كيف أعاد النهب حلب إلى القرون الوسطى؟

A bus blocks a road amid damage on the Salah Al-Din neighbourhood frontline in Aleppo December 6, 2014. REUTERS/Mahmoud Hebbo (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT TRANSPORT TPX IMAGES OF THE DAY)
حي صلاح الدين في حلب يلخص مشهد الدمار (رويترز)

تشير التقديرات إلى أن ثلث المباني في سوريا دُمّر خلال سنوات الحرب السبع، لكن معركة جديدة تدور رحاها اليوم بين خبراء الآثار المغتربين والمحبطين من الدمار الذي لحق ببلادهم، وبين اللصوص على الأرض الذين يتمتعون بالحصانة.

وتطرقت الخبيرة بآثار الشرق الأوسط ديانا دارك في مقال لها نُشر على موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إلى عمليات النهب التي يقوم بها قطاع الطرق وعناصر "الشبيحة" (مؤيدي النظام) للآثار في سوريا.

وأفادت الكاتبة أنه علّق مؤخرا ملصق على المباني في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام بحلب، يحمل رسالة مفادها "معاً سنجعل البلاد أكثر جمالا". لكن تبدو الرسالة غامضة، إذ إنها لم تحدد الأطراف المسؤولة عن إعادة الإعمار.

في المقابل، تدّعي مجموعة من العصابات والشبيحة، يطلقون على أنفسهم "رجال النمر" أنها ستضطلع بهذا الدور. تجدر الإشارة إلى أن "النمر" ليس سوى الجنرال سهيل الحسن الذي يعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيم الحرب السوري المفضل لديه.

‪هذا حال المسجد الأموي العريق‬ هذا حال المسجد الأموي العريق (الجزيرة)
‪هذا حال المسجد الأموي العريق‬ هذا حال المسجد الأموي العريق (الجزيرة)

غض الطرف
تعتبر إعادة ترميم جامع الأكحل في حي الجديدة بحلب آخر إنجازات هذه المجموعة، ويحمل الجامع -الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1485- مادة الملاط الأخضر التي تؤكد أنه تم ترميمه حديثا. ويوثق مقطع فيديو منتشر على يوتيوب هذا الإنجاز، ويصف المجموعة "بالأيادي البيضاء".

فضلا عن ذلك، أعاد أفراد هذه المجموعة بناء مدرسة الفضيلة القريبة، وأنشؤوا نصبا تذكاريا لتخليد إنجازهم هذا في ذاكرة الأجيال القادمة.

ووفقًا لمصدر محلي، تتمتع عصابات الشبّيحة بالحرية للقيام بما يحلو لها. لكن يضمر العديد من سكان حلب الكراهية لها، حيث ينتمي أغلب أفرادها إلى الطائفة العلوية والماردينية التركمانية، بحسب الكاتبة دارك.

وأضافت الكاتبة: من الواضح أن نظام بشار الأسد غير راغب أو غير قادر على كبح جماح هذه العصابات، وقد غضّ الطرف عن عمليات النهب التي تقوم بها. وصرح أحد السكان لموقع "ميدل إيست آي" أن هناك تسلسلا هرميا لتقاسم الغنائم، فأجهزة التلفزيون من نصيب الضباط، أما الثلاجات وغسالات الملابس فتُوزع على الذين يحملون رتبا متوسطة، وأما الخشب والأسلاك المنهوبة من المنازل المهجورة فمن نصيب الرتب الدُنيا.

وأضاف المواطن "هذا مثير للاشمئزاز فعلا. الشاحنات المحملة بالغنائم -التي تعد مكافأة على ولاء هؤلاء لنظام الأسد- تجوب المدينة في وضح النهار. نحن نعيش في العصور الوسطى".

وأوضح المقال أن المكانة التي تحتلها معالم حلب كموقع للتراث العالمي لليونسكو لم توفر لها الحماية من الدمار الذي لحق بها سنة 2012، حيث دُمرت مساحات شاسعة وسط حلب وشرقها جراء القصف الجوي والتفجيرات التي قامت بها أطراف الصراع.

