تجمع المهنيين السودانيين.. "ملهم" يقود "مواكب التنحي"
وطبقا لمعلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فإن تجمع المهنيين أنشئ في يوليو/تموز 2018، لكن يبدو أن عرابيه قد اختاروا ساعة الصفر المناسبة للإعلان عن اللافتة بعيد انطلاق احتجاجات الخبز في عطبرة وبورتسودان يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويحسب للتجمع أنه حوّل احتجاجات عنيفة غذتها طوابير أزمة الخبز والوقود والنقود، وصاحبها حرق لمقار حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إلى مواكب سلمية ذات بعد سياسي هدفها تنحي الرئيس عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود.
وبدأت مواكب المطالبة بالتنحي التي تبناها تجمع المهنيين بالخرطوم منذ 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبلغت سبعة مواكب حتى الأحد الماضي.
|
اختفاء السكرتارية
وبعد استهداف السلطات الأمنية لسكرتارية تجمع المهنيين بالاعتقال لدى ظهور قادته في وسائل الإعلام، آثرت السكرتارية العمل في الخفاء، وهو ما دفع أنصار الحكومة لوصف التجمع بأنه مجرد "شبح" يهدد البلد الهش بشعار "تسقط بس".
لكن الصحفي السوداني فيصل محمد صالح، الحائز على جائزة "بيتر ماكلر" والمنخرط في الاحتجاجات، يرى أن التجمع ليس شبحا أو منظمة سرية، ويتفهم صالح في حديث للجزيرة نت أن تظل سكرتارية التجمع سرية بعد حملة اعتقالات شملت قادته، على رأسهم الطبيب محمد ناجي الأصم، الذي يقول صالح إنه التقاه داخل المعتقل لدى تعرضه للاعتقال الأسبوع ما قبل الماضي.
ولا يبدو صالح مكترثا بمعرفة السكرتارية التي تدير التجمع حاليا باعتبار ذلك تأمينا مطلوبا، ويكفي أن كل أصحاب مهنة يعرفون قياداتهم في اللجان المكونة للتجمع.
نقابات ظل
ويقول الصحفي السوداني إن تجمع المهنيين يتكون من "نقابات ظل" تتولى الدفاع عن قضايا المهنيين، كما حدث في إضراب الأطباء قبل عامين، ولا تعترف بالنقابات التي يسيطر عليها موالون للحكومة.
ونفذت لجنة أطباء السودان المركزية التي تمثل عصب تجمع المهنيين إضرابا في العام 2016، شل المشافي العامة وأجبر الحكومة على التفاوض مع اللجنة، رغم أنها لا تعترف بها.
ويرى صالح أن ما استجد في الأمر هو أن لجان المهنيين نجحت قبل أشهر قليلة من الاحتجاجات الحالية في التوحد تحت مسمى "تجمع المهنيين السودانيين".
وكان لتجمع المهنيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ظهور خجول عبر بيان دعا إلى تنظيم احتجاجات تطالب بزيادة الأجور، لكن لم يكترث حينها أحد بالكيان الذي بدا غامضا ومجهولا.
منعطف التحوّل
بيد أن نجاح التجمع في تنظيم أول موكب يطالب بتنحي الرئيس البشير الشهر الماضي لفت إليه الأنظار بقوة، ثم تحالفت معه المعارضة ممثلة في "قوى نداء السودان" و"قوى الإجماع الوطني" و"التجمع الاتحادي المعارض".
ومع اختفاء سكرتارية تجمع المهنيين، أصبح المحتجون يتلقون التوجيهات والمعلومات الخاصة بزمان ومكان المواكب عبر حساب التجمع على تويتر الذي يتابعه 31 ألفا وأربعمئة متابع، وصفحة التجمع على فيسبوك التي يتابعها 157 ألفا و300 "شخص".
وآثر الناشطون في تجمع المهنيين التواري عن الأنظار خشية الاعتقال، كما أغلقوا هواتفهم بعد أن راج أن الهواتف الذكية كانت سببا في اعتقال الأمن لقادتهم.
ورغم أن مسؤولي الحكومة يعمدون إلى إلباس تجمع المهنيين عباءة حمراء بالقول إن الشيوعيين واليساريين يسيطرون عليه، فإن الاتهام يبدو بلا أساس مع تزايد التأكيدات بأن أبناء وبنات التيار الإسلامي هم ضمن حراك الشارع.
حتى إن القيادي بحزب المؤتمر الشعبي عمار السجاد فند ما ذهب إليه مدير جهاز الأمن صلاح قوش بأن قلة من الشيوعيين يحركون الاحتجاجات، مؤكدا أن نحو 260 من بين أكثر من 800 معتقل كانوا أبناء وبنات رموز في المؤتمر الوطني.
تهمة التسييس
ولا يرى أنصار الحكومة في تجمع المهنيين أكثر من واجهة ذات أجندة سياسية، بحسب ما يقول رئيس القطاع السياسي بأمانة الشباب في حزب المؤتمر الوطني فضل الله رابح.
ويقول رابح في تصريح للجزيرة نت "لا يوجد كيان شرعي باسم المهنيين ومسجل ضمن تنظيمات العمل. المعروف هناك نقابات مهنية مسجلة هي التي يخول لها القانون والدستور التعبير عن حقوق منسوبيها والتحدث بأسمائهم".
ويرى المتحدث أن الدعوات الصادرة عن تجمع المهنيين غير شرعية لأنه كيان غير مستقل ومنحاز لأطراف سياسية، ويحذر رابح من أن نهج التجمع لا يتسق مع البيئة التي تخدم الاستقرار والمحافظة على الكيانات المهنية، بعيدا عن زجها في صراعات سياسية تجعلها في مواجهة مع الأجهزة المختصة وتضعها تحت طائلة إجراءات استثنائية.