رغم تزايد الجريمة.. لماذا ينوي رئيس البرازيل تسهيل امتلاك السلاح؟

A Brazilian drug gang member poses with a gun in a slum in Rio de Janeiro, Brazil March 17, 2018. Picture taken March 17, 2018. REUTERS/Alan Lima
أحد عناصر عصابة للمخدرات يحمل سلاحا بأحد الأحياء الفقيرة بريو دي جانيرو في مارس/آذار الماضي (رويترز)

حسان مسعود-ساوباولو

خسر البرازيلي دالمو جونيور -الذي لم يبلغ عقده السادس- حياته قبل أن تنهي سنة 2018 آخر أيامها، لم يبال المسلحون بوجود والدته وممرضتها معه أثناء عملية السرقة، بل قتلوه مباشرةً لمجرد عدم انصياعه لأوامرهم بالتوقف.

برصاصة ودم بارد قتل المسلحون جونيور، بعد أن نصبوا حاجزا لسرقة السيارات المتجهة لقضاء عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة على طريق إحدى الجزر السياحية بين ولايتي ساوباولو وريو دي جانيرو البرازيليتين.

لا تعتبر هذه الحادثة معزولة، بل هي واحدة من آلاف الحوادث المماثلة التي تقع شهريا في البرازيل بأشكال مختلفة، لكن الذي يبدو مختلفا هذه المرة هو أنها تتزامن مع إطلاق الرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولسونارو تصريحات تؤكد عزمه على تنفيذ وعد سابق بتشريع يعطي جميع المواطنين الذين يتمتعون بسجل جنائي نظيف الحق في اقتناء السلاح وتعديل القوانين المنظمة له.

وسيحل القانون الجديد بدل القوانين الصارمة المتبعة حاليا، والتي تفرض الحصول على رخصة لأي مواطن يود امتلاك سلاح ناري بعد تجاوزه سن 25 عاما، وتقديمه عددا كبيرا من الإثباتات التي تؤكد حاجته القصوى له، إضافةً إلى إلزامية إجراء دورات تدريبية وفحوصات طبية ونفسية.

‪بولسونارو سيتسلم حكم البلاد رسميا في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل‬ (رويترز)
‪بولسونارو سيتسلم حكم البلاد رسميا في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل‬ (رويترز)

تصريح وخطورة
وأضاف بولسونارو -الذي سيتسلم حكم البلاد رسميا في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل- في تغريدة عبر تويتر أن "الرخصة المؤقتة سابقا ستصبح غير محدودة، في حال أقر البرلمان وجِهاتُ الاختصاص ذلك"، ليعيد التغريدة ابنه عضو البرلمان الفيدرالي إدواردو بولسونارو مبتهجا بالخبر، ومؤكدا للشعب البرازيلي أن الكثير من الأخبار المشابهة سيسمعونها قريبا، وهو ما يعني أن والده يقوم بتنفيذ وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، التي صنفها متابعون كثر في الوسط السياسي البرازيلي بأنها لن تتعدى كونها "وعودا انتخابية" غير قابلة للتنفيذ.

وبشأن هذه الخطوة، قال المدعي العام الأسبق والمتخصص في الشأن القضائي البرازيلي روبرتو تارديلي في حديث خاص للجزيرة نت "إن تنفيذ هذا الوعد هو خطوة في غاية الخطورة على المجتمع البرازيلي والسلم والأمن فيه، وهو دليلٌ جديد على سوء إدارة الرئيس المنتخب لبلد كالبرازيل دون الدراية الحقيقية بطبيعة البلاد وواقعها، وهو أمر مشابهٌ تماماً لإصراره على قرار خطير آخر كنقل السفارة البرازيلية إلى القدس من تل أبيب".

‪(رويترز)‬ مؤيد للرئيس البرازيلي الجديد يحمل سلاحا كرتونيا
‪(رويترز)‬ مؤيد للرئيس البرازيلي الجديد يحمل سلاحا كرتونيا

وأكد تارديلي على أن تفاصيل القرار بتسهيل حمل السلاح ليس واضحا بعد، لكن أي اتجاه لتسهيله لن يؤدي إطلاقا إلى خفض معدلات الجريمة إنما ارتفاعها بكل تأكيد، فمسؤولية الدفاع عن النفس كانت وستبقى مسؤولية الدولة فقط، ولا يعقل أن تولى هذه المهمة لأي شخص حتى وإن لم يمتلك سوابق جنائية، خصوصاً مع الحديث عن ترخيص غير محدود"، مشيرا إلى أن مثل هذا القرار يعبّر عن ضعف الدولة في مواجهة العنف وليس قوتها على الإطلاق.

وبشأن تأكيد الرئيس بولسونارو في تغريدته على السماح "بحيازة" السلاح وليس استخدامه –كونه وضع الكلمة بالأحرف الكبيرة- اعتبر تارديلي أنه "لا أحد يستطيع ضبط ذلك"، متسائلاً: "من لم يستطع ضبط الجريمة بكل أشكالها، كيف سيمنع شخصا يحمل سلاحا من استخدامه؟!"

