محمد سلطان يكتب بنيويورك تايمز: كيف لانقلاب أن يدمر أسرة؟ وكيف لها أن تتعافى؟

هل خرجت الأمم المتحدة عن صمتها إزاء مجزرة رابعة؟
بعد انقلاب السيسي ومجزرة رابعة شهدت مصر انقساما حادا (الجزيرة)

يقول الكاتب المصري المدافع عن حقوق الإنسان محمد سلطان "لقد كرهت تخلي خالي عني عندما كنت سجينا، بيد أنني كسبت إنسانيتي في نهاية المطاف، فهل يمكن لبقية الناس في مصر أن يفعلوا ما فعلت؟"

ويضيف سلطان -في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز- أنه ومع تفشي عنف الدولة في مصر وغياب أي مظاهر للعدالة؛ تجاوز المجتمع المصري حدود الاستقطاب ليصل مرحلة الانهيار، لأن الاستهداف والشيطنة والتجريد من الإنسانية تجاوزت الإسلاميين، لتصيب كل من يجرؤ على تحدي الوضع الراهن.

ومضى سلطان -الأميركي من أصل مصري- يصف حال المجتمع المصري حاليا، قائلا إن الأسر المصرية تعيش في توتر، وإن الخلافات السياسية تهدد استمرار العلاقات الأسرية، وإن مقاعد طاولات الطعام بالمنازل لا يزال بعضها خاليا ممن يجلسون عليها، وإن كثيرا من احتفالات الزواج والميلاد والمآتم تفتقد وجود البعض بسبب الاعتقالات واللجوء والهجرة، وإن الكراهية والغضب هزما الأخلاق والروح الإنسانية لدى المصريين.

الحب والأمل
وقال إنه لا يدري كيف تتعافى مصر، لكنه يعلم أن ذلك يجب أن يبدأ بتحلي كل مصري بالشجاعة التي تمكنه من السماح للحب والأمل بتجاوز الشعور بالكراهية والضيم.

وسرد سلطان في المقال حكاية خاله الضابط الكبير في الشرطة المصرية معه ومع والده (أحد المسؤولين بحكومة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي)، وقصة اعتقاله مع والده عقب مجزرة رابعة، وتخلي ذلك الخال عنهما.

وقال رغم أن علاقته بخاله أنس كانت حميمة، وأنه يكن له احتراما وتقديرا كبيرين لنزاهته وتمسكه بالقانون وانضباطه في كل شيء، وأنه استقى منه روح العدل والانضباط؛ فإن هذا الخال لم يزره في المعتقل أبدا.

خيبة أمل
وأوضح سلطان أنه كان يعوّل على خاله لإنقاذه من اعتقاله المنفرد، وكان يحلم في يقظته بأنه قد أتى وفتح أبواب السجن وأنقذه ووالده وكل زملاء السجن من التعذيب المستمر، لكنه لم يأت أبدا.

وتساءل الكاتب عن السبب وراء إهمال خاله له ولوالده؟ وقال إن الشهور التي سبقت انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي على الديمقراطية في مصر شهدت فيها البلاد انقساما داخليا حادا، حيث انهمك من يريدون إسقاط حكومة مرسي ومؤيدوهم في الإعلام الحكومي في شيطنة الإخوان المسلمين وكل من يؤيدهم.

مع تفشي عنف الدولة في مصر وغياب أي مظاهر للعدالة، تجاوز المجتمع المصري حدود الاستقطاب ليصل مرحلة الانهيار

وأضاف أنه شعر بتزايد التوتر في كل الأسر المصرية، وفي كل التجمعات الاجتماعية، حيث أخذت الخلافات الصغيرة تتضخم، وبدأ الخطاب المعادي للثورة يغطي نفسه بالعداء للإسلاميين، كما بدأت نظريات المؤامرة بالانتشار، ووصم الإخوان المسلمون بالعداء للمصريين.

معارضة النظام
ونفى سلطان أن يكون عضوا بتنظيم الإخوان المسلمين، وكذلك والده الضليع في الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية، والذي قضى أغلب حياته خارج مصر، لكنه يؤيد وجهة نظر إسلامية معتدلة. ومع ذلك، أشار سلطان إلى أنه ووالده كانا معارضين لانقلاب السيسي.

