جمعة الغضب.. الذكرى الثامنة لهزيمة الشرطة وانهيار نظام مبارك

خارج النص-18 يوما.. ممنوع من العرض في الثورة وبعدها
مظاهرات جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011 هي بداية النهاية لنظام حسني مبارك (الجزيرة)

 عبد الكريم سليم-القاهرة

"خرج الفقراء والمساكين من أكواخهم إلى الميادين بلا تدبير، اندفعوا وراء مشاعرهم القلقة الدفينة، وفي تجمعٍ لا مثيل له، وجدوا أنفسهم عملاقا لا حدود له يجأر بالاحتجاج والخوف من المستقبل".

هكذا تنبأ الروائي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل بيوم جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011 في روايته "ليالي ألف ليلة"، في نبوءة بمشاهد تحققت، لخصها أمين شرطة لرئيسه وهو يقول له في جهاز اللاسلكي نهاية يوم الغضب "الشعب ركب يا باشا".

لكن ما جرى في هذا اليوم المشهود فاق كل خيالات المبدعين وتخطى كل أحلام الحالمين بثورة، إذ فوجئ المصريون أنفسهم بأنهم قادرون على هزيمة نظام تنبأت له تحليلات أجهزة الأمن والمخابرات المحلية والعالمية بالصمود والاستمرار، لكنه انهار في غضون ساعات في ذلك اليوم، وبقيت فقط مراسم دفنه بإعلان الرئيس المخلوع حسني مبارك تنحيه عن سلطاته للمجلس العسكري بعده بأسبوعين.

في المقابل يعتبر مؤيدو النظام الحالي ما جرى في ذلك اليوم المشهود مؤامرة خططت لها قطر وتركيا، ونفذها مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله اللبناني، بعد أن عبروا الأنفاق الحدودية شرقاً.

ينفي المحسوبون على النظام الحالي -وكثير منهم محسوبون على نظام مبارك- إمكانية وقوع مثل هذا الانفجار فجأة، في حين تؤكد روايات نشطاء وشهود عيان أن هذا اليوم كان وليد سنوات طويلة من تراكم الغضب عبر حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وتسارعت وتيرة كرة اللهب الغاضبة فور اندلاع شرارة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومثلت الأيام الثلاثة الفاصلة بين الشرارة والانفجار قوة دفع هائلة لهذا اليوم.

تحضيرات
ففي اليوم السابق لجمعة الغضب، تداعى النشطاء والصحفيون أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة، الذي شهد تراكم نوات الغضب على مدار سنوات منذ تأسيس حركة كفاية مطلع العقد الماضي، وجرى تنظيم وقفة أمام النقابة واجهتها قوات الأمن بعنف بالغ، مع التنكيل بالصحفيين المتظاهرين، وسحل عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد عبد القدوس.

ويروي الكاتب الصحفي سليم عزوز تفاصيل الليلة السابقة لجمعة الغضب قائلا إن "الصحفيين تواعدوا على المبيت بمقر النقابة منعا لإغلاقها بتعليمات من السكرتير العام للنقابة وقتها -وحالياً أيضا- حاتم زكريا".

وفي الطريق سمع عزوز حوارا بين سائقيْ حافلة صغيرة مفاده أن مدير أمن الجيزة طلب من السائقين إقامة حاجز بسياراتهم فوق "الكباري" (الجسر) ليمنع وصول المتظاهرين إلى الميادين العامة، وكان سياق الحوار بين السائقين يشي بأنهم يرفضون الفكرة خوفا من حشود المتظاهرين وكرها في الشرطة.

وفوجئ الصحفيون الوافدون على مقر النقابة بحصار أمني مشدد لكل نقاط التجمهر المعتادة، ومنها نقابتا الصحفيين والمحامين، تبعه اعتداءات قاسية بحق الصحفيين المتظاهرين.

ولم تكد تمر ساعات على الصحفيين المحاصرين حتى استولى المتظاهرون على نقطة إشارة الإسعاف الحصينة، وقاموا بتحرير المحتجزين بسيارات الترحيلات وسط القاهرة وفتح نقابتي الصحفيين والمحامين عنوة.

وسبق ذلك بأيام وصول السياسي البارز محمد البرادعي قادما من مقر إقامته في النمسا، بينما أعلنت جماعات وأحزاب مشاركتها بشكل مباشر أو على استحياء، إذ قال بيان لجماعة الإخوان المسلمون إنها تترك حرية الاختيار لأفرادها إما بالمشاركة في جمعة الغضب وإما بالإحجام.

لكن شهادات لمشاركين في جمعة الغضب لاحظوا قيام أعضاء بالإخوان المسلمين بتسجيل مشاركاتهم بهتافهم الشهير "الله أكبر ولله الحمد"، وذلك عقب انتهاء إمام من صلاة الجمعة مباشرة.

