قانون الطوارئ في تونس.. تحصين للأمن أم بوابة لعودة الاستبداد؟

Vote of confidence for the new cabinet in Tunisian parliament- - TUNIS, TUNISIA - NOVEMBER 12: A general view of the parliament session on vote of confidence for the new cabinet at the Assembly of the Representatives of the People in Tunis, Tunisia on November 12, 2018.
البرلمان التونسي خلال إحدى جلساته (الأناضول)

آمال الهلالي-تونس

يجمع التونسيون على أن أهم مكسب تحقق لهم بعد الثورة هو هامش الحقوق التي كفلها الدستور الجديد بعد عقود من الاستبداد، لكن المخاوف بدأت تتجدد بالتزامن مع مناقشة البرلمان مشروع قانون مثيرا للجدل ينظم حالة الطوارئ في البلاد، تقدمت به رئاسة الجمهورية.

وانطلقت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالبرلمان يوم الجمعة الماضي بعقد أولى جلساتها بحضور ممثلين عن رئاسة الجمهورية لمناقشة "مشروع القانون عدد 91 لسنة 2018 والمتعلق بتنظيم حالة الطوارئ في تونس".

ومن المنتظر أن يعوض هذا القانون، إذا تمت المصادقة عليه، الأمر الرئاسي عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ، الذي أصدره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ولا يزال ساري المفعول.

ملامح المشروع
وجاء مشروع قانون الطوارئ الجديد في 24 فصلا، حددت بمقتضاه دوافع الإعلان عن حالة الطوارئ، ومدتها، والجهات الموكل لها تنفيذه، وعقوبات المخالفين. 

وينص مشروع القانون على أن حالة الطوارئ يعلنها رئيس الجمهورية بعد استشارة رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي، وذلك لمدة أقصاها ستة أشهر مع إمكانية التمديد لمدة ثلاثة أشهر على أقصى تقدير.

وتعلن حالة الطوارئ "بكامل تراب الجمهورية أو بجزء منه في حالة حصول أحداث تكتسي خطورتها صبغة الكارثة أو في حالة خطر وشيك يهدد الأمن والنظام العام وسلامة الأفراد والمؤسسات والممتلكات والمصالح الحيوية للدولة".

صلاحيات واسعة
ويسمح مشروع القانون للوالي (المحافظ) أن يتخذ جملة من الإجراءات في نطاق مرجعه الترابي وتحت ذريعة المحافظة على الأمن العام من مثل منع تجول الأشخاص والعربات، وتنظيم إقامة الأشخاص أو "تحجيرها" (منْعها).

‪أحد مداخل مبنى البرلمان التونسي‬  (الجزيرة)
‪أحد مداخل مبنى البرلمان التونسي‬  (الجزيرة)

ويمكن للوالي أيضا أن يتخذ قرارا بالغلق المؤقت للقاعات المخصصة للعروض والاجتماعات العمومية والمحلات المفتوحة للعموم، ومنع الاجتماعات والتجمعات والمظاهرات التي من شأنها أن تشكّل خطرا على الأمن والنظام العام.

تفتيش وتنصت
كما يمنح مشروع قانون الطوارئ المقترح صلاحيات واسعة لوزير الداخلية من قبيل إصدار قرارات في إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتسخير الأشخاص والممتلكات لضمان حسن سير المرافق العمومية والأنشطة الحيوية.

ويسمح قانون الطوارئ الجديد للوزير بأن يضع تحت الإقامة الجبرية كل شخص يتعمد ممارسة نشاط من شأنه تهديد الأمن والنظام العام، كما يسمح له بالاطلاع على مراسلاته واتصالاته وحجز جواز سفره وإخضاعه للمراقبة.

ويمكن أيضا لوزير الداخلية بموجب القانون إصدار قرار بتفتيش جميع المحلات الخاضعة لسريان قانون الطوارئ ليلا ونهارا، ويشمل التفتيش النفاذ إلى الأنظمة المعلوماتية وجميع الأجهزة الإلكترونية والرقمية الموجودة بالمكان.

ويتيح المشروع إمكانية إصدار وزير الداخلية أمرا بتعليق نشاط أي جمعية ثبتت مساهمتها أو مشاركتها خلال حالة الطوارئ في أعمال مخلة بالأمن والنظام العام، أو يمثل نشاطها عرقلة لعمل السلط العمومية مع ضمان حق الطعن.

ويتضمّن مشروع القانون أيضا عقوبات زجرية للمخالفين تتراوح بين السجن والغرامة المالية.

خطر على الحريات
وتعالت أصوات نواب داخل البرلمان وخارجه تحذر من مخاطر تمرير مشروع القانون بصياغته الحالية، بدعوى تهديده للحقوق والحريات، وتكريسه لعودة الاستبداد بمنح سلطة تقديرية مبالغ فيها لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية والوالي. 

