ثورة يناير هزت العلاقات المصرية الإسرائيلية فثبت انقلاب السيسي دعائمها

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) speaks with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) during their meeting as part of an effort to revive the Middle East peace process ahead of the United Nations General Assembly in New York, U.S., September 19, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
لقاء سابق للسيسي (يمين) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
عبد الكريم سليم-القاهرة

بعد ثمانية أشهر تقريبا من اندلاع ثورة 25 يناير 2011 تعرض المقر القديم للسفارة الإسرائيلية في القاهرة للاقتحام من قبل آلاف المتظاهرين القادمين من ميدان التحرير.

وجرى اقتحام المقر ونثر الوثائق الموجودة داخله للمتظاهرين أسفل شرفاته وسط هتافات ترج المباني "غزة غزة رمز العزة"، وكان العلم المصري يرتفع في شرفة المقر ليرفرف فوق النيل بدلا من العلم الإسرائيلي.

ومثلت واقعة اقتحام السفارة بداية لسياسة مصرية جديدة تجاه إسرائيل، فأول رئيس منتخب عقب الثورة محمد مرسي لم يسجل له في أي من خطبه ذكر لفظ "إسرائيل".

وعقب العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية عام 2012 أعلن مرسي تضامنه مع غزة علنا، وقال "لن نترك غزة وحدها"، ثم أرسل رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى قطاع غزة داعما للفلسطينيين.

وفي أوج الموج الثوري ومناخ الحرية اللذين شهدتهما مصر بعد الثورة تعالت صيحات استنكار معارضين لمرسي حينما تسرب خطاب يحمل صياغة بروتوكولية، حيث خاطب فيه رئيس وزراء إسرائيل بلفظ "عزيزي بيريز"، لكن هذه الأصوات نفسها اختفت عندما أعلن الرئيس المصري القادم من الانقلاب عبد الفتاح السيسي عما وصفه بـ"السلام الدافئ والعلاقات الحميمة" مع تل أبيب.

السلام الدافئ وصفقة القرن
إجمالا شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية فتورا في الفترة الممتدة من بداية ثورة 25 يناير 2011 وحتى الثالث من يوليو/تموز 2013 حين وقع الانقلاب العسكري، وهي الفترة التي دفعت العديد من القيادات السياسية الإسرائيلية للتعبير عن القلق من وجود رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين على رأس السلطة.

لكن الأمر انقلب مع إعلان السيسي الانقلاب العسكري، إذ عبرت دوائر إسرائيلية عن سعادتها بالإطاحة بمرسي، بل وصل الأمر إلى إعلان الإعلامي المصري القريب من الدوائر الأمنية توفيق عكاشة أنه نصح قيادة الانقلاب العسكري بالتواصل مع إسرائيل والطلب منها الدفاع عن النظام الجديد لدى الغرب، خاصة الولايات المتحدة بوصفه النظام الجديد النابع من ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا، مؤكدا أن القيادة استجابت له، ولاحقا نجحت إسرائيل في التسويق دوليا للنظام الجديد.

وفي معظم تصريحات قائد الانقلاب -ولاحقا رئيس الجمهورية- عبد الفتاح السيسي برزت الإشارة لإسرائيل كصديق، حيث يكرر السيسي دائما سعيه لضمان "أمن إسرائيل"، وفي خطاب بالأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2017 أكد على ضرورة "سلامة المواطن الإسرائيلي"، وفي أبريل/نيسان 2017 أعلن السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب التزامه بما سماها "صفقة القرن" وهو المصطلح الذي تبرأ منه السيسي لاحقا بعدما تسرب من تحقيقه مكاسب جيوسياسية لتل أبيب.

الشهر الجاري وخلال برنامج "60 دقيقة" المذاع على قناة "سي بي أس" الأميركية كشف السيسي بنفسه لأول مرة ما كان ينكره كبار مسؤولي نظامه من قبل بشأن وجود تعاون بين الجيشين المصري والإسرائيلي في ما يتعلق بمحاربة "الإرهاب" في سيناء.

‪نتنياهو اعتبر أن اتفاقية الغاز مع مصر يوم عيد لإسرائيل‬  (الجزيرة)
‪نتنياهو اعتبر أن اتفاقية الغاز مع مصر يوم عيد لإسرائيل‬  (الجزيرة)

الغاز.. ثمرة التعاون
وقبل أيام من الذكرى الثامنة لثورة يناير دعت الحكومة المصرية وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس لحضور منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة.

