أخوّة الدم.. حلقة الربط الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا

مدخل المحكة الرئيسة لقطارات السكك الحديدية
مدخل المحطة الرئيسية لقطارات السكك الحديدية في كييف حلقة الوصل الوحيدة مع روسيا (الجزيرة)
صفوان جولاق-كييف
أمام عربة القطار المتجه من العاصمة كييف إلى موسكو تقف مارينا تتفقد بين الحين والآخر جوازي السفر في حقيبتها، أولهما أوكراني وثانيهما روسي، تستخدم الأول لعبور الحدود الأوكرانية، والثاني للروسية، فهذا يسهل عليها الإجابة عن الكثير من الأسئلة على نقاط العبور. 
تحرص مارينا على إخفاء حقيقة امتلاكها جوازي سفر، فبلادها أوكرانيا لا تسمح بتعدد الجنسية، وهذه الطريقة هي الأفضل حاليا للذهاب إلى بيت زوجها الروسي.
وتقول مارينا للجزيرة نت إن زوجها كان يعيش في أوكرانيا ويحمل جنسيتها، لكنه قرر العودة إلى بلاده الأصلية بعد بداية الأزمة لأن "نظرة معظم الناس إلى الروس تغيرت بعد ثورة 2014 فباتوا أعداء بعد أن كانوا إخوة" كما تقول.
القطارات المباشرة والعابرة باتت الخيار شبه الوحيد للتنقل بين أوكرانيا وروسيا (الجزيرة)
القطارات المباشرة والعابرة باتت الخيار شبه الوحيد للتنقل بين أوكرانيا وروسيا (الجزيرة)
ترابط قديم
وما مارينا وزوجها إلا عينة من ترابط اجتماعي قديم بين البلدين يسبقه ترابط عرقي وتاريخي يعود إلى القرون الوسطى التي نشرت إماراتها العرق السلافي بين دول المنطقة.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن نسبة الروس في أوكرانيا كانت 22% من إجمالي عدد السكان الذي كان يبلغ 51 مليون نسمة عند الاستقلال في 1991، ثم تراجعت النسبة حتى وصلت إلى ما دون 12% في عام الثورة البرتقالية 2004 الذي شهد أول حراك موالٍ للغرب.
وكانت تتركز مناطق انتشار الروس في شبه جزيرة القرم جنوبا وإقليم الدونباس شرقا، وبعد اقتطاع القرم واشتعال الحرب في الدونباس تراجعت نسبة الروس إلى نحو 5-8% من إجمالي عدد السكان الذي يقدر حاليا بنحو 42 مليون نسمة، وفق تقديرات مختلفة.
وقد أشار مركز التوظيف الحكومي في أوكرانيا إلى أن عدد الروس الذي يعملون حاليا في أوكرانيا -على أساس وثائق روسية- لا يزيد على 1600 شخص فقط.
السلطات الأوكرانية ألغت هذا العام 48 اتفاقية تعاون مع روسيا في خطوات تصعيدية ضد موسكو (رويترز)
السلطات الأوكرانية ألغت هذا العام 48 اتفاقية تعاون مع روسيا في خطوات تصعيدية ضد موسكو (رويترز)
عنوان القطيعة
كان عام 2014 عنوانا عريضا لقطيعة تلوح في الأفق بين أوكرانيا وروسيا، وهذا ما ترجمته الأعوام القليلة الماضية واقعا عمليا، ولا سيما بعد ضم أراضي القرم إلى الأراضي الروسية، واشتعال حرب ضد الموالين لموسكو في إقليم الدونباس بالشرق الأوكراني.
وتسارعت خلال السنوات الخمس الماضية الإجراءات المضادة بين الجانبين لتشمل إلى جانب الحرب معظم جوانب العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان آخرها إلغاء كييف قبل أيام معاهدة الصداقة الموقعة عام 1997 مع موسكو التي كانت أساسا للتعاون والدعم المتبادل في المحافل الدولية بعد أن ألغت 48 اتفاقية تعاون وتنسيق في مختلف المجالات مع بداية الشهر الجاري.
وقبل ذلك ألغى الجانبان جميع الرحلات الجوية المباشرة، والكثير من اتفاقيات التعاون الصناعي والزراعي والتجاري، كما أغلقت معظم المنافذ الحدودية أمام عبور السلع والبضائع إلى أسواق التصدير المحلية والخارجية.
ناشطون من اليمين المتطرف في أوكرانيا يطالبون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا (رويترز)
ناشطون من اليمين المتطرف في أوكرانيا يطالبون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا (رويترز)
تقليل الروس
وإذا كانت القطيعة ملموسة في المجالات السياسية والاقتصادية إلا أن المجال الاجتماعي يقاوم حتى الآن، ويعتبره الخبراء آخر حلقات الربط بين أوكرانيا وروسيا.
ويقول رئيس مركز صوفيا للدراسات الاجتماعية في كييف أندري يرمولايف للجزيرة نت إن "الكثير من الأسباب ستؤدي حتما إلى تراجع نسبة الروس في أوكرانيا والأوكرانيين في روسيا، وعلى رأسها الحرب والعداوة القائمة اللتين شكلتا حالة غضب وحقد لا يمكن إخفاؤها".
ويضيف يرمولايف أن سياسات موجهة في أوكرانيا هدفها البعيد تقليل نسبة الروس والترابط الاجتماعي مع روسيا، للحد من تأثير هذه النسبة على نتائج الانتخابات والرأي العام والحس الوطني كما كان يحدث سابقا.
ومن هذه السياسات تشديد إجراءات منح الروس الجنسية الأوكرانية، الأمر الذي كان سهلا نسبيا فيما سبق، وإلزام المؤسسات التعليمية والإعلامية باللغة الأوكرانية.
ويشير إلى القرار الأخير بمنع الذكور الروس من دخول أراضي أوكرانيا في إطار "حالة الحرب" المعلنة، وإلى أن الحكومة الأوكرانية ستناقش العام المقبل اقتراحا بوقف جميع رحلات السكك الحديدية المباشرة بين البلدين التي هي خيار شبه وحيد للتنقل حاليا، وهذا سيؤثر دون شك على جانب الربط الاجتماعي.
كل هذا سيؤدي تدريجيا -بحسب يرمولايف وكثيرين غيره- إلى تمام القطيعة مع روسيا، لأنه سيشكل تعقيدات كثيرة وسينهي شيئا فشيئا أخوة "الدم" الذي يراق في مواجهات عسكرية مستمرة بين الروس والأوكرانيين.
المصدر : الجزيرة