ولاحقاً، عقب انتصار الثورة المضادة بانقلاب عسكري عام 2013، حمّلت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام الجديد الإخوان مسؤولية كل ما جرى في هذا اليوم، من حرق للأقسام وسيارات الشرطة ومطاردة رجالها في الشوارع عراة من الزي الرسمي.

وحرص النشطاء الساعون للحشد ليوم الغضب على عدم التسويق الإعلامي لفعاليات يوم 27 يناير/كانون الثاني 2011، لمباغتة النظام في جمعة الغضب، بتعبير شهود عيان، كما استدعوا خبرات التونسيين في ثورتهم بتحضير الخل والبصل والكمامات وتجهيز الأحذية الرياضية.

ووفقا للكاتب الصحفي قطب العربي، فقد شهد مساء ذلك اليوم تحضيرات (بروفات) لليوم الأكبر 28 يناير، فكانت مظاهرات 27 يناير تدريبا على إدارة الحشود الكبرى في اليوم التالي واكتشاف الثغرات ونقاط الضعف ليتم علاجها سريعا.

وجرى ترتيب مظاهرات عدة في مناطق شعبية عديدة، مثل منطقة العمرانية بالجيزة، التي انطلقت فيها مظاهرة ضخمة انضم إليها الآلاف من الأهالي.

وتأكد العربي من نجاح الثورة حينما شاهد الأهالي يحطمون حاجز الخوف، وينطلقون في هتافات مدوية بالشوارع يوم السابع والعشرين.

ويعتقد العربي في حديثه للجزيرة نت أن نجاح يوم 28 يناير كان لجملة أسباب، منها أن نظام مبارك كان وصل إلى حالة شيخوخة منعته من التنبؤ بمسار الغضب، وظل قانعا بأنها ستكون مجرد مظاهرات يتم احتواؤها.

ويعتقد مؤيدو نظامي مبارك والسيسي أن التخطيط لمواجهة المظاهرات كان أحد أسباب نجاحها في هزيمة القوات، إذ شددت التعليمات على بقاء القوات في الشوارع بأقصى درجات التحفز على مدى أربعة أيام من 25 حتى 28 يناير، حتى إن الضباط ناشدوا المتظاهرين عقب صلاة جمع الغضب الانصراف لأنهم لم يذهبوا لبيوتهم ولم يغيروا الزي منذ أربعة أيام.

انتصار
بعد شد وجذب وكر وفر بين قوات الأمن والمتظاهرين المدعومين بالبصل والخل والمياه من نوافذ وشرفات البيوت، في مواجهة رجال الأمن الذين أطلقوا عشرات الآلاف من طلقات الخرطوش والرصاص وقنابل الغاز، تمكن المتظاهرون من دحر الشرطة وفتح الشوارع والميادين بحلول مساء هذه الجمعة.

وتكرر هذا السيناريو في مختلف محافظات ومناطق مصر باستثناء محافظة المنوفية شمال القاهرة، بحسب شهود عيان، وهي المحافظة الشهيرة بتزويد مؤسسات الجيش والشرطة بالجنود والضباط، وتوريد المسؤولين للدولة بداية من رؤساء الأحياء والمحافظين وصولا لرؤساء الجمهورية.

أما في محافظة الشرقية -على سبيل المثال- فقد عاد شباب شاركوا في يوم 25 يناير إلى بيوتهم محبطين بعد تفريق مظاهراتهم في ذلك اليوم، ثم سمعوا بوجود مظاهرات بالقاهرة والسويس، فتبادلوا الحماس وقرروا المشاركة في مظاهرات بميدان المحافظة عقب صلاة الجمعة.

ويحكي الناشط أحمد البقري تفاصيل المشهد للجزيرة نت بالقول إن مسجد الفتح الذي يتوسط مدينة الزقازيق -عاصمة الشرقية- تحول لثكنة عسكرية، ومع توالي الأنباء من المحافظات بانتصار الجماهير تضاعف الأمل في النفوس، وتمكن ثوار المحافظة من الصمود في مواجهة قوات الأمن.

ويدعو نشطاء وسياسيون لتغيير اسم الثورة من "ثورة الخامس والعشرين من يناير" إلى "ثورة الثامن والعشرين من يناير"، لأنه اليوم الفاصل الحاسم في مسار المصريين، بينما كانت 25 يناير مجرد شرارة اشتعلت على أثرها المظاهرات، فضلا عن اتجاه النظام الحالي لمحو أثرها بالاحتفال بعيد الشرطة في ذلك اليوم بدلا من عيد الثورة.

انتهى ذلك اليوم بمشاهد غير مسبوقة في تاريخ مصر، يكره النظام الحالي أن يعاينها مجدداً، ويتحسب لكل خطوة أو تحرك سياسي من شأنه أن يؤدي إلى مثل ذلك اليوم، حتى ولو كان وردة تحملها ناشطة سياسية في ذكرى الثورة، أو لقاء حزبياً يقيمه سياسيون مسنون، فالقبضة الأمنية حاضرة تلوح في وجه الجميع ذعرا من يوم مماثل.

المصدر : الجزيرة