكو" المعطلة، والغضب العالمي نتيجة السياسات السعودية في اليمن، إضافة إلى دور ولي العهد السعودي في مقتل كاتب صحيفة واشنطن بوست خاشقجي.  

‪من مظاهرة منددة ببن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في واشنطن‬ (رويترز)
‪من مظاهرة منددة ببن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في واشنطن‬ (رويترز)

وحسب الخبير، تضعف هذه القضايا الثلاث ثقة الجماعة الدولية في مستقبل جهود الإصلاح بالمملكة، وتؤثر على حظوظ محمد بن سلمان في حكم المملكة السعودية.

غير أن خبراء واشنطن يعجزون عن تصور سيناريو يطيح بمحمد بن سلمان من سدة الحكم في ظل وجود دعم من والده الملك سلمان، ويقرون كذلك بأن واشنطن لا تمتلك النفوذ الكافي لفرض رؤيتها على منظومة الحكم السعودي.

وتعتقد الباحثة في معهد بروكيننغز تامارا ويتيس أن "لدى واشنطن قدرة محدودة للتأثير في ترتيبات بيت الحكم السعودي"، وذلك في إشارة إلى محدودية قدرة واشنطن على التحكم في هوية ولي العهد السعودي أو المطالبة بتغييره.

وطالبت ويتيس "الحكومة السعودية ومحمد بن سلمان بتحمل مسؤولية قتل خاشقجي ودفع الثمن، واتباع سياسات جديدة ومسار مختلف".

الموقف النهائي
وعلى الرغم من عدم توجيه أصابع الاتهام إلى بن سلمان فإن ترامب ترك المجال مفتوحا أمام تغير في موقفه في توقيت لاحق، وقال إن "وكالاتنا الاستخباراتية مستمرة في تقييم المعلومات، لكن من المحتمل جدا أن ولي العهد كان على علم بهذا الحدث المأساوي، ربما كان يعلم وربما لم يكن يعلم".

ويعتقد كثير من الخبراء الأميركيين وكبار أعضاء الكونغرس من الحزبين أن الرئيس ترامب منح بن سلمان طوق نجاة من المسؤولية عن مقتل خاشقجي لأسباب غير مفهومة، إلا أنهم يدركون كذلك أن موقف ترامب قد يتغير في أي لحظة.

المصدر : الجزيرة