وجرى ترتيب جولة سياحية بمعالم القاهرة التاريخية الإسلامية للوزير الإسرائيلي الذي عبر عن سعادته، وذلك على صفحة إسرائيل في مصر بموقع فيسبوك.

وتأتي هذه الزيارة ضمن ترتيبات إقليمية بشأن تقاسم ثروة غاز المتوسط، وهو المجال الأبرز في التعاون بين مصر وإسرائيل منذ الانقلاب، إذ صرح شتاينتس بأن الغاز الإسرائيلي سيصل مصر قريبا.

ووقعت شركات مصرية قبل شهور اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل بنحو مليار ونصف المليار دولار سنويا لعشر سنوات.

جاء ذلك رغم أن مصر كانت تصدر الغاز قبيل اندلاع ثورة يناير 2011، وهو ما دفع معارضين لمقاضاة الحكومة بسبب الثمن البخس للصفقة، وما تحمله من تهديد للأمن القومي المصري، بحسب وصفهم.

وعقب الثورة جرى مرارا تفجير خط الغاز المصري المار في سيناء في طريقه إلى إسرائيل من قبل مجهولين لم يتم الإعلان عنهم حتى الآن.

وعلى صعيد التعاون الصناعي تعمل أكثر من سبعمئة شركة في "المناطق الصناعية المؤهلة" بأنحاء مصر بحسب إحصاءات رسمية، وهي شركات تتضمن منتجاتها مكونات إسرائيلية بنسب محددة تصل إلى 10.5% حاولت حكومة مرسي خفضها وقوبل طلبها بموافقة مبدئية ولم يتم الخفض لوقوع الانقلاب.

وسجل العام السابق لاندلاع ثورة يناير زيارة 226 ألف سائح إسرائيلي لسيناء انخفض بنحو مئة ألف سائح عقب اندلاع الثورة، في حين تخطى العدد الـ270 ألف إسرائيلي -وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية- في أعقاب زيارة وفد رسمي مصري لإسرائيل عام 2016 للاتفاق على تشجيع زيارة المسيحيين للقدس مقابل تشجيع السياح الإسرائيليين على زيارة سيناء.

ورطة يناير
ويرى المحلل السياسي المختص في شؤون العلاقات المصرية الإسرائيلية سيد أمين أن ثورة يناير وضعت العلاقات المصرية الإسرائيلية في "ورطة كبرى"، وكانت الثورة وحدها كفيلة بتقويض كل مشاريع "الهيمنة الأميركية الصهيونية" في المنطقة، بحسب وصفه.

واعتبر أمين أن الانقلاب كان "ضرورة إسرائيلية" برأيه، وذلك لحفظ أمن إسرائيل كما كانت الثورة تهديدا لهذا الأمن، مبينا أن ما وصفه بالتطور الخطير في العلاقات المصرية الإسرائيلية يتمثل في انتقال "التواطؤ" على مصالح الشعب المصري للعلن بعد أن اتسم طويلا بالسرية، بحسب وصفه.

ولفت إلى أن "الأخطر" في هذا التطور هو استغلال السيسي العلاقة مع إسرائيل في إقناع الغرب بأنه "الأفضل" لتمثيل المصالح الغربية في مصر رغما عن التذمر الشعبي.

التظاهر بالشوارع المصرية دعما للفلسطينيين لم يعد ممكنا منذ أن وصل السيسي إلى السلطة (الجزيرة)
التظاهر بالشوارع المصرية دعما للفلسطينيين لم يعد ممكنا منذ أن وصل السيسي إلى السلطة (الجزيرة)

عقبة أمام التطبيع
من بين الشباب الذين شاركوا في ثورة يناير يرى الناشط أحمد البقري أن الشعوب العربية هي "العقبة أمام المستبدين للتطبيع مع الاحتلال".

وأضاف البقري "عندما تحررت إرادة الشعوب العربية في الربيع العربي كانت النتيجة الطبيعة أن تعيش إسرائيل في رعب من هذا التحرر، لإدراكها أن امتلاك الشعوب قرارها يعني زوال إسرائيل، وهو ما دعا إسرائيل ومن ورائها الغرب لتقوية الثورة المضادة حتى تنقلب على الربيع العربي لحماية الاحتلال من غضب الشعوب".

واعتبر أن انكسار الثورة أخرج مصر من المعادلات الإقليمية بل وألقى بمصر في "كفة إسرائيل" بشكل منح إسرائيل وأميركا الجرأة على الإعلان عما كانتا تخشيان الإعلان عنه طويلا، ومنه إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

المصدر : الجزيرة