أردنيون يحشدون "الشماغات الحمراء" ضد الحكومة

Police detain a man during a protest near the Prime Minister's office in Amman, Jordan June 6, 2018.REUTERS/ Ammar Awad
ناشط يرتدي الشماغ الأحمر بقبضة الشرطة خلال احتجاج سابق بعمان (رويترز)

هديل الروابدة-عمان

استلهم ناشطون أردنيون فكرة حملة "الشماغات الحمراء، عام التغيير 2019″، من حركة "السترات الصفراء" في فرنسا، للتحشيد لاحتجاجات جديدة الخميس القادم، رفضا لقانون الضريبة المثير للجدل وللنهج الاقتصادي والسياسي، وإسقاط حكومة الدكتور عمر الرزاز وحل مجلسي النواب والأعيان.

ودعا منظمو الحملة عبر الحساب الرسمي لها على موقع "فيسبوك" المعتصمين إلى ارتداء الشماغات الحمراء، لدلالتها الوطنية والتاريخية.

ولاقت هذه الحملة إلى جانب حملتين أخريين تحملان المطالب ذاتها، استجابة واسعة لدى الأردنيين حيث بلغ مجموع عدد المهتمين بالمشاركة بالاعتصامات نحو 18 ألف مواطن.

"خيبة الأمل" دفعت بالاحتجاجات الشعبية بمحيط الدوار الرابع -قرب مقر رئاسة الحكومة في العاصمة عمان– إلى الواجهة مرة أخرى الخميس الماضي، عقب إقرار قانون ضريبة الدخل، الذي اعتبر أسوأ من قانون حكومة الدكتور هاني الملقي المسحوب، لما يحويه من ضرائب إضافية لم تكن في عهد الملقي، بحسب مراقبين.

ورغم التعويل على حكومة الدكتور عمر الرزاز التي جاءت إثر احتجاجات شعبية واسعة بتغيير النهج الاقتصادي وسياسات الجباية والإفقار واستحداث نهضة وطنية شاملة، فإن إنجازات الرجل لم تلق أي رضى شعبي، واستنزف جميع المُهل التي منحها لنفسه إبان تسلمه دفة الرئاسة دون أي تقدّم يُذكر، وفقا للمراقبين.

‪مظاهرات بالعاصمة الأردنية عمان في وقت سابق للاحتجاج على قانون ضريبة الدخل‬ (الجزيرة نت)
‪مظاهرات بالعاصمة الأردنية عمان في وقت سابق للاحتجاج على قانون ضريبة الدخل‬ (الجزيرة نت)

تجدد الاعتصامات
عبر وسم "مليونية الرابع.. خميس الشعب"، انطلقت الدعوات لتنفيذ وقفة احتجاجية الساعة الخامسة مساء الخميس الماضي أمام ساحة مستشفى الأردن، للمطالبة بتحقيق عدد من المطالب في مقدمتها خفض ضريبة السلع الأساسية، وشهد محيط الدوار الرابع توافدا كبيرا من قبل المحتجين، رغم برودة الجو وتساقط الأمطار بغزارة.

وشهدت الاحتجاجات هذه المرة دخول فئات جديدة تشارك لأول مرة في الاحتجاجات، دون أي غطاء نقابي أو حزبي، فالقهر والإحباط هو من دفع بالمحتجين بالتوجه إلى الشارع، بعد أن فشلت الحكومة في معالجة الفقر والبطالة والارتفاع الجنوني للأسعار والشروع بتنفيذ أي برنامج حقيقي للتصدي لهذه التحديات المتجذرة، بحسب المعتصمين.

"لم نتنحَ"
وفي ظل الاتهامات الشعبية للنقابات بتخليها عن الشارع ومطالبه وغيابها عن المشهد الجديد للحراك لأسباب "غير مفهومة"، يؤكد رئيس مجلس النقباء الدكتور إبراهيم الطراونة للجزيرة نت أن النقابات لا تزال في حالة اشتباك مع الحكومة لتحقيق مطالب جديدة كتخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية مثلا، ولكن بطريقة جديدة "مجدية أكثر"، وهي "الحوار" بحسب رأيه.

‪فهد الخيطان: الحكومة استبقت أي تصعيد في الشارع بإجراءات‬ (الجزيرة نت) 
‪فهد الخيطان: الحكومة استبقت أي تصعيد في الشارع بإجراءات‬ (الجزيرة نت) 

ويتساءل الطراونة عن هوية الجهات المنظمة للاعتصامات الجديدة، معتبرا أن المعتصمين ومن يقودهم ارتأوا أن يعبروا عن أنفسهم بالخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم بطريقتهم الخاصة التي أكد احترامه لها.

ويضيف قائلا "لا نستطيع إعلان التصعيد تجاه الحكومة طالما أنها تفتح باب الحوار على مصراعيه أمام مطالبنا"، مشددا على أن النقابات تعرف كيف ومتى تتخذ طرقا أخرى لتحقيق مطالبها.

سيناريوهات للحل
بهدوء حذر تترقب أوساط سياسية ما ستؤول إليه الأمور في ظل استمرار التحشيد لاحتجاجات جديدة الخميس القادم، وتساؤلات عديدة تطرح في الأوساط ذاتها، حول السيناريوهات المتاحة أمام رئيس الحكومة لتجنب تعمق الأزمة، خاصة أن هامش حريته في القفز بين الحلول بات ضيقا، بحسب مراقبين.

يرى المحلل السياسي والكاتب فهد الخيطان أن رئيس الحكومة بدأ فعلا باستباق أي تصعيد في الشارع، عبر إجراءات سياسية وإدارية وتلبية بعض المطالب واحتواء الغضب الشعبي، الذي تبلور في سحب قانون الجرائم الإلكترونية من عهدة البرلمان، لتعيد دراسة مشروعه المعدل بعد التشاور مع متخصصين.
 
‪مراد العضايلة: الأزمة السياسية والاقتصادية وصلت إلى مرحلة حرجة‬ (الجزيرة نت)
‪مراد العضايلة: الأزمة السياسية والاقتصادية وصلت إلى مرحلة حرجة‬ (الجزيرة نت)

ويؤكد الخيطان في حديثه للجزيرة نت على مرونة الحكومة تجاه المطالب الشعبية وخاصة "العفو العام" الذي سيؤثر إيجابياً في عمق المزاج العام للمواطنين وتوجهات الشارع، لافتا إلى إمكانية تحقيقه مطلع العام القادم.

ويصف المطالب الأخرى التي حملتها أصوات المعتصمين إلى الدوار الرابع بأنها "عابرة للحكومات" وعامة ولا تتطلب إجراءات مباشرة كمحاربة الفساد مثلا، حيث تقوم الحكومة بإحالة أي قضايا فساد كتلك الواردة في تقارير ديوان المحاسبة إلى هيئة النزاهة بشكل يومي، في حين استبعد أن تتراجع الحكومة عن قانون ضريبة الدخل الذي دخل حيز التنفيذ.

الحوار فحسب
"الحوار هو الحل، وليس أمامنا إلا الحوار"، بهذه الجملة علقت وزيرة الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات لدى سؤالها عن تفاصيل الخطة الحكومية الرامية إلى احتواء غضب الشارع.

وبينت في تصريح للجزيرة نت أن الحكومة ترصد بدقة هتافات المحتجين ومطالبهم، ليصار إلى متابعتها ودراستها وتحليلها، للخروج بحلول منطقية عادلة للجميع.

وتؤكد في السياق ذاته، على دور الحكومة في صون حرية التعبير والنقد الموضوعي والاحتجاج التي كفلها الدستور الأردني للمواطنين طالما لم تتجاوز مظاهر التعبير عنها نصوص القانون ولم تتعارض معه.

‪ارتفاع الأسعار دفع المحتجين مجددا إلى الشارع‬ (الجزيرة نت)
‪ارتفاع الأسعار دفع المحتجين مجددا إلى الشارع‬ (الجزيرة نت)

تدخّل العرش
ويذهب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي المهندس مراد العضايلة إلى اعتبار أن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأردن وصلت إلى "مرحلة حرجة" باتت تستوجب تدخل مؤسسة العرش.

ويرى أن الدولة اليوم حالها كحال "هرم مقلوب" أولوياتها متخبطة، يعتمد مسؤولوها على حل مشاكلها الجزئية دون المفصلية، بطريقة تجميلية، حتى اتسعت فجوة الثقة بين مؤسساتها وشعبها وغدا من الصعب ترميمها.

ويؤكد للجزيرة نت على ضرورة أن تدرك مؤسسة العرش ومؤسسات الدولة المعنية، خطر المخططات الجاثمة بوقار في طريق نهضة الوطن، الرامية إلى تغيير وجه الدولة وهويتها ومستقبلها ونظامها السياسي، والبدء فورا بتنفيذ إجراءات علاجية عميقة كتلك التي حدثت في عام 1989.

ويعتقد العضايلة أن جوهر الأزمة جاء نتيجة إقصاء الشعب عن المشاركة في إدارة الدولة ومؤسساتها والملفات التي تدير حياته، معتبرا أن هناك "نخبة" بعينها تهيمن على الحكم وصناعة القرار.

وبالعودة إلى الحملات الإلكترونية الداعية إلى الاحتجاجات، فمنظموها يتقنون-حتى اللحظة- التواري جيدا عن الأنظار، رغم المحاولات العديدة للتواصل معهم عبر حساباتهم الرسمية، تجنبا لأي ملاحقة أمنية.

المصدر : الجزيرة