‪تارديلي: تفاصيل القرار بتسهيل حمل السلاح ليست واضحة بعد‬ (الجزيرة)
‪تارديلي: تفاصيل القرار بتسهيل حمل السلاح ليست واضحة بعد‬ (الجزيرة)

انقسام في الآراء
ومنذ إطلاق الرئيس المنتخب وعده بإلغاء القيود على "امتلاك المواطنين السلاح للدفاع عن أنفسهم وتخفيف معدّل الجرائم في البلاد"، انقسمت ردود الأفعال واختلفت الآراء حوله، حيث يرى مؤيدو القرار أن قانون تقييد اقتناء السلاح السابق هو أحد أهم أسباب ارتفاع نسبة ضحايا العنف والجرائم في البرازيل، نظراً لامتلاك "البلطجية" -كما يسميهم البرازيليون- الأسلحة أصلا في ظل غياب امتلاكها من قبل ضحاياهم، مما يمنحهم الشجاعة للقيام بعمليات السرقة والقتل، مع يقينهم بأنهم لن يواجهوا أية مقاومة، إلا في حالات نادرة.

ويقول سيرجيو (33 عاما) وهو يعمل سائق سيارة أجرة في ساوباولو للجزيرة نت "نعيش تحت تهديد دائم بالسرقة من قبل مسلحين، ولا نملك شيئاً لمقاومتهم، أنتظر تطبيق هذا القرار بأسرع وقت حتى أشعر بشيء من الأمان، وأنا متأكد من أن السارق سيفكّر ألف مرّة قبل تهديدي بالسلاح".

‪(رويترز)‬ أسلحة صادرتها الشرطة ودمرتها
‪(رويترز)‬ أسلحة صادرتها الشرطة ودمرتها

وحول التحليلات بأن القرار سيسمح بحيازة السلاح في المنزل فقط، قال سيرجيو "انتخبت الرئيس بولسونارو لأحافظ على أمني، وأريد أن أحمل سلاحي معي في السيارة كما في المنزل، لأن سرقة السيارات أو مقتنياتها أكثر من سرقة المنازل".

أما ماريا (52 عاماً) فقد عبّرت للجزيرة نت عن تخوفها الشديد من تطبيق هذا القرار "أنا لا أعلم كيف أستخدم السلاح، ولن أحمله يوما كيف أدافع عن نفسي؛ فما دور الدولة؟ أليس حمايتي ومنع وجود السلاح في كل البلاد؟" مضيفةً "أريد أن ينعم بلدنا بالسلام، نريد سلاحاً أقل في البرازيل وليس أكثر".

‪(غيتي)‬ نسب الجريمة مرتفعة في البرازيل ومتوسط عدد القتلى شهريا يناهز خمسة آلاف
‪(غيتي)‬ نسب الجريمة مرتفعة في البرازيل ومتوسط عدد القتلى شهريا يناهز خمسة آلاف

احصاءات صادمة
وتشير إحصاءات المنظمات المناهضة للعنف في البلاد إلى أن متوسط أعداد ضحايا عمليات العنف والجريمة المنظمة وغير المنظمة من الشباب وحدهم في البرازيل خلال السنوات الـ11 الأخيرة يعادل سبعة أضعاف عدد قتلى الجنود الأميركيين في حرب فيتنام على مدار عشرين عاماَ، مشيرين إلى أن أعداد قتلى الجريمة في البلاد باتت أكثر من البلدان التي تشهد حالات حرب.

وفي دراسة صادمة، أعلنت عنها وكالة "جي 1" (G1) المتخصصة في إحصاءات الجرائم في البرازيل، أظهرت البيانات مقتل أكثر من 26126 شخصاً خلال الربع الأول من عام 2018 فقط، مع عدم استطاعتهم الحصول على بيانات ثلاث ولايات (مارانياو، وبارانا، وتوكانتينز) نظراً لعدم إفصاحهم عنها، في حين أكدت الدراسة أن متوسط عدد القتلى شهرياً في البرازيل يفوق 4350 شخصا، نتيجة محاولات السرقة والقتل العمد والجريمة.

يُعتبر هذا القرار الذي يصرّ عليه الرئيس الملقب "بترامب البرازيل" دليلا جديدا على اهتمام الإدارة الجديدة بتطبيق النموذج الأميركي في إدارة البلاد على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصاً مع تصريحات بولسونارو الكثيرة التي تمجد هذه التجربة، وتحث على الاقتداء بها على مختلف الصعد.

في المقابل، يرى معارضو الرئيس أنه ينسى دائما الاختلاف الكبير بين طبيعة البرازيل وتاريخها وثقلها والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يجعل هذه الرؤية خطيرة على البلاد ومستقبلها.

المصدر : الجزيرة