وقال إنه كان يعتقد أن سبب عدم زيارة خاله له هو اعتقاد خاله أن استقرار مصر يتطلب وقوفه مع الانقلاب، أو هو الخوف من الارتباط بأقارب معارضين.

واستمر يقول إن غضبه على خاله كان يزداد مع كل إهانة تُوجه له أو حادثة تعذيب تلحق به. وكان يقول لنفسه "كيف يسمح خالي لنفسه أن ينام ملء جفنيه على سريره وهو يعلم أن ابن أخته وصهره يواجهان ظلما أكيدا؟ يُفترض أن يكون خالي أفضل من ذلك كثيرا".

طغيان الكراهية
وقال إنه ولكي يحتفظ بتماسكه النفسي، كبت ذكرياته عن مجزرة رابعة، وطرد ألم الاعتقال بالغضب على خاله، وحدث أن انفجر غاضبا بوجه والدته خلال زيارتها له بالمعتقل عندما حاولت أن تجد مبررات لعدم زيارة خاله له، مضيفا أنه ظل يلقي اللوم على خاله وكل الضباط الآخرين الذي يعملون مع النظام، وإن الكراهية كانت هي أبسط الحلول المتوفرة.

وأُفرج عن سلطان عقب حملة دولية للإفراج عنه، وضغط من الحكومة الأميركية، وبعد إضرابه عن الطعام لمدة 489 يوما. وقال إنه شعر بتضامن الأجانب معه أكثر من بعض أقاربه.

سلطان سرد في المقال حكاية خاله الضابط الكبير في الشرطة المصرية معه ومع والده، وقصة اعتقاله مع والده عقب مجزرة رابعة، وتخلي ذلك الخال عنهما

لكن، وبعد أشهر قليلة من الإفراج عنه، تعرض خال سلطان لإصابة كبيرة في هجوم "إرهابي" مشتبه في سيناء، وبدأت والدته تناشده الاتصال به وإبداء تعاطفه معه، لكنه رفض قائلا إنه شعر بنوع من العدالة في إصابة خاله.

وقضى خال سلطان عامين مشلولا في الفراش، ولم يستطع سلطان بعد كل هذه الفترة أن يستجمع شجاعته ويتصل بخاله، لكنه بعد أن رأى حزن والدته بدأ يعيد التفكير في الأمر.

التفكير بروية
وتوصل سلطان، خلال إعادة تفكيره، إلى أنه وبسعيه للانتصار لرأيه، ظلم نفسه وأحباءه، وأن غضبه أعماه عما هو مهم حقيقة وهو إنسانيته وتعاطفه مع الآخرين.

وقال إنه جرد أحد أفضل أحبائه من إنسانيته مثلما قام ذلك بتجريد سلطان من إنسانيته، وإنه -أي سلطان- غضب من تخلي خاله عنه عندما كان في السجن، وعندما أصبح خاله سجينا لجسده، كان سلطان على استعداد للتخلي عنه.

لكن، وخلال الصيف الماضي، تصالح سلطان مع خاله، ووصف ذلك بأنه من أصعب التجارب في حياته منذ أن غادر السجن. فقد اتصل سلطان من مقر إقامته في أميركا بخاله المصاب يوم العيد.

وقال إنه سمع فرحة خاله في صوته وسط الألم عندما تبادلا عبارات التحية، مضيفا أن خاله كان يتحدث بسرعة غير معتادة عنه، كأنه كان يعوّض ما فات من سنين.

واختتم الكاتب مقاله بأن ثقل الغضب الذي كان يحمله في نفسه تلاشى بمجرد أن تحوّل الحديث إلى الأطفال والزواج والصحة وولائم العيد المعتادة، وشعر -بعد خمس سنوات من الصمت- بنفس الشعور بالحرية التي خبرها لدى خروجه من السجن.

وأخبرته والدته -بعد تلك المحادثة- بأن محادثته كان لها وقع السحر لدى خاله؛ إذ رفعت روحه المعنوية إلى درجة أنه ذهب معها لزيارة والده في السجن.  

المصدر : نيويورك تايمز