هشام خميّس.. مرشد سياحي فلسطيني يقاوم تزييف الاحتلال

فادي العصا-بيت لحم

يقف الدليل السياحي الفلسطيني هشام خميّس -على الرغم من بلوغه الستين من عمره- فترات طويلة في ساحة كنيسة المهد وسط مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، ليحصل على فرصة قيادة مجموعة سياحية تزور الأماكن الأكثر قدسية لمسيحيي العالم.

بدأ خميّس عمله دليلا سياحيا قبل ثلاثة عشر عاما، بعد عودته من إحدى دول الخليج التي كان يعمل فيها مترجما، متسلحا بحبه للتاريخ وزاده المعرفي الواسع الذي اكتسبه من إبحاره في القراءة.

يقول خميّس للجزيرة نت إن العقبات في عمله عامة وخاصة؛ فالسياح العرب والمسلمون لا يدخلون فلسطين ولا يزورون الأماكن المقدسة فيها، حتى لا يضطروا للذهاب إلى السفارات الإسرائيلية في بلادهم ليحصلوا على تأشيرة الدخول إلى فلسطين منها، وهذا يعيق دخول الكثير من محبي الشعب الفلسطيني.

‪كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)
‪كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)

مصاعب ومتطلبات
وأما الصعوبات الداخلية فهي أن الاحتلال يستأثر بكل ما يتميز به السائح، من إقامات وبرامج سياحية، فلا يعطي الدليل السياحي الفلسطيني إمكانية شرح روايته للزوار، لأنه لا يدخل الأرض المحتلة عام 48 إلا بتصريح خاص لا يعطيه إلا لأعداد قليلة.

‪هشام خميّس يواجه صعوبات مختلفة في عمله‬ (الجزيرة)
‪هشام خميّس يواجه صعوبات مختلفة في عمله‬ (الجزيرة)

ويرى خميّس أن عمله بحاجة إلى إلمام ومعرفة عالية، فكل موقع في الداخل الفلسطيني له قصتان: الأولى فلسطينية والأخرى إسرائيلية، فالغالبية العظمى من المواقع التاريخية أنشأها الكنعانيون، وهو تاريخ مغمور يحاول الاحتلال إزالته من أي رواية إسرائيلية، لأنه لا يوجد موقع بناه ويبنيه الإسرائيليون اليوم إلا كان على أسس تراث أو تاريخ أو تقاليد أو معابد كنعانية.

وبحسب المرشد خميّس فإن الدليل السياحي الفلسطيني يتحرك في أماكن محددة، وهي بيت لحم أولا ثم أريحا التي يزورها مرة كل شهرين أو ثلاثة لأنها تقع ضمن البرنامج السياحي الإسرائيلي، كما أن مدن الخليل ونابلس والمناطق الأثرية الأخرى لا حركة سياحية فيها وبالتالي ليس فيها عمل سياحي.

‪صورة للمرشد السياحي الفلسطيني هشام خميّس وهو يشرح لسائحين داخل كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)
‪صورة للمرشد السياحي الفلسطيني هشام خميّس وهو يشرح لسائحين داخل كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)

زيارة ومخطط
ويقدر خميّس المدة التي يقضيها الأغلبية العظمى من السياح في بيت لحم مثلا بسويعات قليلة، لأن البرنامج السياحي الإسرائيلي يكون مخططا لذلك، بزيارة قصيرة وسريعة إلى كنيسة المهد ومغارة الميلاد فيها، وشراء بعض المنحوتات الخشبية البسيطة والعودة سريعا إلى القدس والداخل الفلسطيني.

ومن خلال متابعته اليومية وتعداد الحافلات السياحية التي تزور بيت لحم، يقول هشام خميّس للجزيرة نت إن حصة الدليل السياحي الفلسطيني من العمل مع هذه المجموعات لا يتعدى 15%، لأن المرشد السياحي الإسرائيلي يدخل بيت لحم ويقدم الشروح فيها، وفي الحالات النادرة التي لا يدخل فيها المرشد الإسرائيلي يتم تحويل الحافلة إلى المرشدين الفلسطينيين.

ويأتي 90% من البرامج السياحية من مكاتب داخل الخط الأخضر، إذ لا فائدة للمرشد السياحي الفلسطيني من ذلك، خاصة أن المكاتب الإسرائيلية تمنع على المرشد الفلسطيني أن يتحدث بالسياسة، رغم أن نظراءهم الإسرائيليين يتحدثون بما يشاؤون.

‪سياح يلتقطون صورة أمام كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)
‪سياح يلتقطون صورة أمام كنيسة المهد في بيت لحم‬ (الجزيرة)

كيان مستقل
ولا يعلم السائح عن الواقع السياسي الفلسطيني شيئا -بحسب خميّس- فهو يتحرك من خلال مسارات وشوارع لا يرى فيها الحصار أو الحواجز، عدا عن التحذير الدائم من الإسرائيليين في التعامل مع أي فلسطيني.

وبحسب خميّس فإن الحل في هذه الحالة هو أن يحصل الفلسطينيون على كيان سياسي مستقل، ليعبر الدليل السياحي لزوراه عن الثقافة والتاريخ والعادات الفلسطينية، وأن تكون السفارات الفلسطينية في الخارج قادرة على إدخال السياح إلى فلسطين دون المرور بالحواجز الاحتلالية، وأن نتحكم بالبرامج السياحية بكل تفاصيلها.

يتسلح خميّس بحبه لهذه المهنة وزاده المعرفي (الجزيرة)
يتسلح خميّس بحبه لهذه المهنة وزاده المعرفي (الجزيرة)

خسارة مضاعفة
ويقول جريس قمصية من وزارة السياحة والآثار الفلسطينية للجزيرة نت، إن هناك بندا خاصا في "بروتوكول باريس الاقتصادي" -ب
حسب الاتفاقيات السياسية المبرمة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال- يوضح وجوب السماح للأدلاء السياحيين ومرافقي المجموعات السياحية المرخصين من وزارة السياحة الفلسطينية بالتحرك بحرية، والتحرك مع المجموعات السياحية طوال الرحلة وأينما ذهبت.

لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تفرض حصول المرشد الفلسطيني على تصريح "دليل سياحي" منها، وهذا جعل خمسين مرشدا فلسطينيا فقط -من أصل 250 مرشدا مرخصين- يحصلون على هذه التصاريح، مما يعتبر إعاقة لحرية حركتهم وإجبارا للمجموعات السياحية التي تأتي إلى فلسطين أن تكون مع مرافق سياحي غير فلسطيني، وبالتالي تشويه الحقائق وإعطاء معلومات مضللة.

وبيّن أنه تم ضبط الكثير من الأدلاء غير الفلسطينيين وهم يعطون روايات مغلوطة، سواء في كنيسة المهد أو في الأماكن الدينية والتاريخية الأخرى.

وتحدث قمصية كذلك عن خسارة يتكبدها الاقتصاد الفلسطيني، وخسارة للسياحة الفلسطينية التي بدأت تتبوأ مكانة عالمية على لائحة السياحة، رغم أن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تضغط دائما بكل الوسائل لإنهاء هذه الإشكالية، ويتم الاستعاضة بمرشدين فلسطينيين من القدس ليرافقوا السياح طوال رحلتهم، حتى يعطوا الصورة الحقيقية ويرافقوا المجموعات السياحة التي تأتي عبر المكاتب الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة