الانسياق وراء "صفقة القرن".. تهمة تتبادلها فتح وحماس

شاهر الأحمد-الجزيرة نت
 
أكد الفلسطينيون من مختلف التوجهات منذ البدء على رفض صفقة القرن التي تسعى الولايات المتحدة لتسويقها بهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، والتي شهد العام الماضي خطوات أميركية لإنزالها على أرض الواقع. إلا أن ذلك لم يمنع فلسطينيين لاحقا من تبادل الاتهام بالانسياق وراء الصفقة الأميركية.
 
وسُجلت تسريبات متعددة بشأن الصفقة، غير أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017 اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل أكد المخاوف الفلسطينية من أن الصفقة تهدف إلى تصفية القضية وعلى رأسها القدس وحق اللاجئين في العودة، وهو ما دفع الفلسطينيين للخروج في مظاهرات واحتجاجات شملت مختلف المدن والقرى الفلسطينية، بما فيها داخل الخط الأخضر، أدت لاستشهاد العشرات وإصابة المئات، كما شهدت عواصم عربية وإسلامية مظاهرات حاشدة ضد القرار الأميركي.
 
وزاد من الغضب الفلسطيني إقدام الولايات المتحدة في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية يوم 14 مايو/أيار 2018 على افتتاح سفارتها في القدس.
الصفقة الأميركية صيغت بما يرضي إسرائيل (رويترز)
الصفقة الأميركية صيغت بما يرضي إسرائيل (رويترز)

ما هي الصفقة؟
وصفقة القرن هي طرح أميركي غير معلن بشأن القضية الفلسطينية، يسعى لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات لصالح إسرائيل.

ولم تعلن إدارة ترامب بشكل رسمي أي تفاصيل لهذه الخطة التي صارت تعرف بصفقة القرن.

ما يشاع أن الصفقة التي وعد ترامب بتقديمها لتكون "الحل الأمثل" للصراع العربي الإسرائيلي، أشرف على إعدادها فريق أميركي ضم كلا من مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر (صهر ترامب) والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفد فريدمان والمبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وهم جميعا من عائلات يهودية ومن أشهر مناصري المستوطنين واليمين الحاكم في إسرائيل.

وحسب التسريبات، فإن الصفقة تطرح ضم القدس بشطريها لإسرائيل، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضم المستوطنات بالضفة إلى دولة الاحتلال، والسماح بحكم ذاتي للفلسطينيين على الأجزاء المتبقية من الضفة، والسماح بكيان فلسطيني على غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية.

وينتظر أن يكون موضوع التطبيع العربي مع إسرائيل أحد الأعمدة الهامة التي ستتضمنها خطة ترامب للسلام، وهو ما يعكسه تسابق عربي في الشهور الأخيرة نحو التطبيع.

وشهد العام الماضي عددا من الخطوات الخطيرة التي اتخذتها إدارة ترامب تمهيدا للإعلان عن خطته، فإلى جانب اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، فقد أقدمت على تخفيض المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية، وأوقفت المساهمة الأميركية المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) التابعة للأمم المتحدة.

كما أغلقت الإدارة الأميركية مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو المكتب الذي كان يقوم بمهام تقترب من مهام السفارات والقنصليات الأجنبية في العاصمة الأميركية.

فتح تتهم حماس
ورغم الموقف الفلسطيني المعلن الرافض لصفقة القرن، فإن السلطة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تسيطر عليها من جهة، وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) من جهة أخرى تتبادلان الاتهام بالانسياق وراء صفقة القرن.

فقد اتهمت السلطة على لسان رئيسها محمود عباس حماس بخدمة المصالح الأميركية برفضها التخلي عن السيطرة على قطاع غزة.

وفي مناسبة أخرى، اتهمت فتح قيادة حماس "بالانحراف والسقوط في مربع الاحتلال والتبعية العمياء وتنفيذها لرغبات رؤوس المؤامرة الأميركية الإسرائيلية، حتى باتت أداة تنفيذ مؤامرة صفقة القرن".

وجاء في اتهام فتح لحماس أن الأخيرة تبعث برسائل إلى إدارة ترامب والاحتلال تؤكد فيها قبولها صفقة القرن على قاعدة دولة في غزة تحت سيطرتها وهدنة طويلة الأمد، على حساب قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس وقضية عودة اللاجئين.

هنية أكد مرارا أن لا تنازل عن القدس وأن الصفقة لن تمر
هنية أكد مرارا أن لا تنازل عن القدس وأن الصفقة لن تمر "ولو قطع الرأس عن الجسد" (مواقع التواصل)

حماس والصفقة
حماس تنفي التهم التي وجهتها فتح والسلطة لها، ويقول قادتها إن الحركة تقوم فكرتها ويعتمد برنامجها على مقاومة الاحتلال ومشاريع التسوية، ومن غير المنطقي أن تتعاطى مع صفقة القرن.

ويشدد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية دائما على أن صفقة القرن لن تمر، ويؤكد أن "القدس لا تزال عربية وإسلامية وفي حراسة المرابطين والمرابطات". وأن الصفقة لن تمر "ولو قطع الرأس عن الجسد".

وتعتبر حماس أن أداءها على الأرض يثبت محاربتها للصفقة، فهي كانت وراء العديد من العمليات الفدائية في القدس والضفة، وأن عشرات العمليات الأخرى لم تكلل بالنجاح بسبب التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال.

كما أن حماس في غزة تواصل منذ نحو عامين ترتيب مسيرات العودة في قطاع غزة، وتدعم أي حراك فلسطيني أو عربي أو دولي يواجه الاحتلال وصفقة القرن. 

إحدى مسيرات العودة التي شهدها عام 2018 أكدت رفض الصفقة الأميركية والتمسك بحق العودة للاجئين (رويترز)
إحدى مسيرات العودة التي شهدها عام 2018 أكدت رفض الصفقة الأميركية والتمسك بحق العودة للاجئين (رويترز)

حماس تتهم فتح
من جهتها، اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بالإسهام بشكل أساسي في تمرير وتنفيذ صفقة القرن، وذلك باستمرارها في فرض الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة.

ومن مآخذ حماس على السلطة استمرارها في علاقتها مع الاحتلال، وتنفيذ سياسيات التنسيق الأمني، وهو ما يعطل مسار المقاومة في الضفة.

ومما تأخذه حماس على السلطة ورئيسها أن نهاية العام 2018 ومطلع العام الجاري شهدا قرارات تصب في مصلحة تنفيذ صفقة القرن. وبدأت بقرار حل المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم سحب موظفي السلطة العاملين في المنفذ الوحيد لغزة (معبر رفح)، وإغلاق مقرات فتح بغزة، وقطع رواتب المزيد من الأسرى والموظفين، بالإضافة للتهديد بعقوباتٍ أخرى، مثل التهديد بقطع المزيد من الرواتب، وتقليص الميزانيات المخصصة للمياه والكهرباء والصحة بالقطاع، وإغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون التجاريين.

السلطة من جهتها تؤكد رفض صفقة القرن، وأن نشاطها السياسي والدبلوماسي يعكس ذلك، فنشطت على المستويين العربي والدولي للتأكيد على رفض الإجراءات الأميركية وطالبت الدول العربية والصديقة بعدم الانجرار نحو التطبيع مع الاحتلال.

كما أن السلطة قطعت تواصلها الرسمي مع البيت الأبيض احتجاجا على اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي مقابل رفض الصفقة، تتحمل السلطة عقوبات أميركية وإسرائيلية كلفتها الكثير.

المصدر : الجزيرة