وطالب النائب عن كتلة الولاء للوطن توفيق الجملي بضرورة السحب الفوري لمشروع قانون الطوارئ وإعادة صياغته، مشددا على عدم دستوريته.

ولفت في تصريح للجزيرة نت إلى أن هذا المشروع يعطي سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية في إعلان حالة الطوارئ أو تمديدها دون الرجوع للبرلمان وسط تغييب واضح للسلطة التشريعية.

وأوضح أن فصول القانون الواردة غير دقيقة وحمالة معاني فيما يتعلق بتحديد حالات "الخطر الوشيك" الموجبة لإعلان حالة الطوارئ، مما قد يفتح باب التأويل لخدمة السلطة التنفيذية لتكون عصا غليظة في وجه الشعب.

وحذر من خطورة منح صلاحيات واسعة لوزير الداخلية وللوالي، خصوصا فيما يتعلق بالتنصت على المكالمات الهاتفية والتجسس على الأشخاص وتقييد حرياتهم تحت ذريعة قانون الطوارئ دون الرجوع للقضاء.

‪مسعود الرمضاني حذر من غموض بعض المصطلحات الواردة في فصول مشروع القانون‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪مسعود الرمضاني حذر من غموض بعض المصطلحات الواردة في فصول مشروع القانون‬ (الجزيرة-أرشيف)

تشريع للاستبداد
بدوره، عبر رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني عن مخاوفه من استغلال السلطة هذا القانون لفرض قيود على الحريات الخاصة والعامة.

وحذر من غموض بعض المصطلحات الواردة في فصول مشروع القانون والتي تفتح -حسب قوله- الباب واسعا لتأويل القوانين وتكييفها لخدمة السلطة. 

وشدد في تصريح للجزيرة نت على أن "هذا القانون يعطي السلطة التقديرية المطلقة للجهات التنفيذية بدءا من رئيس الجمهورية مرورا بوزير الداخلية وصولا إلى الوالي دون الرجوع للسلطة التشريعية، في ضرب لروح دستور ما بعد الثورة".

وأضاف "هذا القانون يشرع للاستبداد ويفتح باب التقديرات الشخصية للسلطة التنفيذية تحت ذريعة حفظ الأمن لما تضمنه من فصول فضفاضة وغير دقيقة قد تشرع لتجاوز القانون".

ودعا الرمضاني لجنة الحقوق والحريات في البرلمان لإعادة النظر في فصول هذا المشروع وتنقيحه تماشيا مع الدستور وحفاظا على مكتسبات ما بعد الثورة.

تهويل ومناكفات
مقابل ذلك، قلّل النائب عن كتلة نداء تونس في البرلمان رمزي خميس من تداعيات مشروع قانون الطوارئ على مكاسب الحريات والحقوق الفردية والعامة التي كفلها دستور ما بعد الثورة.

وأكد في تصريح للجزيرة نت أن المخاوف التي أطلقها بعض النواب من هذا القانون تأتي ضمن مناكفات سياسية في إطار تصفية حسابات حزبية ضيقة.

وتابع "رئيس الجمهورية قدم مقترحا بخصوص تنظيم قانون الطوارئ ويتم حاليا مناقشته داخل البرلمان، والأكيد أن هناك تعديلات ستطرأ عليه في إطار التوافقات بين الكتل مع مراعاة المصلحة العليا وأمن الوطن".

واعتبر خميس أن الوضع الأمني في البلاد والتطورات الميدانية تقتضي وجود قانون ينظم حالة الطوارئ بحسب ما نص عليه دستور ما بعد الثورة عوضا عن مواصلة استعمال أمر رئاسي قديم يعود لحقبة السبعينيات.

‪عماد الخميري: هذا القانون ستطرأ عليه تعديلات ليستجيب لمبادئ دستور 2014‬  (الجزيرة-أرشيف)
‪عماد الخميري: هذا القانون ستطرأ عليه تعديلات ليستجيب لمبادئ دستور 2014‬  (الجزيرة-أرشيف)

تعديل لمشروع القانون
وفي السياق ذاته، أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري أن المبادرة التشريعية التي تقدم بها رئيس الجمهورية تأتي في إطار تنظيم حالة الطوارئ مع مراعاة المبادئ الدستورية. 

وأضاف للجزيرة نت "هذا القانون يأتي لتنظيم حالة الطوارئ الذي يعد مسألة تخضع بطبعها لتقييد واستثناءات، ونحن حاليا بصدد الاستماع للجهات التي قدمت المبادرة، وسنستمع أيضا لآراء نشطاء بالمجتمع المدني".

وشدد في حديثه على أن "هذا القانون ستطرأ عليه تعديلات ليستجيب لمبادئ دستور 2014 المضمنة لاحترام الحقوق والحريات العامة وليكون فعالا لإدارة أوضاع استثنائية تتعلق بفرض حالة الطوارئ".

المصدر : الجزيرة