‪مسجد هارون دادا الأثري بحي قاضي عسكر بحلب القديمة قصفه النظام‬ مسجد هارون دادا الأثري بحي قاضي عسكر بحلب القديمة قصفه النظام (الجزيرة)
‪مسجد هارون دادا الأثري بحي قاضي عسكر بحلب القديمة قصفه النظام‬ مسجد هارون دادا الأثري بحي قاضي عسكر بحلب القديمة قصفه النظام (الجزيرة)

تضاعف الفساد
من الواضح اليوم أن جهود إعادة الإعمار الرسمية الوحيدة الجارية هي إعادة ترميم الجامع الأموي الكبير في حلب الذي تكفل بدفع تكاليف ترميمه (صديق بوتين) الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.

وطالت عمليات إعادة الإعمار الكنائس والكاتدرائيات الموجودة بالمدينة، ويرجع الفضل في ذلك إلى العلاقة الوثيقة التي تربط الكهنة والبطاركة بالنظام السوري.

في المقابل، تكفّل بعض أصحاب المنازل بإصلاح الأضرار بعد سقوط المدينة بيد النظام أواخر سنة 2016، ولكن بدأت هياكل الدولة بعد ذلك في إعادة تأكيد دورها.

وقال أحد السكان "أصبح الأمر الآن أسوأ مما كان عليه قبل الحرب. ففي ذلك الوقت على الأقل كانت هناك جهة واحدة فقط تتوجه إليها لتحصل على إذن. والآن أصبحت هناك خمس جهات، وكل واحدة منها تريد نصيبها من الأموال. لقد تضاعفت فرص الفساد".

ويحاول المواطنون بما استطاعوا استعادة مظاهر الحياة، حيث كانت شوارع الجديدة -التي مثلت خط جبهة في الصراع- مليئة بالأنقاض، لكن المتطوعين نظفوا الشوارع بشق الأنفس، وهي عملية سارعت الحكومة إلى نسب الفضل فيها إلى نفسها.

وفي 28 سبتمبر/أيلول، وصل الأمر بالحكومة إلى تنظيم يوم سياحي دولي في ساحة الحطب -الذي تم تصويره من قبل قناة الميادين الموالية للنظام فضلا عن قناة حكومية روسية- كي تظهر للعالم كيف عادت حلب إلى وضعها الطبيعي.

وأشارت الكاتبة إلى أنه لا يوجد مجال لترميم الآثار، ويكمن الخطر في أن هذه العملية مكلفة للغاية مما يجعلها ضحية الجمود البيروقراطي الذي يعطّل إعادة الإعمار، بينما لا يرغب النظام في أن تقوم المجتمعات بإعادة بناء نفسها، بل يرغب في أن يظل المجتمع ممزقا ليسهل السيطرة عليه حين يكون "محطما".

واعتبرت أن التراث الثقافي المشترك قد يعزز الهويّة السوريّة وسط الانقسامات الدينية والعرقية، ليصبح جزءا من عملية مصالحة وطنية، كما يمكن لهذا التراث أن يساهم في تمكين النساء اللاتي يفوق عددهن الآن الرجال، لإعادة بناء القواعد المدمَّرة لبلادهن.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ظهرت تقارير لاثنين من الأطنان المترية من الآثار المنهوبة التي تم اكتشافها بمنزل النمر في دمشق.

في الأثناء، يبدو فريق المهندسين المعماريين السوريين في برلين ومناطق أخرى عاجزا عن التدخل، فكل ما يستطيع هؤلاء القيام به هو الأمل بأن يظل هناك شيء من التراث الثقافي السوري ليتم إنقاذه، حين يأتي اليوم الذي يمكن فيه لسوريا أن تستفيد أخيرا من أرشيفها الرقمي.

المصدر : ميدل إيست آي