"حكمتيار الجديد" يستأنف الحضور في الدوامة الأفغانية

Former Afghan warlord Gulbuddin Hekmatyar arrives to register as a candidate for the presidential election at Afghanistan's Independent Election Commission (IEC) in Kabul, Afghanistan January 19, 2019.REUTERS/Mohammad Ismail
حكمتيار أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في أفغانستان (رويترز)

مجدي مصطفى

من بين قادة "الجهاد الأفغاني" سابقا، ينفرد زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار باستئناف الحضور في صدارة المشهد الأفغاني بطبعته الأميركية هذه الأيام.

فبعد أن طواه النسيان أو كاد خلال عقدين أمضاهما مختفيا هاربا -بعضهما في منفاه الاختياري بإيران– هيأت المتغيرات لحكمتيار فرصة لإعادة إنتاج نفسه على الساحة الأفغانية مرة أخرى بمباركة ورضا أميركيين.

وفي أقل من ثلاثة أعوام، توّج حكمتيار (72 عاما) إعادة إنتاجه وحضوره بالإعلان قبل يومين عن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في أفغانستان، والمقررة في يوليو/تموز المقبل.

ويثير هذا الإعلان جملة من الأسئلة تتعلق بقدرات الرجل وحساباته في المرحلة الجديدة، والأرضية التي يستند إليها، وكذلك حسابات ورهانات القوى الإقليمية والدولية التي تستثمر فيه سياسيا هذه المرة، بعد أن سبق واستثمرته مقاتلا ضد السوفيات أثناء تدخلهم في أفغانستان.

وجه هذا الزعيم البشتوني ليس جديدا على أميركا اللاعب الدولي الرئيسي في المحرقة الأفغانية، فقد سبق أن حشدت له الدعم -ولبقية زعماء الجهاد الأفغانيين- ضد السوفيات خلال غزوهم لأفغانستان (1979-1989)، وكان حكمتيار وحزبه الأكثر حظوةً من أميركا والسعودية بالتسليح والتمويل في تلك السنوات.

الفرحة بانهيار نظام نجيب الله وسقوط  كابل بأيدي "المجاهدين" عام 1992 لم تدم طويلا أمام شهوة الحكم والسلطة بين مجاهدي الأمس الذين باتوا فرقاء متحاربين بدوافع عرقية، فدفعت البلاد الضريبة غالية من دماء أبنائها بسلاح الفرقاء، وفي مقدمتهم حكمتيار الذي أمطر كابل بوابل من الصواريخ أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، ومن ثم أطلق عليه "جزار كابل".

وبعد أقل من عامين، ظهرت حركة طالبان وتصدرت المشهد الميداني، وهي الحركة التي يشكل البشتون قوامها الرئيسي وتربّى كثيرون من قادتها وعناصرها في الحزب الإسلامي الذي يتزعمه حكمتيار، قبل أن يتمردوا ويصيروا -بدعم باكستاني غير سري- القوة الأهم في أفغانستان، ثم يسيطروا على البلاد والعباد، ويتحالف معهم حكمتيار بعض الوقت في محاربة الغازي الأميركي وقوات التحالف الغربي، ثم ما لبث أن اختفى عن المشهد حتى ظهوره الأخير.

رهانات العودة
سبقت عودة حكمتيار إلى أفغانستان في مايو/أيار 2017 توقيع حزبه اتفاق سلام مع الرئيس أشرف غني في سبتمبر/أيلول 2016، بمساعدة أميركا التي حرصت أيضا أن يعود حكمتيار إلى عاصمة بلاده نظيفا من سمعة الإرهاب، فأزالت اسمه من قائمة الإرهاب التي تصدرها الخارجية الأميركية وكان يعتبر فيها إرهابيا عالميا، كما سبقت ذلك إزالة اسمه من قائمة الأمم المتحدة للإرهاب.

كانت أميركا ولا تزال تعول على أن تساهم عودة حكمتيار وحزبه في جهود  احتواء طالبان وإقناعها بالاستجابة لمبادرات التسوية والمصالحة معها، والحد من حضور النفوذ الإيراني في البلاد.

تعقيدات اللعبة
والواضح أن تعقيدات اللعبة في أفغانستان تتطور بسرعة، حيث أدت التوقعات بقرب إنهاء المغامرة الأميركية العسكرية الطويلة فيها إلى إطلاق العنان لتحركات متعددة لتشكيل مستقبل البلاد.

وقد تؤدي الدبلوماسية الحالية إما إلى تسوية سياسية تنطوي على مظهر من مظاهر السلام في أفغانستان والمنطقة، وإما إلى انسحاب أحادي الجانب أو غير منظم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما قد يمهد الطريق لتكرار الحرب الأهلية التي دامت أربعين سنة في أفغانستان، وهنا قد يظهر حكمتيار مقاتلا من جديد في طبعة عرقية دامية.

ومع ذلك، هناك سيناريوهات أخرى ممكنة، حيث تتصادم عدة قوى وتتجمع في نهاية اللعبة، ولعل القوة الأكثر وضوحا في المشهد هي حركة طالبان التي تهيمن على 60% من البلاد، وتمارس ضغوطا لا هوادة فيها على قوات الأمن الأفغانية المحبطة.

وتبدو طالبان واثقة من نفسها حين ترفض التفاوض على السلام مع حكومة أشرف غني المحاصرة، وتريد التحدث فقط إلى الولايات المتحدة حول جدول زمني لسحب القوات الأجنبية، وإطلاق سراح سجنائها ورفع حظر السفر، وغيره من القيود المفروضة على قادتها.

وتتوقع الحركة أنها بعد انسحاب الولايات المتحدة، سيكون بمقدورها فرض تسوية سياسية على الأحزاب الأفغانية الأخرى. 

ويسبب إصرار طالبان على موقفها إحباطا ونكدا للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سبق أن أصدر إعلانا أحاديا عن عزمه سحب نصف القوات الأميركية (14 ألفا)  قريبا من أفغانستان، وهو ما أزعج  حكومة كابل وأضعف نفوذ المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاده في التفاوض مع طالبان.

اللاعبون الإقليميون
هذا الإعلان بشأن قرب الانسحاب الأميركي من شأنه أن يوسع دور القوى الإقليمية وتأثيرها بشكل كبير، فالجارة باكستان تتمتع بأكبر قدر من النفوذ بسبب علاقتها مع حركة طالبان، وأكدت إسلام آباد دورها في الترتيب لمشاركة ممثلين رفيعي المستوى من طالبان في محادثات أبو ظبي الأخيرة.

أما إيران فقد تزايد نفوذها وبشكل كبير في الآونة الأخيرة، وقد أقامت بعناية علاقات مع حركة طالبان وقدمت لها الدعم، مع الحفاظ أيضا على صلاتها التقليدية بمكونات التحالف الشمالي السابق.

كما لم تغب روسيا أيضا عن المشهد وفتحت بابا مع طالبان، وحاولت بدء حوار أفغاني عبر موسكو، مما جعل حكمتيار يتهمها بدعم طالبان.

وتخشى الهند من أن تؤدي التسوية السياسية الأفغانية إلى استعادة حكومة تقودها طالبان، وهي تسعى الآن جاهدة للحفاظ على "أصولها" في أفغانستان من خلال المساعي مع إيران وروسيا.

كما تحتفظ الصين بأهم البطاقات "غير المستخدمة" في اللعبة، ولديها النفوذ المالي والدبلوماسي لجلب جميع اللاعبين الإقليميين -باكستان وإيران وروسيا وآسيا الوسطى- ومن الواضح أن هذه البطاقات سوف تلعبها بكين في سياق التحول المتوتر الحالي في العلاقات الأميركية الصينية الأوسع.

في المرحلة القادمة من المحادثات، يمكن للولايات المتحدة نظريا تلبية معظم مطالب طالبان، وأهمها: جدول زمني للانسحاب، وإطلاق سراح سجناء الحركة، ورفع حظر السفر على القادة.

ومع ذلك، هناك قضيتان يمكن أن تفسدا العملية بين الولايات المتحدة وطالبان: الأولى، وجود الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد ذلك وهي مكافحة الإرهاب في أفغانستان، والحوار الأفغاني.

وتريد الولايات المتحدة أن تترك وراءها قوة صغيرة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، وبحسب ما تردد فإن طالبان لم تعارض هذا في المحادثات الأولية معها.

و قد يتغير هذا بشكل خاص إذا عارضت إيران وروسيا هذا الوجود الأميركي المستمر، ومن ثم قد يكون الحل الوسط في قوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب.

وقد برز إحجام الطالبان عن التحدث إلى نظام كابل باعتباره العقبة الأهم، إذ تعتبر الحركة نفسها أنها ممثلة الشرعية التي أطيح بها بالقوة في عام 2001، كما أنها تخشى من أن تؤدي مفاوضات وقف إطلاق النار إلى إلقاء القبض على زعمائها وتقسيم حركتهم المتصدعة.

كما تعتبر الحركة الانتخابات التشريعية الأخيرة مسرحية هزلية، وهو نفس موقفها من الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتنافس فيها حكمتيار ضمن أسماء بشتونية وطاجيكية أخرى، وسط مخاوف من تكرار أعمال العنف في تلك الانتخابات، خصوصا أن لغة السلاح لا تزال تفرض نفسها على الجميع.

المصدر : الجزيرة